أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - وطنية نعم، فاشية لا















المزيد.....

وطنية نعم، فاشية لا


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1156 - 2005 / 4 / 3 - 12:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لماذا نعجز عن استيعاب أن بين الشعوب لا عداوات أو صداقات دائمة، وإنما مصالح بعضها دائم وبعضها متغير، يترتب عليها علاقات، تأخذ أحياناً شكل العنف والصدام، وأن تاريخ الإنسانية يؤكد حقيقة أن الصدام – مهما طال – لابد أن ينتهي إلى الحوار، الذي هو الطريق الوحيد لإقامة أبنية جديدة، تحقق للإنسان طموحة في حياة أفضل؟!
لماذا صارت الوطنية أو القومية تعني لنا العداء والكراهية لأوطان وقوميات أخرى؟
لماذا يشغلنا عداؤنا للآخر عن محبتنا لأنفسنا، وعن انشغالنا الإيجابي بهموم أوطاننا؟
هل بحثنا ودرسنا فلم نجد لنا من مشكلة إلا أفاعيل هذا الآخر العدو، وكل ما عدا ذلك من أحوال على أحسن ما يرام؟!
هل تقتضي منا الوطنية أن نتفرغ لمحاربة وتدمير هذا الآخر العدو، مهما كانت النتائج؟
أتحتم الوطنية أن نلتزم الرفض القاطع والتام، لكل ما يأتينا من هذا الآخر، ومن كل من يوافقه على رأيه، حتى لو كانت منظمة الأمم المتحدة؟!
هل من يحاول أن يوقف مركبتنا الوطنية أو القومية عن الاندفاع بالعداء الفاشي للآخر، نحو حافة جرف، إلى هاوية سحيقة، هو عميل وخائن لوطنه وأهله؟!
أو هل من يعملون لصد طوفان الكراهية المدمر المتفشي في كل المنطقة العربية، يعملون لصالح العدو، لا لصالح أوطانهم؟!
ربما يرجع الخلل إلى أسباب جوهرية في طبيعة الإنسان، فرغم أن الإنسان حيوان اجتماعي بتكوينه، فإنه من الصحيح أيضاً أن "الجحيم هو الآخر" كما قال سارتر، لذا تكون مشاعر الإنسان بادئ ذي بدء تجاه الآخر مزيج من الرغبة في التلاقي والنزوع إلى التباعد، ولكي يجتمع مجموعة من الأفراد داخل دائرة انتماء معين، ويكتسب ذلك الكيان صلابة تحفظه من التحلل، يلزم أن يتغلب التجاذب الداخلي على التنافر بين أفراد الجماعة، ويتأتى هذا من اتجاهين:
· تجاذب داخلي نتيجة مصالح مشتركة بين أفراد الجماعة، وصلات قربى وما شابه، وسنصطلح على تسميته عامل "تجاذب إيجابي"، نظراً لتحقيقه مصالح إيجابية، كما يمكن تسميته بلغة المشاعر "عامل الحب".
· تنافر بين الجماعة ودوائر انتماءات أخرى خارجها، نتيجة علاقات عدائية تمليها اختلافات المصالح والمواقف، مما يعطي الجماعة تماسكاً إضافياً، وسنصطلح على تسميته عامل "تجاذب سلبي"، نظراً لأننا قلبنا اتجاهه من تنافر مع أطراف خارجية إلى تجاذب مع أطراف داخلية، ولأن المصالح التي يحققها للجماعة ليست مصالح إيجابية، وإنما سلبية بدفع أضرار محتملة من الخارج، ويمكن تسميته بلغة المشاعر "عامل الكراهية"، كراهية الآخر بالطبع.
من هنا نستطيع تصنيف دوائر الانتماء، التي قد تكون طائفية أو قبلية أو وطنية، من حيث طبيعة قوى تماسكها إلى:
الانتماء الانعزالي:
يقوم على الانفصال، ويغلب على قوى تماسكه القوى السلبية، أي التي يكون قوام وجودها هو حماية منتسبيها من خطر خارجي، أو بلغة العاطفة كراهية "آخر"، في حين يتضاءل مقدار القوى الإيجابية ربما حتى الصفر، لذا فهي تكتسب شكلها بفصل من بداخلها عن العالم الخارجي، أي أنها رياضياً تطرحهم من العالم، ويمكننا بالقليل من التجاوز اعتباره "انتماء الكراهية"، أو "الانتماء الفاشي".
الانتماء التكاملي:
التكامل في الرياضيات عملية جمع، لذا نستطيع أن نطلق على دائرة الانتماء التي تغلب على قوى تماسكها القوى الإيجابية، تسمية "دائرة انتماء تكاملي"، لأنها تكتسب قوامها بما يجمع بين أفرادها من مصالح ومشاعر، فهم يرون أنفسهم هنا لأنهم يرغبون في ذلك عقلياً وقلبياً، وبنفس القدر من التسامح مع عدم الدقة، نستطيع أن نصف "الانتماء التكاملي" بأنه "انتماء الحب".
من الواضح بالطبع أن أياً من النوعين من النادر تواجده نقياً في الواقع العملي، والعبرة بالاتجاه الغالب، وإذا كانت العقائد والأيديولوجيات جزءاً أساسياً من حياة المجتمعات، أي دوائر الانتماءات، على مر التاريخ، فإنه من الطبيعي إذا أمعنا النظر أن نجد أن تصنيف الفاشي والتكاملي تنسحب أيضاً على الأفكار والأيديولوجيات:
الأفكار والأيديولوجيات الفاشية:
هي تلك التي يغلب عليها معاداة "الآخر"، فنصوصها المرجعية لا تشتمل إلا على القليل مما يحرض على عناصر التجاذب الإيجابي، مقارنة بما تحوي من تحذير وتحريض وتخويف وقدح لاذع في "الآخر"،
فالأيديولوجية الماركسية مثلاً، ورغم أن لديها الكثير من العناصر الإيجابية التي تبشر بها لإقامة علاقات تحقق مصلحة المنتمين إليها، وهم الطبقة العاملة، إلا أن مسألة الصراع الاجتماعي، وحتمية انتصار البروليتاريا على المستغلين من الرأسماليين، تحتل مكانة جوهرية في النظرية، وتجتذب العقول والمشاعر عند التطبيق، لتكتسب الأيديولوجية طابع الصراع، بما يتيح لنا تصنيفها "كأيديولوجية فاشية" أو "أيديولوجية كراهية".
ونزعم أن دعوة القومية العربية ليس لديها الكثير لتقوله عن عناصر "التجاذب الإيجابي" بين العديد من الشعوب والأقطار الذين يستهدفهم خطابها، نظراً لأن ما يفرقهم من حيث التكوين المجتمعي وطبيعته، ودرجة التطور الحضاري، بل والجنس المنحدرين منه، وطبيعة نظمهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كل هذا يفرقهم أكثر مما يجمعهم، مما يحدو بالمنادين الزاعقين بخطاب القومية العربية إلى اللجوء للتركيز على "التجاذب السلبي" أو "خطاب الكراهية للآخر"، الذي هو "الصهيونية العالمية" و"الإمبريالية الأمريكية" و"قوى الهيمنة والسيطرة وإفقار الشعوب"، وما شابه.
والخطير في الأمر في هذا المثال أن علو صوت خطاب القومية يكون على حساب خفوت وتواري صوت "الخطاب الإيجابي" الوطني في الأقطار المختلفة، والذي يسعى لتحقيق طموحات الشعوب في حياة كريمة، فتجهض أو توأد مشروعاتها في المهد، كما حدث لثورة يوليو المصرية، التي حادت عن طريقها الوطني، إلى مغامرات الوحدة مع سوريا ثم حرب اليمن، حتى جاءت النهاية المأساوية بما سمي بنكسة 1967، والخطير الذي نعنيه، أو العجيب المدهش إلى حد الجنون، هو تحرك الصفوة والشعوب بعكس اتجاه مصالحها، فتعادي القوى التي تقدم لها الخير، والتي بدونها لا يمكن أن تقوم لمجتمعاتنا قائمة، لحساب تقوية انتماء زائف، لم ولن يقوم، ومازال المسلسل الهابط مستمراً، فصدام يمحو دولة الكويت ومن فيها، لكن أبطال العروبة أشد ما يستفزهم "الآخر الإمبريالي" أو "الآخر الكافر" الذي جاء ليستعيد الحياة للدولة والشعب المزعوم عروبته، مثلها تعرض الشعب "العربي" في العراق للإذلال والإبادة على مدى خمسة وثلاثين عاماً، ولم يسمع جئير أشاوس العروبة إلا حين جاء "الآخر" لينقذ إخواننا مما يرزحون فيه.
هل زال العجب الآن من موقف أبطال العروبة من طرح "الآخر" لمساعدتنا على التحديث والتغيير الذي نطالب به دون جدوى من سنين طويلة، وارتفاع أصواتهم بالرفض المطلق، لمجرد أنه من "الآخر" القادر وحده فعلاً على مساعدتنا، دون أن نعطي أنفسنا فرصة معرفة وفحص ما يعرض علينا، لنرفض بعدها ما يستحق الرفض ونقبل ما يستحق القبول؟!
الأفكار والأيديولوجيات التكاملية:
هي التي يغلب على نصوصها المرجعية الاهتمام بعناصر "التجاذب الإيجابي"، فلديها الكثير لتقوله أو ما تتصوره يحقق صالح منتسبيها، مقارنة بالقليل أو حتى عدم الاهتمام الذي توليه للتحذير والتخويف ومعاداة "الآخر"، فهو خطاب جمع، يبحث عن المشترك بين الناس ليستغله في تطوير وتحسين العلاقات، ومن ثم ظروف الحياة المعيشية للإنسان.
فالرأسمالية والليبرالية، إن صح اعتبارهما أيديولوجية، خالية تماماً من عناصر "التجاذب السلبي"، فلا يوجد لديها ما تقوله عن "الآخر"، أو بالأصح لا يوجد في مفهومها "آخر".
