أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 3















المزيد.....

الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 3


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 922 - 2004 / 8 / 11 - 11:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقاربة لمانيفستو الليبراليين الجدد
نأتي إلى المحطة الثالثة في مانيفستو الليبراليين الجدد، تلك الجماعة من المفكرين الذين لا يجمعهم غير عشق الحرية، ومحبة الأوطان، والحرص على بذل أقصى الجهد الممكن – وإن أمكن المستحيل – من أجل إنقاذ الأجيال القادمة، أولادنا وأحفادنا، من مصير لا نقول مجهول، لأن علاماته ظاهرة الآن، عبرة لمن يعتبر، الموت اقتتالاً داخلياً وجوعاً ومرضاً كما الصومال، أو استزادة على ذلك ضربات مطاردينا، ممن يطالهم أذى ما ننتج من شر وأشرار، كما أفغانستان، كما لو كان الشرق امتداداً من صخور عتيقة رطبة، تجوس بينها الهوام والديدان، أو أن صحراواتنا أبت إلا أن تنبت الشوك.
المحطة الثالثة هي الخطوة الأولى في مرحلة البناء، بعد مراجعة موقفنا من المقدس، وموقفنا من الماضي، ما اعتبرناه مرحلة التمهيد أو حرث الأرض وتسويتها، وتشمل محطتنا ثمان من نقاط المانيفستو، تتعلق بدور العقل في التحديث، وقبل أن تسحرنا روعة السباحة مع توظيف وتفعيل دور العقل في حياتنا، كما لو كان الأمر بيدنا أن نقرر ونختار، فيقبل علينا العقل ويداهمنا التحديث، الذي نصر حتى الآن على معاداته، لابد أن نتعرض لعقبة كأداء تعترض طريقنا، غير عقبة فقدان الثقة في الذات، التي ناقشناها في المقال الثاني، والتي تجعلنا نتحاشى استخدام عقولنا، ونلجأ للأسهل والأكثر أمناً وهو توظيف المقدس، والنقل عن التراث، وبدون اكتساب الثقة بالذات، لدى الطفل والشاب والكهل، لن نتقدم خطوة واحدة على طريق العقلانية والتحديث.
نقصد بالعقبة الكأداء الثقافة والعقلية الشفاهية، في مقابل الثقافة والعقلية الكتابية، التي تسود العالم المتحضر، وتتيح توظيف العقل بدرجة من الكفاءة والفاعلية، تكفل إقامة حضارة حديثة، في مرحلة ما بعد الزراعة، ولا يتسع المجال للاستفاضة في المقارنة بين الشفاهية والكتابية، لكننا سنستعرض في عجالة أهم ما بينهما من فروق.
العقلية الشفاهية والتي تعتمد في تشكيلها وتلقي معلوماتها على الرسائل الشفاهية، أي الصوتية، تتأسس على الانجذاب إلى علو طبقة الصوت وشدته، واعتبار الكلمة كما لو كانت فعلاً، يبدو هذا واضحاً في ممارسات الرقى والتعاويذ، والمبارزات الكلامية بين الشباب في الأحياء الشعبية، المماثلة لقصائد الهجاء الشهيرة في الشعر العربي، ومعارك عبد الناصر الكلامية، وصولات أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب و"أمجاد يا عرب أمجاد"، وأشاوس الفضائيات، التي توظف أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الاتصالات، في عزف منفرد أو أوركسترالي للردح والتهديد والوعيد، والاكتفاء في أغلب الأحيان بما نتصوره انتصاراً حقيقياً واقعياً، والانبهار بموسيقى الجملة، والسجع والجناس والطباق، وتتسم العقلية الشفاهية بالحماسة والانحياز للمشاعر التي تستدرها الكلمات، فنبكي أو نهتاج، وخلفنا كل ميراث الشعر العربي، وسير الأبطال الشعبية.
ونظراً لأن الرسائل الصوتية التي نستمد منها معارفنا تتلاشى في الفضاء فور نطق مقاطعها، ولا يمكن استعادتها بعد ذلك، فإن العقلية الشفاهية لا تعرف المقارنة بين جملة وجملة، ومن ثم لا تعرف النقد والتحليل، كما في الثقافة الكتابية، التي يتيح لها النص المكتوب التقدم والتراجع والتوقف، ومقارنة الجمل والتفكير في معناها وتحليله، بعيداً عن التأثيرات الصوتية وما يتم تحميله عليها من عاطفة، في حين أن الشخص الشفاهي حتى وهو يقرأ جملاً مكتوبة، يمر عليها ذات المرور العابر، ولا يخطر بباله، أو هو لا يعرف أساساً مسألة التحرك للأمام وللخلف داخل النص لتحليله ونقده.
والعقلية الشفاهية استقطابية، إما ترفض أو تبتلع كل ما يقال لها، لا تعرف الفرز والانتقاء، وهي أيضاً عقلية تعميمية لا تعرف التصنيف، كما أن طريقة فهم الجملة الواحدة، لا تكون بربط وحداتها الأساسية وهي الكلمات، واستخلاص المعنى طبقاً لقواعد بناء الجملة النحوية، لكن الوحدة الصغرى في العقلية الشفاهية هي الجملة وليست الكلمة، وهذا أمر ضروري لمتلقي الرسالة الشفاهية، لأن لا وقت لديه ليجمع كلمات في ذهنه ويربطها بالعلاقات النحوية ليستنتج معناها، فيما الرسالة الصوتية تتدفق من فم المرسل، وإنما يعتمد على جمل نمطية معروف معناها مسبقاً، يستخدمها المرسل في تكوين رسالته، ويستقبلها المتلقي في يسر، وليست الجمل فقط هي المنمطة، لكن المعاني أيضاً منمطة، وأي معنى غير نمطي غير وارد أصلاً في مجتمع شفاهي، وهنا السر الحقيقي في صعوبة التغيير والتطوير في ظل الثقافات الشفاهية، لأنها تظل أسيرة ذات المعاني القديمة، غير قادرة على الخروج من إسارها، فمسألة تكوين جملة جديدة من عدة وحدات من الكلمات خاصية كتابية، وأي مثقف ذي عقلية كتابية يستطيع أن يرجع بذاكرته لحديث قد دار يوماً مع شخص شفاهي، ليكتشف سر أنه كان يقول له جملة ذات معنى ما، ويتعجب وهو يرى الشخص الشفاهي الذي يحدثه يفهم معنى آخر، والحاصل أنه لم يفهم ولم يسمع أساساً الجملة التي قيلت له، وإنما سمع وفهم جملة قريبة منها من حيث المقاطع الصوتية ، من خزانة الجمل النمطية المختزنة في ذاكرته، وبذلك يكون الاتصال مقطوعاً ومستحيلاً بين العقليتين، وربما شئ من هذا شهدناه أخيراً في المناظرة التليفزيونية بين د. شاكر النابلسي وشاعر من ذوي العقليات الشفاهية، كان يصول ويجول كأسد هصور، لكن في عالم آخر غير عالم د. شاكر النابلسي الكتابي الحديث.
وجدير بالتنويه أن النص الشفاهي ليس كل نص يرسل بقراءته بصوت مرتفع، ولا كل نص مكتوب على الورق هو نص كتابي، فالتفرقة بين النوعين تكون على أساس أسلوب إنتاج النص، وليس شكله الحالي، فكل نصوص التراث نصوص شفاهية رغم تدوينها من سنين طويلة، وطريقة المتلقي الشفاهي العقلية في استقبالها طريقة شفاهية، حتى لو كان يقرأها من كتاب، كذلك ليس الإنسان الشفاهي هو من لا يعرف القراءة والكتابة، لكن العبرة بتركيبته العقلية وطريقة تشكيلها، والمصادر التي اعتمد عليها في تكوين معارفه، وبالطبع العقلية الشفاهية التامة كالعقلية الكتابية التامة حالتان نموذجيتان افتراضيتان، يتراوح الناس في المسافة بينهما.
العقلية والخطاب الشفاهي خصامية وصدامية، نظراً لطبيعة الخطاب، ولاستخدام إشارات الجسد في التعبير، وللمواجهة الجسدية المباشرة بين المرسل والمتلقي، والتغذية المرتدة الفورية والساخنة، كما أن العقلية الشفاهية عقلية جمعية غوغائية، بتأثير الطبيعة الجماعية لتقي الخطاب الشفاهي، عكس العقلية الكتابية المدربة على التلقي الفردي المنعزل والشخصي للخطاب الكتابي، المهم أن مواصفات الثقافة والعقلية الشفاهية لا تسمح بتفعيل العقل بمواصفاته النقدية والتحليلية، ولا تتيح العقلانية بمفهومها التحديثي.
التحول من الشفاهية إلى الكتابية قد تأخر كثيراً في مجتمعاتنا، لأسباب ليس هنا مكانها، يرجع بعضها للتراث، والبعض لمناخ وطوبوجرافية المنطقة، والمرحلة الحضارية المتدنية، التي عجزنا أو لم نحاول تجاوزها، والتحول من الشفاهية للكتابية، شأنه شأن أي تحول حقيقي وعميق لا يمكن أن يتم دفعة واحدة، لكن يمكن الإسراع بالتحول بالعمل على خطوط عدة، أهمها تغيير نظام التعليم، والتغيير الشامل في وسائل الإعلام ، نظماً وكوادر، وإذا ما تم التحول المطلوب، فإن الطريق سيصبح مفتوحاً على مصراعيه لتفعيل العقل في حياتنا، عندها سنطرح أسئلة على كافة المستويات لم يسبق طرحها في الماضي، وسنتمكن من تحرير النفس العربية والشرقية من أوهامها، ومن السحر والتعاويذ والشعوذة التي تحيط بها، وتحريرها من ماضيها، ومن حكم الأسلاف الذين ما زالوا يحكموننا من قبورهم، ومن ادّعاء المعرفة المطلقة والأحكام النهائية، وسنتمكن عندها من خلق شخصية جديدة متحولة، من العنف والذل واللاعقلانية والدروشة والقبلية والعرقية، إلى شخصية عقلانية واقعية علمية وطنية لا عرقية، شخصية إنسانية تستشعر الأخوة للبشر عامة، كما ترى وحدة المصير الإنساني، ما أجمل أن نتفق جميعاً أنه "لا يكفي أن نهزم الأساطير، ولكن علينا ملاحقة ظلالها في الكهوف والمغارات"، تلك المغارات المحفورة في داخل نفوسنا من قرون وقرون، أو نقول مع من قال : تعالوا بنا نصنع ثقباً في جدار الظلمة.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 2
- الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 1
- الفاشيون الجدد والتانجو الأخير
- الفاشيون الجدد ودموع التماسيح
- - أثداء الصبار- قصة قصيرة
- خربشات على جدار مفترض - كتابة عبر النوعية
- الشيخ وهالة الصبح - قصة قصيرة
- مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 3/3
- مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 2/3
- مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 1/3
- نحن وأمريكا الجزء الثالث
- نحن وأمريكا الجزء الثاني
- نحن وأمريكا الجزء الأول
- الفاشيون الجدد والاقتداء بمقتدى


المزيد.....




- -خدعة- تكشف -خيانة- أمريكي حاول بيع أسرار لروسيا
- بريطانيا تعلن تفاصيل أول زيارة -ملكية- لأوكرانيا منذ الغزو ا ...
- محققون من الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبية في ...
- مقتل 6 جنود وإصابة 11 في هجوم جديد للقاعدة بجنوب اليمن
- لقاء بكين.. حماس وفتح تؤكدان على الوحدة ومواجهة العدوان
- زيارة إلى ديربورن أول مدينة ذات أغلبية عربية في الولايات الم ...
- الرئيس الصيني يزور فرنسا في أول جولة أوروبية منذ جائحة كورون ...
- مطالبات لنيويورك تايمز بسحب تقرير يتهم حماس بالعنف الجنسي
- 3 بيانات توضح ما بحثه بايدن مع السيسي وأمير قطر بشأن غزة
- عالم أزهري: حديث زاهي حواس بشأن عدم تواجد الأنبياء موسى وإبر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 3