القتل أقصر طريق إلى الجنة

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)

الحوار المتمدن-العدد: 946 - 2004 / 9 / 4 - 12:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

تعلمنا في صغرنا أول ما تعلمنا في الهندسة أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، ذلك أن هناك طرقاً أخري، منحنية وملتوية، تصل ما بين النقطتين، إلا أنها تستغرق وقتاً أطول، وتتطلب مجهوداً أكثر، لتحقق نفس الغاية، ثم علمتنا الحياة العملية في الكبر أن الخط المستقيم ليس دائماً أفضل الخيارات للوصول إلى غاياتنا، فربما اعترضته عقبات صعبة أو مستحيلة الاجتياز، وكان من الأوفر للوقت والجهد أن نسلك طرقاً أخرى، منحنية أو ملتوية.
لكن جماعات الجهاد المتأسلمة، في فلسطين والعراق والشيشان وباكستان وكشمير وبقاع أخرى من العالم، تعود لتؤكد لنا صحة القاعدة الهندسية على مستوى التطبيق العملي، حين تمارس القتل لدخول الجنَّة، فهذه الغاية يمكن الوصول إليها بتكريس العمر والجهد للعمل الصالح، والعبادة والتقوى، ومساعدة المحتاجين، ليصل الإنسان في نهاية عمره، طال أو قصر إلى وضع يجعله جديراً برحمة الله، وبدخول الجنَّة، وهنالك أيضاً طريق الجهاد في سبيل الله، وقتال المشركين والكفار وأعداء الله، وهو أيضاً طريق طويل وشاق، ينال خلاله المؤمن أحد الحسنيين، النصر أو الشهادة، أما الجديد الذي جاءتنا به الجماعات الجهادية الحديثة فهو أن يقرر شاب في حوالي العشرين من العمر دخول الجنَّة فوراً، بأن يفجر جسده وسط عدد من أعداء الله، فيقتلهم ويقتل نفسه، فيذهبون هم إلى النار، ويذهب هو إلى الجنَّة، ولكي يحقق هدفه بسهولة ويسر، أي في أقصر وقت وأقل مجهود، يختار هدفاً مناسباً من الأهداف المتعددة لأعداء الله، فلا يختار جنوداً مدججين بالسلاح، قد يقتلونه قبل أن يقتلهم، وقد يأسرونه ويبقى سجيناً في سبيل الله سنيناً قد تطول، لكنه يختار مجموعة من أعداء الله الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، يرتادون سوقاً أو يركبون حافلة، أو حتى يقيمون عرساً لعائلة شابة من الكفَّار، ولاشك أن هذا تكتيك حاذق وجدير بالإعجاب لتحقيق الهدف بأيسر السبل، ورغم أنني غير مؤهل للحكم على هذا الأسلوب من الناحية الدينية، إلا أنني بصفتي المهنية والعلمية أجزم أنه أفضل تطبيق للقاعدة الهندسية عن أقصر مسافة بين نقطتين.
السعي للجنَّة حق من حقوق الإنسان
لاشك أن دخول الجنَّة أمنية عزيزة لدى كل إنسان، في جميع الديانات، وحتى الخطاة والمجرمين، لاشك أن في أعماق كل منهم أمل في التوبة يوماً ما، لتشملهم رحمة الله ويدخلون الجنَّة، لذا من المنطقي أن نضيف لمفاهيمنا الحديثة عن حقوق الإنسان حقاً جديداً، هو حق دخول الجنَّة.
جدار الفصل الإسرائلي وحقوق الإنسان
هناك محاكمة عالمية تجري الآن لجدار شارون العنصري، وهناك إجماع عالمي لإدانة هذا الجدار، سواء من جانب المناصرين أو المعادين لدولة إسرائيل، وعديدة هي أسباب الإدانة، مما يعزز من أوجه التشابه بينه وبين جدار برلين، الذي وطأت أقدام الجماهير على أحجاره المنهارة، وعلى العهد الأسود الذي شاده، وفي معرض تأملي في أوجه التشابه بين الجدارين وجدت أن جدار شارون يتفوق في السوء، من حيث أنه يحرم مجاهدي الشعب الفلسطيني من حق أساسي من حقوقهم، وهو حق دخول الجنَّة.
فالجدار العنصري يفصل بين المجاهدين وبين كنز رائع من اليهود أعداء الله، فبدون الجدار ما على المجاهد إلا أن يتمنطق بحزام ناسف، ويتمشى عند الغروب ليعبر الحدود، إلى سوق مزدحم بأعداء الله الذين يتسوقون، أو يركب حافلة مزدحمة بهم، وقبل أن يدفع للكفار قيمة تذكرة الركوب يفجر نفسه، ليجد نفسه في اللحظة التالية في الجنَّة، أما بعد الجدار فقد يصبح الأمر صعباً، وربما مستحيلاً.
ولكي لا نكون متحاملين أكثر مما ينبغي على الجدار، أو لكي لا نعطيه أهمية أكثر مما يستحق، ينبغي أن نذكر أن المجاهدين، ومن واقع خبراتنا السابقة بهم، لن يتنازلون عن هدفهم الجليل، وإنما سيبحثون عن أعداء آخرين لله أيسر منالاً، فلديهم النصارى في الضفة الغربية، وهم هدف سهل، أسهل بكثير من استهداف اليهود، فهذا ما فعله المجاهدون في مصر في فترة سوداء انتهت إلى غير رجعة، ولديهم أيضاً المسلمين الذين يسهل تكفيرهم، كما فعلوا مع الشيخ الذهبي في مصر، ومع بعضهم البعض في أفغانستان، أو حتى استغلال الأبرياء والأطفال في المدارس ورجال البوليس، كما فعلوا في مصر والسعودية وروسيا الاتحادية، ولا تثريب على ذلك، فهم حين يقتلون الأبرياء سعياً لدخول الجنة فسيصلون إلى مبتغاهم، وسيدخل الأبرياء أيضاً الجنَّة، أي أنهم يكونون قد أدوا خدمة مزدوجة، ولا ننسى أن هنالك أيضاً الأجانب المنتشرين في كل مكان، وهم نموذج لا خلاف عليه لأعداء الله.
ومع ذلك تبقى لجدار الفصل العنصري سيئة كبرى، هي حرمان الأصابع المحركة للمجاهدين كقطع الشطرنج، والمستفيدين دنيوياً من دخولهم الجنة، من ميزة استهداف اليهود دون سواهم من أعداء الله، فعلاوة على أن اليهود أشد أعداء الله، فإن استهدافهم يمكن أن يتم خلف ستار تحرير الأرض التي يغتصبونها، وهذا يمكن أن يقنع، أو حتى يحيَّد الكثيرين من أعداء الله في العالم الغربي، فيأمن المجاهدون شرهم، إلى أن يأتي دورهم، أو تسنح فرصة ذهبية أخرى كفرصة 11 سبتمبر.

#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات