أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - البعض يريد كليباً حياً















المزيد.....

البعض يريد كليباً حياً


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1040 - 2004 / 12 / 7 - 06:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حرب البسوس القبائلية العربية الشهيرة، استمرت ستة وثلاثون عاماً بسبب ناقة امرأة كما تعودنا أن نقول، رغم أن الحقيقة هي أن امرأة من أعيان القوم كانت طوال الوقت تتخذ من مقتل أخيها كليب مبرراً لاستمرار سفك الدماء إلى ما لا نهاية، وكلما عرضوا عليها شروطاً للصلح تضيف إليها شرطاً واحداً قائلة: أريد كليباً حياً!!!
أتذكر تلك القصة كثيراً وأنا أستمع لحديث الكثيرين عن قضية فلسطين، والتي طال القتال حولها أكثر مما طالت حرب البسوس، وليس في هذه المقارنة تقليلاً من عدالة القضية الفلسطينية، فبالتأكيد كان مقتل كليب جريمة تستحق أن تقوم بسببها الحروب بين القبائل، بمقاييس ذلك الوقت على الأقل، وإن كنا مازلنا نرى الدنيا بذات المفاهيم، سواء كنا من أبناء يعرب حقيقة، أو كنا ممن أُجبروا على التنكر لأجدادهم الحقيقيين، لننسب أنفسنا لهذا اليعرب البدوي، الذي لم يلقن أبناءه وأحفاده غير حرفة الغزو والنهب والسلب.
لقد ظُلمت تلك المرأة ولا شك حين تم قتل أخيها، لكن الشرط الذي كانت تضعه لإنهاء القتال، وهو إعادة إحياء أخيها الميت، لم يكن الغرض منه رفع الظلم، فهي تعلم كما نعلم نحن أن هذا مستحيل، لكنها كانت تقول ذلك كمبرر - يصادق عليه الجميع – لاستمرار سفك الدماء إلى أبد الآبدين، تنفيساً لنوازع الحقد والكراهية المختزنة داخل نفسها، سواء بسبب قتل كليب كما كانت تعلن للناس، أو بسبب طبيعتها الشخصية وتكوينها الفكري، الذي ينزع لاستمراء مشاعر وأفكار الحقد الأسود الذي لا نهاية له، ولا يلطف من لظاه المشتعل بداخلها غير سفك الدماء وحرق الأخضر واليابس، أو أن هناك أطرافاً خفية كانت تستغل هذه المرأة الحقود لتحقيق أهدافها السرية الخاصة، والتي لا علاقة لها بكليب الفقيد الكريم!!
هذا فيما أرى هو ذات موقف الكثيرين في قضية فلسطين، فلقد قُتل كليب الفلسطيني منذ أكثر من قرن كامل من الزمان مع تزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتم دفنه من أكثر من نصف قرن بقرار الأمم المتحدة للتقسيم وقيام دولة إسرائيل، لكن الدول العربية – مدفوعة بأغراض شتى – أبت أن تنهي الأمر عند هذا الحد، وأرادت "كليباً حياً"، وخاضت حرب 1948 ليتم قتل المزيد من أخوة كليب وأبنائه، أي ضياع المزيد من الأرض الفلسطينية، وسفك المزيد من الدماء، ويستمر صراخ صاحبة البسوس والمتاجرين بقضيتها، بالإصرار على استعادة كل الأرض السليبة من النهر إلى البحر، والأيام تمضي، وجسد كليب يتحلل في قبره، والأرض السليبة يتم هضمها في جسد الدولة الإسرائيلية، ونحن نبكي ونتباكى على حقنا المهدر، دون أن يجرؤ أحد – إلا قِله اتهمناها بالخيانة – على تخطي مأساة مصرع كليب، لوقف المحرقة التي تأتي على من تبقى من قبيلته التي لا تعبأ بقطار الزمن، فتركها ومضى.
المشكلة أنه في قضية فلسطين، وبفضل تعاملنا غير الرشيد، والذي تدخلت فيه عناصر شتى غير القضية الأساسية، ومنها الأغراض الخفية والانتهازية للحكام العرب على مر العقود، والكراهية العقائدية عند بعض العناصر لليهود بصفتهم الدينية، وبغض النظر عن القضية محل النظر، بل وكثيراً ما يتم الاستناد لمبررات دينية تاريخية ترجع لأربعة عشر قرن مضى، لتكون النتيجة أنه صار لدينا أكثر من كليب قتيل، لنبدأ - منذ زيارة السادات التاريخية للقدس – في الانقسام إلى فرق، كل منها يريد "كليباً حياً"، فبعضهم - مثل جماعتي حماس والجهاد وحزب الله وجماعات فلسطينية علمانية أخرى – يريد "كليباً الأول حياً"، أي يريد تحرير الأرض السليبة من النهر إلى البحر، والبعض يترحم على "كليب الثاني" المتمثل في قرار التقسيم، والبعض تنازل واكتفى بالمطالبة بإحياء "كليب الثالث"، أي بحدود 1967 وقرار مجلس الأمن 242، بل أن هنالك مطالبات الآن بإحياء "كليب الرابع"، أي حدود ما قبل الانتفاضة المباركة!!
