أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - البرجماتية غائبة. . ولكن















المزيد.....

البرجماتية غائبة. . ولكن


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1170 - 2005 / 4 / 17 - 14:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في كل مرة أستغرق في تأمل الخطاب العربي السائد، مفتشاً عن مسببات تخلفه وهذيانه، مستشرفاً دواء لما استفحل من أدواء، أجدني في النهاية أمام البرجماتية، تلك الفلسفة التي توصل إليها الفكر الغربي، بعد سياحته الطويلة في عوالم المثالية والميتافيزيقا، ليصل بها أو تصل به، إلى تلك الإنجازات الحضارية، التي نستمتع بها معه، والتي حققها وضوح الرؤية، والتخلص من الخزعبلات والأوهام المثالية، والتوجه المباشر نحو الأهداف، بتبني الأفكار الكفيلة بالوصول إليها، باعتبار الإنجاز وحده هو معيار الحقيقة.
نعرف البرجماتية ولاشك، لكن الكثيرين لم يتعرفوا عليها إلا كمفردة مميزة في قاموس نعوت السباب، الذي كونه مناضلونا اليساريون عبر عشرات السنين، يستخدمونها كمرادف للانتهازية والأنانية الدنيئة، وكاتهام بالتلوث بالغزو الثقافي الإمبريالي، وبالذات الأمريكي!!
أول من أعلن أراء برجماتية الطابع هو المنطقي والفيلسوف الأمريكي تشارلز بيرس (1839 – 1914 م)، ولكن المذهب البرجماتي ظهر في صورته الواضحة على يد وليم جيمس (1842 – 1910م)، والذي يعتبر مؤسس المدرسة ورائدها.
"أشهر ما تقدم به وليم جيمس من مذاهب هو البرجماتية، وهي التي ترى أن الفكرة تكون صحيحة حين تؤدي إلى إدراك موضوعها، وأن القضية تكون صحيحة حين تؤدي إلى نتائج نافعة إذا نحن قبلناها، وحين تثبت أنها قابلة للعمل. وقد استخدم جيمس للتعبير عن هذا التحقق العملي كلمة "Cash" (النقد المعدود)، وقد أساء كثيرون فهم المقصود بها. أما "المنفعة" فإن وليم جيمس لا يقصد بها إشباع الحاجات المادية للفرد وحدها، بل يقصد كذلك كل ما يساهم في تألق حياة الإنسان والمجتمع. ومن هذه الوجهة للنظر فإن عقائد الدين صحيحة تماماً في نظر وليم جيمس، وهو يرى أنه ينبغي الحكم على الدين لا بشيء إلا بنتائجه. ويعلن جيمس أنه لا يدري أن للدين مغزى ميتافيزيقياً أم لا، ولكن المؤكد أنه على الأقل فرض خصب" (عالم المعرفة- العدد 165 ص 196)
"تنحصر البرجماتية في القول بإنكار أن تكون المعرفة نظرية وتأملية خالصة، وفي القول بإرجاع الحقيقة إلى المنفعة. ولكن كل واحد من البراجماتيين يعرض هذه المبادئ على نحو يختص به هو، وعلى درجات تختلف فيما بينهم. وعلى حين أن التيار الأكثر تشدداً يعلن أن القضية الصحيحة هي التي تؤدي إلى نجاح فردي، فإن التيار الأكثر اعتدالاً يرى أن الحقيقي هو ما يمكن التحقق من صدقه بوسيلة الوقائع الموضوعية. وسواء كان هذا أو ذاك، فإن كل براجماتي يرى أن المنفعة والقيمة والنجاح هي المعيار الوحيد للحقيقة، وهي أيضاً بصفة عامة جوهر الحقيقة" (المصدر نفسه ص 193)
تضاف للبرجماتية في تيارها الأمريكي- الإنجليزي فلسفة للحياة "وترى هذه الفلسفة الحيوية البرجماتية أن الحقيقة لا تعرف الثبات، بل هي تسيل وتخلق ألواناً من الخلق الحر، ويعجز العقل عن إدراك هذه الحقيقة، وتقوم كل معرفة على أساس التجربة" (المصدر نفسه ص 194)، والبراجماتية بهذا تكون العماد الأساسي للتطور والتحديث الجذري والمستمر، لانطلاقها مما يمكن تحقيقه من منافع لاستحداث منافع جديدة إلى ما لانهاية، بخلاف ما يتيحه التقيد بالاستنباط من أوليات معرفية ثابتة أو محدودة، تحد بالتالي من إمكانيات التطور ومداه.
