أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 3/3















المزيد.....

مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 3/3


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 912 - 2004 / 8 / 1 - 12:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال تصنيف الفكر إلى نوعين متقابلين مختلفين من حيث أسلوب الإنتاج، ومن ثم من حيث مجال الاستخدام المناسب لكل منهما، الأول ينطلق من "مركزية الكلمة" ليبني تصورات فكرية تستعين بالحد الأدنى من معطيات الواقع وصوره، لينسج الفكر المحض بعد ذلك يوتوبياته وأيديولوجياته، التي يحاول البعض بعد ذلك فرضها على الواقع لتحقيق الصورة السابق رسمها بعناية وحذق، والنوع الثاني ينطلق من "مركزية الفعل" حيث تكون البداية من التجربة، وملاحظة العلاقات بين الأشياء واحتمالاتها الممكنة، ثم يأتي دور الفكر في محاولة إعادة ترتيبها بما يحقق أهداف الإنسان ورغباته.
ثم تناولنا ما افترضنا من تصنيف ثلاثي لمفاهيم الهوية الشائعة: أصولية وجدلية ولاهوية، مسندين كل منها إلى نوع الخطاب الذي ينتمي إليه، لنتناول في هذا الجزء الأخير بعض ما يترتب على اعتناق كل مفهوم وملامح الفكر السائد، بعدها ننتقل إلى مفاهيم الخصوصية والذاتية، والتي يروج لها البعض في الشارع الشرقي، تبريراً للانعزال وعدم القدرة على الالتحاق بالمنظومة العالمية، وصولاً في النهاية إلى كراهية الآخر وقتله.
بالنسبة للهوية الأصولية نلاحظ ما يلي:
· أن تقبع الهوية في الماضي يعني الانتماء للماضي زمانياً، والانعزال للتقوقع على الذات مكانياً، ليكون التطور محل اتهام "مبدئياً" وحتى يثبت العكس، فيدلل أنه لم يأت بجديد جذري، وأن الآباء والأجداد قد قالوا أو فعلوا مثل ما جاء به في مواقف مشابهة، وأن المسألة لا تعدو تنويع على اللحن الأساسي، أو مجرد تأويل عصري للأفكار والكلمات القديمة، في أحسن الأحوال، والادعاء بإمكانية تطور أبعد من ذلك في ضوء هذا المفهوم للهوية مجرد وهم، ومحاولات تلفيقية للجمع بين ما لا يجمع، بالربط بين التطور كاتجاه للأمام والسلفية كاتجاه للخلف، فتكون النتيجة "للخلف در" أو "محلك سر" ، وفي أحسن الأحوال ملليمترات قليلة للأمام، تعتبر رحيلاً في قطار الماضي السريع، إذا ما قورنت بمعدلات التطور العالمية.
· يرافق هذا المفهوم دوجما – من أي نوع – تجسد الهوية، ليكون التشبث بطيفها ومقولاتها الوجه الآخر من العملة، ليروج كل من وجهيها للآخر.
· التشبث بالهوية الأصولية يفضي في مداه الأقصى إلى العنصرية، كالنازية والفاشية وأسطورة شعب الله المختار وحزب الله وجنده وما شابه، وعلى الوجه الدوجماطيقي احتكار الحق، لتسود الكراهية على مستوى العاطفة، والتعالي والأستاذية أو الإمامة للعالم على مستوى الفكر، أي الشمولية في النظم السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وإن رأينا الحياة هكذا سجن كبير، فإن البعض من المخلصين الصادقين مع المفهوم الأساسي سيعدونها المثل الأعلى، واليوتوبيا المأمولة، ولن يقلل من شأنهم أن نعدهم متطرفين، فالتطرف فيما نؤمن جميعاً أنه حق فضيلة، هذا هو المنطق وإن رغمت أنوف.
· هنا يتصف الناس بالخنوع والتزام التقليد، والنفور من الجديد عقلياً ونفسياً على مستوى المناخ الثقافي، وتفريغ التطور المادي الذي تجبرهم عليه الحياة من محتواه القيمي على مستوى الممارسة العملية، وبصفة عامة تتجسد في ظل الهوية الأصولية، الدوجماطيقية أو الوطنية، أخطر مثالب "مركزية الكلمة"، ضمور وجمود وتخلف حضاري وعنف، لكن من يتمسك بالمبادئ عليه بطيب خاطر أن يقبل نتائجها، ومن يرفض النتائج عليه أن يعيد النظر في المبادئ التي أثمرتها.

وفيما يتعلق بالهوية الجدلية: ربما وصلت "مركزية الكلمة" بالدياليكتيك الهيجلي" إلى ذروة العظمة، على الأقل ممثلة في "المادية الجدلية" على المستوي النظري، وتطبيقها العملي في الشيوعية اللينينية والماوية وأطيافها المختلفة، لتبدأ "مركزية الكلمة" من هذه النقطة بالذات مسيرة الافتضاح، وصولاً للنهاية المجللة بكل ما حققته الماركسية من إحباطات، وإذا نأينا بأنفسنا عن الرد على المماحكات التي تدعي أن العيب في التطبيق وليس في النظرية، دون حتى أن نتكلف عناء القول أنها إذن نظرية غير صالحة للتطبيق، لنعود إلى أساس الفكرة، فإننا نجد هربرت ماركيوز الفيلسوف الأمريكي الذي اقتبسنا من كتابه "العقل والثورة" تفسيراته لهيجل والتي حددنا منها معالم الهوية الجدلية، يقول "ويجب فهم العلاقات على أنها تخلق بواسطة حركة الموضوع الخاصة . . ويجب فهم الموضوع على أنه هو ذاته الذي يقيم ويظهر العلاقات الضرورية بين ذاته وبين ضده"، وهذا يفترض نوع من التحكم لدى الموضوع في تطوره بحيث يمكنه أن يظل ذاته على الرغم من أن كل مرحلة عينية في وجوده هي "سلب ذاته"، يقول أيضاً: " وتتميز عملية الاتجاه إلى التجاوز هذه بأنها اتجاه موضوعي كامن في الواقع، من حيث هي معطاة، فهي فاعلية لا في الفكر بل في الواقع."، عملية الصيرورة التاريخية الجدلية إذن تحكمها الضرورة، فهي حتمية جبرية مادية مدعاة، لأنها في الواقع جبرية مثالية منسوبة للمادة كما سبق وأوضحنا، فإن كان ثمة حرية فهي حرية الانصياع لحكم الضرورة، بما يوفر أساساً للأنظمة الشمولية وأيديولوجياتها، هي تربطنا بالقدر، ليس الذي عرفناه منذ الأزل كما في "الهوية الأصولية"، لكن الذي سنظل نطارده إلى الأبد، حيث المثل الأعلى، الحقيقة المطلقة النهائية، والتي لن نعدم في المستقبل من يبشرنا أنها هذه الدولة بالذات والصفات، وأن الخضوع لها هو الحرية والفضيلة معاً، كما فعل في الماضي هيجل مع الدولة البروسية، ومارتن هيدجر مع ألمانيا النازية، ليكونا أنبياء للطغيان، ودليلاً للسير في الطرق المسدودة.
"الهوية الجدلية" تعتمد التاريخ ولا تهدره كما تفعل "الهوية الأصولية" التي تنتقي بقعة محددة في جوفه، تسقط ما قبلها وما بعدها، لكنها لا تراه تاريخاً تلقائياً متعدد الاتجاهات والمسارات، لكنه تاريخ خطي غائي في اتجاه واحد، هو تحقيق المثال النهائي المطلق، وخلال ذلك نتحرك كل لحظة إلى واقع جديد، أكثر تطوراً.
من رفض الحرية الصريح في الأصولية إلى حرية الضرورة في الجدلية، ننتقل إلى الحرية المطلقة في "الهوية الوجودية".
رغم ما ذكرنا عن مفهوم الحرية المطلقة الوجودي من أنه ليس انفلاتاً فكرياً، لأنه حرية وجودية مربوطة بالعلاقات الطبيعية بين الأشياء في العالم، إلا أنه يبقى "بعض" وليس "كل" التخوف المرتبط بفهم مغلوط، فغياب أي قاعدة أخلاقية مازال محل دهشة، لا تلبث أن تزول مع إدراكنا للوجه الآخر من عملة الحرية الوجودية، المسئولية، فالذات الحرة تتحمل مسئولية حريتها كاملة، فإن جلبت ضرراً شخصياً فعليها، وإن جلبت ضرراً لذوات أخرى يكون عليها تحمل مسئوليته، عقاباً بحجم الضرر، ولنلاحظ أن القواعد الأخلاقية موجودة منذ فجر التاريخ، كأنما لكي يتفنن من يشاء في كيفية كسرها أو الالتفاف حولها، بل وارتكاب أبشع الجرائم باسمها، ولا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى أمثلة، وواقعنا العالمي الآن لا يعاني مما يفعله الفوضويون ودعاة الحرية المطلقة، بل بالعكس تماماً، إذ يرتكب المحافظون ودعاة الأصولية أبشع ما ارتكب خلال التاريخ الإنساني من جرائم.

الخصوصية والذاتية
ترد كلمة "الخصوصية" في الخطاب الشرقي الآن كمرادف لكلمة "هوية"، وإذا كان مضمون ما سبق من مقالنا أن "الهوية" صنم من جليد، فإن "الخصوصية" و"الذاتية" أمر آخر، يقتضي منا بعض الدرس.
مقصدنا الحديث عن خصوصية شعب، غير أن المفهوم يدفعنا نحو جذره، الذي هو خصوصية الفرد، فالإنسان كما نري – ويرى الكثيرون – فرد فريد unique لا يتكرر، وغير قابل للاستبدال، فإن فقدنا في حادث مثلاً أحد حيواناتنا الأليفة جاز أن نطالب المتسبب ببديل مماثل، أما إن فقدنا أحد أعزائنا، فلن يكون هذا الحل وارداً، ويرى البعض – عن حق – أن العمليات الإحصائية التي تتناول البشر تهدر إنسانيتهم حين تعاملهم ككميات، فيتحول الإنسان إلى مجرد رقم في قائمة، فالفرد ليس كسراً حسابياً من كمية أكبر هي المجتمع أو الدولة، التي هي في الحقيقة كثرة من الوحدات الصحيحة، غير المتماثلة في العديد من الوجوه، وهذا هو الفارق الأول بين الأنظمة الليبرالية والشمولية، وتتأسس فردية الإنسان على مجموعة من المقومات المعروفة والمتفق عليها، أولها التكوين البيولوجي والوراثي ( انظر البصمة الجينية )، ثم عناصر البيئة المختلفة، والأهم الإرادة الإنسانية المستقلة.
أن أكون "أنا" يعني أن أختلف عن "هو"، أي أنني "أنا" بقدر ما لست "هو"، وهذا يعني أنني أحتاج إلى "هو" لكي أكون "أنا"، وإذا لم يكن هناك أي "هو"، فلا معنى لأن أكون "أنا"، ولن يكون هنالك داع لأن يطلق علي اسم "س" مادام لا يوجد "ص"، "ع"، . . . إلخ، ومادام الـ"هو" جوهري لوجود الـ"أنا"، فإن خصوصيتي تشمل "أنا/هو"، هذا عن الخصوصية.
أما "الذاتية" فأمر آخر، فالـ"أنا الواقعية"، والتي يمكن أن نسميها "الذات" ليست اختلافاً محضاً مع الآخرين، فهنالك بين "الذوات" المختلفة صفات جسدية وأدبية وبيئية مشتركة، وبحجم وأهمية جديرة بالاعتبار.
إننا هنا بحاجة للاتفاق على بعض الاصطلاحات لمجرد استخدامها في هذا المقال ليس أكثر:
أنا: هي خصوصيتي، أي ما أختلف به عن الآخرين = أنا/هو.
هو: خصوصية الآخر.
هم: المشترك بين ذاتي وذات الآخر.
الذات = أنا/هو + هم
ماذا يعني ذلك؟ يرجع لما يمكن أن نسميه معادلة "الذات"، والتي تقول أن الذات مكونة من شقين، الأول هو خصوصيتي، أي ما أتفرد به عن الجميع، والشق الثاني هو ما يجمع بيني وبين الآخرين، يرجع إلى هذه المعادلة الفضل في إمكان حياة الإنسان في مجتمعات، بل الكيان الإنساني لا يتحقق إلا في مجتمعات، لذا يقولون الإنسان حيوان منشغل بالآخر، لأنه في الحقيقة يحوي الآخر داخله، على مستويين كما رأينا، مستوى تفرده (يحوي "هو") ومستوى جماعيته (تحوي "هم").
لهذه المعادلة أيضاً يرجع الفضل إلى أن الإنسان حين يسعى لتحقيق الذات، ولصالحها، فإنه يحقق صالح المجتمع، ليس من منطلقات أخلاقية أو إيثار للآخر أو ما شابه، ولكن لطبيعة تكوين الذات، ولو كانت المعادلة غير صحيحة لكان الفرد عدو المجتمع، أو الأصح أن نقول لم يكن الفرد أصلاً يكون المجتمع، فلا معنى لأن يكوِّن الفرد كياناً يكون عدوه بالتكوين، ولعاش الإنسان على هيئة أفراد أو جماعات (وليس مجتمعات) كسائر الحيوانات.
أما "الذاتية" أو "الأنانية" البغيضة التي نعرفها، فليست "ذاتية" حقَّة، فمصدرها الفرد قصير النظر، والذي لا يرى أبعد من موطئ قدميه، وقصدنا بالطبع ليس أخلاقياً، إنما نقصد التلاحم العضوي بين أنا، هو، هم. . بالطبع وجود الشواذ لا ينفي القاعدة، إنما يؤكدها، ويسري هذا على المجتمع الذي يضم أفراداً أو دولاً.
نقول هذا حتى لا تضيع منا "الأنا" في غمار الـ"هم".
وحتى لا نعادي "هو" و"هم" في غمرة تخوف مرضي على الـ"أنا"، فنضرها من حيث نسعى لصالحها، فلا "أنا" بدون "هو" ولا "ذات" بدون "أنا" و"هو" و"هم".
ويستمد النقل عن الآخر والتأثر شرعيته من مساحة الـ"هم" في "الذات"، بما لا يعصف بمكون "أنا".

الخلاصـة

· الفكر الذي يبدأ من العقل ليتجه للمادة لا يمكن الوثوق به لتنظيم الواقع المادي، فقد يؤدي للانسياق خلف الأوهام، ويقود حتماً للجمود والشمولية والعنف، كمكون أساسي في بنية هذا المنهج "مركزية الكلمة".
· الفكر الكفيل بتطوير الواقع وتطويعه هو الذي يبدأ من علاقات الواقع، ليقوم العقل بالدور الثانوي، المتمثل في قراءة هذه العلاقات، واستغلالها لتلبية احتياجات الإنسان المادية، وينتظم التطوير المستمر كآلية في هذا المنهج بصورة أساسية "مركزية الفعل".
· مفهوم "الهوية" من أوهام "مركزية الكلمة"، وقد لعب دوراً إيجابياً في بعض مراحل التاريخ الإنساني، مساهمة في تكوين الجماعات والأمم، وتماسكها، وسعيها للنهوض، ولعب دوراً سلبياً مدمراً في مراحل كثيرة أخرى، ونراه الآن في عصر المجتمع العالمي الواحد سلباً محضاً، ووحشاً خرافياً من الماضي، علينا قتله في عقولنا.
· العمل من أجل "الذات" هو القوة الدافعة للفعل والنجاح، على مستوى الفرد والمجتمع والأمم، حيث أن "الذات" تعني بالضرورة "الآخر" و"المشترك" بين الجميع، والتضارب بين صالح الفرد وصالح المجتمع شذوذ يؤكد القاعدة، مصدره قصر النظر، أو عدم وضوح الرؤية لدى أي من الطرفين، كما أن تكوين "الذات" الذي استعرضناه يؤدي للجدل بين مكوناتها، ويختلف مساره، بحيث يمكن الحكم بأنه جدل سلبي إذا نشأ عنه عدم استقرار وتنافر بين "أنا" و"هو" و"هم"، ويكون إيجابياً إذا أدى لتناغم المكونات، والمراجعة والنقد الذاتي للـ"أنا" لتطويرها، بإكسابها ملامح مرغوب فيها، والتخلص من غير المرغوب، فتصبح عندها الـ"أنا" غير متكلسة، بل متطورة، كما في الهوية الوجودية مثلاً.
· قصة "الخصوصية" عبر مسيرة الحضارة متراوحة بين التناسب الطردي والعكسي، التضاءل والتعمق، فإذا تصورنا فردوس الخصوصية المفقودة في حقبة المتوحش الطيب، الذي عاش متفرداً متميزاً، قبل أن يكون أسرة ويتخلى عن بعض من خصوصيته، لتتسع في ذاته مساحة يشترك فيها مع "هم"، أي أسرته الناشئة، فإن المنطق يقول أن بدائية الحياة وبساطتها في تلك الفترة تجعل من مسألة التميز أو الخصوصية الفردية مجرد افتراض نظري، فالبدائية تعني قلة الخيارات، أو حتى انعدامها، وتشابه الجميع رغم انعزالهم أو ضعف ما يربط بينهم، ومع تكون علاقات بالآخر تزدهر الخصوصية بثراء الحياة وتعدد الخيارات، رغم ما يقتطع منها بازدياد العلاقات مع الآخر، على هذا النحو سارت حياة الإنسان، من تكوين أسرة صغيرة إلى كبيرة إلى قرية، ثم مدينة ودولة، فثراء الحضارة الذي يثري سوق الخيارات والبدائل وبالتالي يدفع لخصوصية ثرية وجادة، لا يتأتى إلا بالمزيد من العلاقات مع الآخرين، وهذه العلاقات تتطلب مساحة للمشترك، أي للـ"هم" تتزايد باستمرار، ويتحقق هذا التزايد في اتجاهين:
الأول: اتساع مساحة "الذات" بوجه عام بكل مكوناتها، مع ثراء حياة الإنسان بالحضارة، ويصحبه ثراء للخصوصية، أي اتساع لمساحتها.
الثاني: على حساب الخصوصية، التي كانت مطالبة دائماً بالتقلص، لإفساح المجال لتوسع المشترك، الـ"هم".
وينبغي هنا التفريق بين نوعين من ملابسات الاقتطاع من الخصوصية:
النوع الأول: هو ما تحدثنا عنه، وهو تنازل طوعي للذات، تفرضه الظروف العامة، غير الموجهة توجيهاً مباشراً لفرد أو جماعة دون سائر الناس بغرض الاقتطاع من الخصوصية لمجرد الاقتطاع، وإنما كنتيجة للتغيرات التي تحدث في النظم السائدة على جميع أفراد الجماعة، سواء كان الفرد هنا فرداً حقيقياً، أم فرداً اعتبارياً، كدولة مثلاً، ويشترط في هذا النوع أن يحصل الفرد فيه على مزايا تعوضه عما اقتطع منه، ويزيد.
النوع الثاني: هو الاقتطاع الجبري المجاني من الخصوصية، جبري لأنه يفرض على الذات، الفردية أو الجماعية، من جهة ضغط خارجية، وبتوجيه مباشر نحو فرد أو جماعة، دون سائر الأفراد والجماعات، ليس لحساب زيادة مساحة الـ"هم"، وإنما لتضخيم سيادة "أنا" جهة الضغط، التي قد تكون حاكم أو جماعة أخرى، وهو مجاني لأنه لا يعود على "الذات" التي تم الاقتطاع من خصوصيتها بمقابل، لأن المقابل يكون قد ذهب منذ البداية لحساب الجهة القائمة بالفرض.
وعلى مر التاريخ ترافق النوعان، واتخذ النوع الأول كستار لتمرير الثاني، فكان هناك القمع لصالح الجماعة، و"فائض القمع" لصالح القوى المسيطرة، إذا كان النظام السائد يسمح بهذا، وقد توصل الإنسان للنظام الليبرالي الديموقراطي، حيث احترام الأقليات والخصوصية، والشفافية، وتداول السلطة، وتعدد آليات المراجعة والنقد والاحتجاج، لتقليص "فائض القمع"، إلى حد الصفر.
· نعود لنكرر ما قلناه في مقال سابق، أن المتخوفون على الهوية والخصوصية ومصير الدولة القومية في عصر العولمة هم أحفاد المتخوفين على مصير القبيلة في عصر الدولة، وعلى مصير العائلة في عصر القبيلة، لا نقول لهم: "أنتم على ضلال مطلق"، إنما نقول "للتقدم ثمنه" الذي علينا أن ندفعه عن طيب خاطر، لكن لنحرص أن يكون "دون فائض قيمة" ناتجة عن "فائض قمع"، يذهب لحساب قوى ضغط غير معنية بالتقدم، وإنما بتضخم الـ"أنا".



