أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - هموم مشرقية 1- البعد الزمني والقيمة المهدرة















المزيد.....

هموم مشرقية 1- البعد الزمني والقيمة المهدرة


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 939 - 2004 / 8 / 28 - 12:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من السهل دائماً حصر مظاهر التخلف، ومن الممكن غالباً تحقيق شبه إجماع، على الأقل على عناصرها الأساسية، لكن المهمة الصعبة هي العثور على الجذور الكامنة في عمق التربة، التي تنتج عنها تلك المظاهر، والأصعب أن يتم الاتفاق علي ذلك، فربما كان من بينها كثير أو قليل مما نعتبره عاداتنا وتقاليدنا العريقة، أو هويتنا وثوابت أمتنا المقدسة.
نتفق جميعاً على نقد الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي مثلاً، لكن القيم الثقافية والاجتماعية التي تؤثر أساسياً في أداء عمال وموظفي شركة الكهرباء، ربما كانت أقرب وأحب لقلوبنا من التيار الكهربي وما يصاحبه من مظاهر حضارية، تم استيرادها منفردة، دون القيم التي أنجبتها.
بعض العوامل الأساسية لتخلف الشرق يمكن تصنيفه ضمن مجموعة ترجع إلى غياب مفاهيم مرتبطة بالمرحلة الحالية للحضارة الإنسانية، والغير موجودة في ذهنية شعوب تعيش مرحلة حضارية أدني، أو موجودة بمفاهيم مختلفة تناسب طبيعة المرحلة، ولم تتطور لتناسب المراحل التالية، ويدخل ضمن هذه الأخيرة مفهوم الزمن.
في الثقافة البدوية والزراعية ينظر للزمن كتيار مستمر، تحدده دورات القمر حول الأرض في المجتمعات البدوية، والدورة الأرضية حول الشمس في المجتمعات الزراعية، والتصور شبه المشترك للمرحلتين الحضاريتين، أن الزمن يفعل فعله بمعزل عن الفعل الإنساني، فقطعان الأغنام والمزروعات تنمو بفعل الزمن، ولا حيلة للإنسان في تغيير معدلات الفعل الزمني، فهي جزء من القدر الذي يحكم حياة الشرق، فغاب الزمن أو كاد من اهتمامات البدوي والفلاح، ونقول أو كاد لأن هناك هامش من الوعي بالزمن متعلق بالسبق، فمن تبدأ رحلة قافلته أولاً تصل أولاً، ومن يزرع محصوله مبكراً يحصد مبكراً، وهي مقارنة كميِّة، بالإضافة لوعي أرقى بالزمن ربما أكثر ارتباطاً بالبيئة الزراعية، وهو وعي كيفي حيث تختلف فصول السنة – أي أقسام الزمن – في تأثيرها على نمو المزروعات سلباً وإيجاباً، ويجسد قمة هذا الوعي الحكمة المعروفة: الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك، وأقصى ما يصوره هذا المفهوم أن الوقت كالقافلة، إن لم تدركها ضاعت عليك الفرصة.
هذا ما أملته مرحلتي البداوة والزراعة، فهما لا تتطلبان أكثر ولا أقل منه، كما لا تتحملان، ليس لأن الأمر غير مجد في الإنتاج الرعوي أو الزراعي، لكن لأن أسلوب الإنتاج في هاتين المرحلتين يتميز بمحدودية أو عدم قدرة الإنسان على التأثير في فعل الزمن وفاعليته، أما عصر الصناعة، والذي أصبح فيه حتى الرعي والزراعة تدار بمفاهيم صناعية، فقد طور مفهوماً مختلفاً للزمن، تجسده الحكمة الإنجليزية التي ترجمناها: الوقت من ذهب، والتي رغم ترديدنا لها لم نستطع تمثلها بحيث تؤثر في أدائنا وتعاملنا مع الزمن، وشأن الشرقيين في هذا هو ذات شأنهم مع الكثير من القيم والمفاهيم الحضارية المستوردة، إما رفض واضح، أو تجاهل، أو عدم قدرة على التمثل والاستيعاب.
ربما ما استطعنا إدراكه من حكمة "الوقت من ذهب" أنها تعبير مجازي عن أهمية الوقت ليس أكثر، ويتسق هذا الفهم مع مزاجنا وطبيعة لغتنا التي تنحو لاستحسان تعبيرات المبالغة، التي ألفناها ولم تعد بالتالي تحدث التأثير الذهني، التي تبدو كما لو كانت ترمي إليه.
الأمر في المفهوم الصناعي للزمن غير ذلك تماماً، ولنتأمل الحكمة في أصلها الإنجليزي، والذي يخلو من المبالغة: time is money ، لقد أصبح الزمن مكوناً ذي قيمة مالية (money) متضمنة أو مضافة لقيمة الأشياء - جميع الأشياء – في البيئة الصناعية، كما لو كانت إسفنجاً مشبعاً بمادة ثمينة سريعة التطاير، وبقاؤها دون استغلال يفقدها تلك القيمة الزمنية المضافة.
في عالم الاقتصاد هناك التفريق بين المال ورأس المال، وهذا هو عين ما نقصد، لكن بتعميم المفهوم على كل مناحي الحياة، وليس فقط ما يندرج تحت مفهوم المال الاقتصادي، فالمال في المفهوم ما قبل الصناعي قيمة ثابتة لا علاقة لها بالزمن، في مقابل مفهوم رأس المال وهو القيمة المستخدمة في إنتاج القيمة فهو مرتبط بالزمن، أو بتعبير آخر يحوي رأس المال قيمة زمنية متضمنة، تتبدد بمرور الزمن دون استغلال لرأس المال في إنتاج القيمة.