ربما جاز أن نقول عن الفلسفة البرجماتية – شأنها شأن الكثير من الأفكار الخلاقة – أنها اسم وبلورة جديدة لأفكار قديمة، ربما قدم حضارة الإنسان، فمن منا لا يعرف عبارة "النجاح دليل الصلاح"، التي يستهجنها المثاليون والمتحذلقون والمنافقون، أليس اهتداء الإنسان بنبراس المصلحة، هو الذي قاده طوال مسيرته الحضارية، ولولاها ما كان ليصل إلى ما وصل إليه؟!!
اعتادت جميع الفلسفات ومناهج التفكير المنطقي على التدليل على صحة القضية تدليلاً قبْلياً، أي بالبحث في الأوليات التي نستخلص منها الرأي موضوع البحث، وفي هذه المنطقة يدور الجدل والخلاف، سعياً لأدق وأصح استنباط ممكن، يمكننا من الجزم بصحة ما نقول، ربما إلى حد الاقتتال انتصاراً لما نراه الحق، أما البرجماتية فبرهانها بعدي، فهي لا يعنيها الاستنباط من أوليات، سواء كانت مقدسة أو علمية، إذ تركز في بحث مدى حقيقية الرأي أو القضية على النتائج المترتبة على تطبيقها على أرض الواقع، وقد يتم هذا بتطبيق تجريبي محدود، أو بالحساب العلمي للنتائج المتوقعة، والتي قد يؤيدها التطبيق العملي أو يخطئها بدرجة أو بأخرى.
أما الاستخدام الانتهازي أو الأناني للمنهج، والذي قد يقترفه فرد طبيعي أو معنوي، والذي يتجاوز به حدود حرياته القانونية، إلى التطاول أو الاعتداء على حريات وحقوق الآخرين، فهذا علاقته بالبرجماتية لا تزيد عن علاقة أي منحرف أو محتال بأي فكر آخر، سواء كان فكراً مثالياً أو ميتافيزيقياً.
لا أعتقد أن أحداً فيما يسمى بعالمنا العربي يحتاج لهذا الدرس في البحث عن المصلحة فيما يختص بحياته الشخصية، لكن المشكلة هي في الازدواجية التي اعتدنا على الحياة في ظلها، هناك خطاب غير منطوق به يسيرنا باتجاه مصالحنا الشخصية، وخطاب رسمي في المجالس والمنابر بمستوياتها المختلفة، بدءاً من العائلي حتى أعلى المستويات السياسية، نتشدق به ونزايد ونتزايد في أحاديث وشعارات وأوهام مستمدة مما نظنها ثوابت أخلاقية أو إيمانية أو تاريخية أو وطنية، لتنحصر اختلافاتنا في مدى صحة هذا الاستنباط أو ذاك، أحيانا إلى حد التكفير أو التخوين أو التجهيل، لكن دون أن نتطرق – ربما استحياء – إلى تقييم نتائج التطبيق، أي انعكاس ما نقول على المصلحة سلباً أو إيجاباً.
هذه الازدواجية ليست حالة نفاق مجتمعي بسيطة، بمعني أن يدرك المنافق أنه كذلك، فالنفاق تحول إلى إدمان، بحيث صار الأمر طبيعياً وعاماً، بل وصارت واحدية الفكر أو الخطاب مدعاة للدهشة، أو لوصف مقترفها بالمروق والمجون والخيانة للثوابت، المقدسة فقط على مستوى الحديث، والمنسية تماماً على مستوى الفعل.
ربما على مستوى الإنسان الفرد الشخصي يكون تأثير تلك الازدواجية السلبي على توجهه نحو صالحة في حدها الأدنى، لكن هذا التأثير يتحول إلى كارثة على الأمور العامة، سواء على المستوى المجتمعي أو الوطني، وهذا ما نرصده على الساحة في دولنا ومجتمعاتنا في كل مجال تقريباً.
فمن يتصايحون بخطاب معاد للمرأة في مجال تشريعات الزواج أو حق المرأة في العمل، يدافعون عن بناتهم وأخواتهم دفاع المستميت إذا ما تعرضن لتعسف الرجل المؤيد بمجتمع ذكوري، وغالباً ما تكون بناتهم وربما زوجاتهم من العاملات في كل ميادين العمل المتاحة، ومن يفتون بعدم جواز نقل الأعضاء لأنها مقاومة لقضاء الله وقدره، يسافرون متى مرضوا إلى دار الحرب والكفر والطاغوت، ليلقوا أفضل رعاية طبية إنقاذاً لحياتهم المقدسة، في تجاهل طريف لكل دروسهم الرائعة.