وبناء على أصالتنا وهويتنا العربية التي لم ينجح الزمن في تذويبها، انخرطنا في صراع داخلي ومزايدات وصراخ وتخوين وتكفير، فالأكثر حصافة وطلباً للسلامة أو للمزيد من الجماهيرية، هو من يطالب بإحياء "كليب مبكر"، من قائمة الكليبين التي تصير أطول مع توالي العقود والنضال المجيد، فمن ينادي بإحياء "كليب الأول"، كامل فلسطين، هو الأكثر وطنية وجماهيرية، ومن حقه تخوين وتكفير المطالبين بإحياء باقي "عائلة كليب العزيزة"، وهكذا باقي الفئات كل منها متاح له تكفير وتخوين المطالبين بإحياء كليب أعلى درجة.
إذا كانت حرب البسوس الطاحنة قد جرت قبل الإسلام في العصر الجاهلي، وحكمتها العلاقات والمفاهيم والعادات الجاهلية، وإذا كان ما أوردناه من تحليل وتماثلات بينها وبين ما يجري الآن ومنذ عقود في التعامل مع قضية فلسطين يحوي قدراً من الدقة، فمن حقنا أن نساءل أنفسنا: متى نخلع عنا ثوب جاهليتنا، ومتى نطل برؤوسنا على القرن الحادي والعشرين؟!!
إننا نتحسب من إلقاء التهم جزافاً، فالمتابع لخطاب الجماعات الأصولية المتطرفة يستطيع أن يرصد مقولات واضحة لا لبس فيها، تؤكد أن الصراع ليس هدفه – من وجهة نظرهم – أرضاً ولا وطناً، وإنما الغل والعداء لليهود أعداء الله، وأن القضية الوطنية مجرد مناسبة مثلى، نستخدمها عند الحاجة كمبرر لقتلهم، تماماً كما اتخذت صاحبة البسوس مطلب إحياء كليب كمبرر لإشعال نيران لا تنطفئ، ما لم ينطفئ غل نفسها الذي لا نهاية له.
ربما لن نختلف كثيراً في موقف أنظمة الحكم العربية، والجاثم على قمة كل منها قائد ضرورة وبطل مظفر وزعيم ملهم، من مصلحته أن يرفع شعار "أريد كليباً حياً" وشعار "لا صوت يعلو على صوت إحياء كليب"، ولا أظننا بحاجة لتوضيح ما يعود به هذا التكتيك من فوائد على القائد المناضل معبود الجماهير، وما يوفره من سنوات حكم مديدة، حتى يحين أجله بعد عمر طويل، ليتم تتويج ابنه القائد الملهم الصغير، الذي سرعان ما يصبح كبيراً!!!
هل من حقنا نحن الذين بتهور وعدم حصافة نضع أنفسنا في موضع الاتهام بالعمالة والكفر وإضمار السوء للوطن والدين، ونجعل من أجسادنا هدفاً لطلقات الرصاص، ولسيارات مفخخة يقودها الراغبون في دخول الجنة، هل من حقنا أن نتساءل من لشعب فلسطين وعائلاته ومستقبله؟!!
من منا يمتلك شجاعة التقدم للأمام دون أن يتجه برأسه للخلف؟!
من يقرر الكف عن البكاء على اللبن المسكوب، ويكرس جهده لإيقاف سكب المزيد من اللبن والأرواح ومقدرات الحياة؟!!
من يقرر الفكاك من عقدة الثأر الجاهلية، ويترحم على الأجداد وما كابدوه محاولاً أن يكون مصير الأبناء والأحفاد أكثر إنسانية وتوفيقاً؟!
من منا يمتلك الشجاعة والإخلاص للمناداة بعزل ومحاصرة أصحاب نهج صاحبة البسوس، نهج الحقد الأسود الذي لا يرتوي حتى لو سالت الدماء أنهاراً ومحيطات؟!!
من منا يجعل قضيته هي إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأكرر قول "ما يمكن" لا "ما يستحيل" إنقاذه؟!!
أم أن الوطنية ألا نكف حتى لو صار عدد كليب 300 مليون بين قتيل وفقير معدم وجاهل ومستعبد من حكام أشاوس، ومن مخدوع ومضلل من جوقات مثفقين وإعلاميين يجيدون استحلاب الدولارات والدراهم، بقدر ما يجيدون المزايدة ونعيق الشعارات؟!!
أم إننا أمة قررت الانتحار عن طيب خاطر؟!!



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إبراهيم نافع والفاشيون العرب
- حوار مع صديقي الملحد -2
- الليبراليون الجدد يوقدون الشموع
- المسألة القبطية ومنهج الرقعة الجديدة على ثوب عتيق
- حوار مع صديقي الملحد
- غلب حماري
- خواطر من عرس ابنتي
- ليس رداً على صنديد العروبة عبد الباري عطوان- العراق وفلسطين ...
- هموم مشرقية 2 - تقييم الذات بين الحقيقة والادعاء
- الفتاوي القرضاوية ومصير العقارب
- !شيراك يا سادة يغوص في الوحل، فهل من مغيث؟
- القتل أقصر طريق إلى الجنة
- هموم مشرقية 1- البعد الزمني والقيمة المهدرة
- إلى حضن العروبة يا عربنان - طقطوقة
- هل حقاً كلنا مقتدى وكلنا بن لادن وكلنا صدام؟
- الظاهرة الصدامية
- العولمة. . سقوط وتغير المفاهيم
- أزمة السلطة الفلسطينية
- شجرة الكراهية . . من الجذور إلى الثمار
- قبل تغيير الشرق


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - البعض يريد كليباً حياً