في المرحلة الحالية من الحضارة، ومع تسارع معدلات التطور والتغيير والإنجاز، امتد البعد الزمني كقيمة متضمنة ومضافة لجميع الأمور والأنشطة، فمثلاً عقد اتفاقية للشراكة الاقتصادية بين دولتين، هنالك قيمة مهدرة إذا ما تأجل عقد الاتفاقية أو تفعيلها فترة زمنية معينة، وينبغي محاسبة المقصر أو المتسبب في التأجيل بلا سبب موضوعي، بنفس المنطق الذي يحاسب به أمين مخزن بدد بعضاً من عهدته، فالاتفاقية الاقتصادية التي أنجزتها البيروقراطية في شهر فبراير، تقل في قيمتها الاقتصادية عن تلك المنجزة في يناير، بقيمة يمكن بسهولة حسابها بحساب قيمة المكسب الذي تحققه الاتفاقية في شهر واحد، وهو ما يعتبر قيمة مهدرة في حالة التأجيل.
بنفس المفهوم ينبغي محاسبة المسئول عن تأخير حل القضية الفلسطينية، إذا وافق اليوم على مواصفات حل كان معروضاً عليه من عام مضى ورفضه، أو تسبب بعدم حصافته أو عدم كفاءته في تأجيله، ذلك أن المسئول يكون بهذا قد أهدر قيمة يمكن حسابها، بتقدير ما يمكن أن يجنيه الشعب الفلسطيني من مكاسب خلال عام من التنمية الاقتصادية والسلام، مقارنة بما يجنيه – أو الأصح يخسره – من إنفاق هذا العام في قذف الحجارة والفعاليات الانتحارية أو الاستشهادية، إلا إذا أدت هذه الممارسات إلى تحسين شروط حل القضية، المهم أن يكون حساب المكسب والخسائر صارم وعلمي، وأن يأخذ في الاعتبار قيمة الزمن المتضمنة في كل الفعاليات.
فالذين يوجهون لرموز السلطة الفلسطينية اتهامات بالفساد ربما يضعون في اعتبارهم فقط ما حوله هؤلاء من أموال الشعب الفلسطيني إلى حساباتهم الخاصة في سويسرا، لكنهم إذا ما حاولوا حساب الأموال المهدرة بسبب أسلوب معالجة السلطة الفلسطينية لقضية السلام، فقد يجدون أن الأموال المسروقة غاية في التفاهة مقارنة بتلك المهدرة نتيجة سوء التصرف.
نفس هذا يقال عن المتسبب في بقاء وزارة غير كفوءة - أو انخفضت كفاءتها - في السلطة، أو الذي يستبدل وزارة بأسوأ منها أو تعادلها في السوء، فإنفاق الوقت دون توظيفه بالكفاءة المناسبة إهدار مماثل لاستخدام خامات لإنتاج منتج ما، لكن يؤدي انخفاض الكفاءة إلى زيادة نسبة التالف والعوادم في مخرجات العملية الإنتاجية.
وليس فقط الإيمان بضرورة التغيير هو الذي يدفع الدول المتقدمة لتحديد الحد الأقصى لتولي الفرد مسئولية الوظائف القيادية الهامة، فهناك الإحساس والإدراك لعامل الزمن، فرئيس الجمهورية مثلاً بصفاته ومؤهلاته المحددة يكون في فترة رئاسته الأولى يمتلك قيمة مضافة نتيجة للبعد الزمني، ويتم توظيف تلك القدرات في الفترة الأولى والثانية على أكثر تقدير، ليبدأ الخط البياني لمعدل الإنجاز بعدها ومع توالي الزمن في الهبوط، ذلك أن عنصر الزمن الثمين الذي يضاف بعد ذلك صار يمنح لمقومات (قدرات الحاكم) قد أعطت أقصى الممكن، بحيث يصير الوضع في أحسن الأحوال بمثابة "محلك سر"، فرغم إمكانية استمرار ما نعتبره إنجازات، إلا أنه بحسابات الجدوى يكون الوضع بمثابة تحقيق خسائر، إذا ما قارناه بتوظيف الوقت في استثمار قدرات جديدة لم تستغل بعد، ويبدو الأمر أقرب إلى مثال استثمار جهود عمال في استخراج خامات من منجم أوشك على النضوب، وهذا الفكر بالطبع غير وارد في ثقافة متخلفة، تنظر للوقت كدورات عود أبدي لا نهاية لها، ولا قيمة له يعتد بها، لتنظر بعد ذلك للفقر والتخلف كأنه قدر محتوم، أو مؤامرة من قوى الهيمنة والاستكبار.
نزعم دون أن نمتلك الأرقام والإحصائيات أن تخلف وفقر الشرق يرجع بالأساس إلى القيمة المهدرة نتيجة غياب مفهوم الزمن كبعد لإضافة القيمة، سواء في ممارسة الفعاليات، أو في تقييم الأداء ومحاسبة المسئولين.ِ



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى حضن العروبة يا عربنان - طقطوقة
- هل حقاً كلنا مقتدى وكلنا بن لادن وكلنا صدام؟
- الظاهرة الصدامية
- العولمة. . سقوط وتغير المفاهيم
- أزمة السلطة الفلسطينية
- شجرة الكراهية . . من الجذور إلى الثمار
- قبل تغيير الشرق
- دوائر الانتماء بين التفاضل والتكامل
- الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 6
- الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 5
- الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 4
- الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 3
- الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 2
- الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 1
- الفاشيون الجدد والتانجو الأخير
- الفاشيون الجدد ودموع التماسيح
- - أثداء الصبار- قصة قصيرة
- خربشات على جدار مفترض - كتابة عبر النوعية
- الشيخ وهالة الصبح - قصة قصيرة
- مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 3/3


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - هموم مشرقية 1- البعد الزمني والقيمة المهدرة