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 2/3
- مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 1/3
- نحن وأمريكا الجزء الثالث
- نحن وأمريكا الجزء الثاني
- نحن وأمريكا الجزء الأول
- الفاشيون الجدد والاقتداء بمقتدى


المزيد.....




- وزير الخارجية المصري يدعو إسرائيل وحماس إلى قبول -الاقتراح ا ...
- -حزب الله- استهدفنا مبان يتموضع بها ‏جنود الجيش الإسرائيلي ف ...
- تحليل: -جيل محروم- .. الشباب العربي بعيون باحثين ألمان
- -حزب الله- يشن -هجوما ناريا مركزا- ‏على قاعدة إسرائيلية ومرا ...
- أمير الكويت يزور مصر لأول مرة بعد توليه مقاليد السلطة
- أنقرة تدعم الهولندي مارك روته ليصبح الأمين العام المقبل للنا ...
- -بيلد-: الصعوبات البيروقراطية تحول دون تحديث ترسانة الجيش ال ...
- حكومة غزة: قنابل وقذائف ألقتها إسرائيل على القطاع تقدر بأكثر ...
- الشرطة الفرنسية تفض مخيما طلابيا بالقوة في باحة جامعة السورب ...
- بوريل يكشف الموعد المحتمل لاعتراف عدة دول في الاتحاد بالدولة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 3/3