وكبار المناضلين دفاعاً عن القطاع العام في مواجهة ما يسمونه بالرأسمالية المستغلة، يعمل أبناؤهم في شركات أجنبية تدفع لهم أجورهم بالدولار، ومن يدافعون عن مجانية التعليم يدفعون أيضاً بالدولار أو ما يوازيه، ليتلقى أبناؤهم العلم في مدارس حقيقية، ومن يتصايحون بالعداء لأمريكا والغرب، لعدائهم للشعوب وكراهيتهم للعرب والإسلام، مبشرين بقرب انهيار الحضارة الغربية التي وصلت حسب تصوراتهم أو ادعاءاتهم إلى مرحلة الانحلال، هؤلاء إما يعيشون في الغرب طلباً للأمان أو تمتعاً بالرفاهية والحرية، أو يعيش أبناؤهم هناك، أو يسعون ولو في أحلام يقظتهم للهروب من جحيم الشرق وتخلفه، إلى جنة الإنسان في أمريكا وأوروبا!!
والجماهير الفلسطينية المؤيدة لحماس والجهاد وكتائب شهداء الأقصى، والتي تنتشي بسفك دماء المدنيين الإسرائيليين، تلك الجماهير ذاتها تسعى لمصالحها حين تقف في طوابير طويلة أمام المعابر، محتملة كل صنوف المعاناة، لتذهب للعمل في إسرائيل، لتكون عنصراً لا يستهان به في تدعيم الاقتصاد الإسرائيلي، لأنها إذ تفعل هذا تدعم اقتصادها الأُسري، وفق قانون تبادل المصالح، الذي هو قانون طبيعي أزلي، يستعصي على الشعارات والأفكار والأيديولوجيات المأفونة، ولا يفرق هؤلاء العمال الذين يعولون أسراً لا تقيم أودها الشعارات، بين العمل في المصانع الإسرائيلية أو في بناء المستوطنات أو الجدار العازل، ناهيك عن قيام الفلسطينيين منذ البداية وحتى الآن ببيع أراضيهم وبيوتهم للإسرائيليين، مادام الثمن المعروض مرتفعاً بما يكفي لتجاهل شعارات وتوجهات تدفع بعكس مصالح الشعوب.
لا نرى ما ذكرنا من أمثلة يتعلق بقصر ومحدودية نظر عامة الناس، في مقابل شمولية رؤية المناضلين الأشاوس في بعدي المكان والزمان، فلو التزم الأخيرون بالمصلحة كمقياس لصدق دعاواهم، لاستطاعوا خلق واقع لشعوبهم، يتوافق فيه صالح الفرد على المستوى الشخصي والآني، مع الصالح العام والمستقبلي، لكنهم بحماقة انتحارية منقطعة النظير يتحركون في عكس اتجاه المصلحة، التي لا تدخل من الأساس في حساباتهم الشريفة المناضلة المجاهدة.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وطنية نعم، فاشية لا
- الليبرالية الجديدة والتناول المغلوط
- يحكى أن . . . . . .
- الليبرالية الجديدة وثنائية الشكل والمضمون
- الخطاب الإعلامي العربي بين الوصاية والتضليل والليبرالية المف ...
- د. سيار الجميل . . عفواً
- ثوابت الأمة والخلط بين الواقعية والانهزامية
- مستنقع الكذب وضبابه
- فيصل القاسم يسفر عن وجهه الليبرالي
- الاتجاه المعاكس- والإجهاز على المشكاة
- فيصل القاسم . . من وإلى أين؟
- مشهدان من مسرحية عروبية ساقطة
- أمريكا أمريكا . . تلك الأرض المقدسة
- البعض يريد كليباً حياً
- إبراهيم نافع والفاشيون العرب
- حوار مع صديقي الملحد -2
- الليبراليون الجدد يوقدون الشموع
- المسألة القبطية ومنهج الرقعة الجديدة على ثوب عتيق
- حوار مع صديقي الملحد
- غلب حماري


المزيد.....




- الخرطوم تطالب بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمار ...
- استمرار الاحتجاجات في جامعات أوروبا تضامنًا مع الفلسطينيين ف ...
- الرئيس الإيراني: عقيدتنا تمنعنا من حيازة السلاح النووي لا ال ...
- مظاهرة ضد خطة الحكومة لتمديد استخدام محطة -مانشان- للطاقة ال ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة خسائر القوات الأوكرانية خلال أسبوع ...
- أطباء المستشفى الميداني الإماراتي في غزة يستأصلون ورما وزنه ...
- مجلس أميركي من أجل استخدام -آمن وسليم- للذكاء الاصطناعي
- جبهة الخلاص تدين -التطورات الخطيرة- في قضية التآمر على أمن ا ...
- الاستخبارات الأميركية -ترجح- أن بوتين لم يأمر بقتل نافالني-ب ...
- روسيا وأوكرانيا.. قصف متبادل بالمسيرات والصواريخ يستهدف منشآ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - البرجماتية غائبة. . ولكن