نفس ما قيل عن تماسك دوائر الانتماء، واتجاهات الأفكار والأيديولوجيات، يقال عن التكوين العقلي والعاطفي للأفراد داخل المجتمعات المختلفة، التي تتطبع بالمناخ السائد فيها، فتصبح عقولاً تكاملية أو فاشية أو بين بين، وهنا تكمن خطورة الاتجاهات الفاشية، ليس على "الآخر"، وإنما على الكيانات محل الانتماء ذاتها، فالعقل الجمعي الذي أنجب المثل الشعبي: "أنا وأخويا على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، هذا العقل غابت عنه النظرة التكاملية: فإذا كانوا ثلاثة، هو وأخوه وابن عمه، فكل ما يستطيعه أن يكون مع أخيه على ابن عمه، ولم يرد بالخاطر أن يكونوا الثلاثة معاً لإصلاح ذات البين مثلاً، أما وقد تواجد الغريب في الصورة، فإن التوجه المفروض واضح جداً وهو التوجه ضد الغريب.
نستطيع أن نقرر بثقة أن الاتجاهات الفاشية تمثل خطراً على الجماعات التي تسود فيها، ليس فقط لإهدار طاقاتها في الصراع مع "الآخر"، وضياع فرص التعاون معه، بل أيضاً لتدميرها للكيانات من الداخل، سواء بالصراع بين طوائف المجتمع الواحد، أو امتداد الأمر حتى داخل الأسرة الواحدة.
بالطبع لا يدخل في تحليلنا السابق ما تقتضي العوامل الموضوعية أن تتخذه الجماعة من مواقف صراع أو تنافس مع جماعات أخرى، بناء على اختلافات المصالح والمواقع، فهذه المواقف لا تستحق النعت بالفاشية أو ما شابه، كما لا تندرج تحت عنوان "صراع وجود"، أو "صراع حتى الموت"، فما يجمع الإنسان في كل مكان، عبوراً على كل دوائر الانتماءات، أقوى بمراحل مما يفرقه، مما يجعل الوضع الطبيعي غير المحتقن بالأفكار الفاشية، هو هامشية ووقتية علاقات الصراع، مقارنة بجوهرية علاقات التعاون والتكامل، استبعاداً لثيمة أن الآخر يلعب دور الشيطان، في فيلم هابط عن مصاصي الدماء!!
علينا إذن قبل الحديث عن التغيير أو التحديث أو الإصلاح أو الديموقراطية، أن نستأصل الفاشية الوطنية أو القومية أو العقائدية من أرضنا وقلوبنا، فعندها فقط ستنفتح عيوننا على حقائق عالمنا، وسنكتشف أن الطريق لغد أفضل متسع أمامنا، لكن غشاوة الكراهية على عيوننا حجبته عنا قروناً طويلة.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليبرالية الجديدة والتناول المغلوط
- يحكى أن . . . . . .
- الليبرالية الجديدة وثنائية الشكل والمضمون
- الخطاب الإعلامي العربي بين الوصاية والتضليل والليبرالية المف ...
- د. سيار الجميل . . عفواً
- ثوابت الأمة والخلط بين الواقعية والانهزامية
- مستنقع الكذب وضبابه
- فيصل القاسم يسفر عن وجهه الليبرالي
- الاتجاه المعاكس- والإجهاز على المشكاة
- فيصل القاسم . . من وإلى أين؟
- مشهدان من مسرحية عروبية ساقطة
- أمريكا أمريكا . . تلك الأرض المقدسة
- البعض يريد كليباً حياً
- إبراهيم نافع والفاشيون العرب
- حوار مع صديقي الملحد -2
- الليبراليون الجدد يوقدون الشموع
- المسألة القبطية ومنهج الرقعة الجديدة على ثوب عتيق
- حوار مع صديقي الملحد
- غلب حماري
- خواطر من عرس ابنتي


المزيد.....




- أين يمكنك تناول -أفضل نقانق- في العالم؟
- ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع ...
- بلينكن: إدارة بايدن رصدت أدلة على محاولة الصين -التأثير والت ...
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمارات ...
- أطفال غزة.. محاولة للهروب من بؤس الخيام
- الكرملين يكشف عن السبب الحقيقي وراء انسحاب كييف من مفاوضات إ ...
- مشاهد مرعبة من الولايات المتحدة.. أكثر من 70 عاصفة تضرب عدة ...
- روسيا والإمارات.. البحث عن علاج للتوحد
- -نيويورك تايمز-: واشنطن ضغطت على كييف لزيادة التجنيد والتعبئ ...
- الألعاب الأولمبية باريس 2024: الشعلة تبحر نحو فرنسا على متن ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - وطنية نعم، فاشية لا