أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - العلمانية وجذور الصراع مع الغرب















المزيد.....

العلمانية وجذور الصراع مع الغرب


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1195 - 2005 / 5 / 12 - 12:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نزعم أن الخلاف بين شرقنا الكبير وبين العالم الغربي، البرزخ الذي يفصل بيننا وبينه، يرجـع إلى مفهوم العلمانية secularism
، فمن ناحية هناك الخوف الشرقي من التهديد بغزو العلمانية الغربية، ما نتصور أنه يعني الهدم لمعتقداتنا الدينية، بل والأسس التي تقيم حياتنا بوجه عام، ومن ناحية أخرى يرجع للعلمانية الخلاف في منهج التفكير بين الشرق والغرب، والذي يؤدي في محصلته إلى حالة العداء والكراهية المستشرية في الشرق للعالم الغربي، ونظرة الغرب لنا كعالم آخر يبدو في بعض الأحيان مستعصياً على الدرس والفهم، بأكثر مما يرجع الخلاف لعوامل مادية أو مصالح واقعية، التي ربما تدفع للقاء لا للمواجهة.
علينا الغوص في طبيعة الفكر الإنساني وتطوره، لنعثر على نقطة الفراق بين الشرق والغرب، إذا أردنا تجسير الهوة التي وصلت لذروتها المأساوية، في أحداث 11 سبتمبر 2001، وما تلاها من مواجهة عسكرية، نعرف متى وأين بدأت، ولا نعرف متى وأين تنتهي.
يرجع الاختلاف النوعي في الفكر الإنساني إلى أسلوب إنتاج الفكر، بما ينعكس على طبيعته، ومن ثم المهمة التي يصلح أن يكون "أداة" لتحقيقها، فالشائع لدى المثقفين والمشتغلين بالفكر عامة - فيما عدا المشتغلين بالعلوم الطبيعية - أن الفكر هو نتاج عقلي محض، بما لا يبرر تصنيفه على أساس أسلوب الإنتاج، والفكر وفق هذا التصور ينطلق من "مركزية الكلمة" أو مقولة "في البدء كانت الكلمة"، بمعنى أن البداية كانت فكرة، وحين توفرت لها قوة أنتجت حياة ومادة، وبالفكرة تطورت الحياة.
هذا هو الفكر المثالي الذي كان سائداً في العالم، حتى أنتج العالم الغربي نوعاً آخر من الفكر لتوظيفه في مجالات التطوير والتحديث المادي للحياة الإنسانية، فكان الانتقال إلى ما نعرفه بالعلمانية، والتي تعني بالأساس الفصل بين الفكر الذي يصدر عن المطلق المتعالي، أو العقل المجرد، بمعزل عن الوقائع العينية، والذي يمكن أن يكون مفيداً لإنتاج بعض أنواع الخطاب الأدبي، والعقائد والتصورات الميتافيزيقية، تلبية لاحتياجات الإنسان الروحية والأدبية، وبين الفكر الجديد المنتج من خلال "مركزية الفعل"، أي المشتق من اكتشاف العلاقات بين الأشياء في العالم، عبر استخلاص التجارب الإنسانية، الحقلية والمعملية، ليكون الفعل ونتائجه هي معيار التقييم الوحيد لصلاحية الفكر، بما يعني قابليته للنقد الدائم والتطوير المستمر، وصولاً للأفضل، دون التقيد بمرجعية ثابتة أياً كانت.
العلمانية إذن لا تعني نفي الفكر المثالي أو معاداته، بما قد يشمل معاداة الأديان، كما يشاع عن العلمانية عن سوء فهم، وإنما تعني توظيف كل من نوعي الفكر في مجاله الطبيعي، المتفق مع طريقة إنتاجه، فكما تستبعد العلمانية توظيف الفكر المثالي في مجال تنظيم العلاقات المادية، فإنها تعني أيضاً عدم توظيف الفكر المادي في مجال الأدبيات والروحيات والعقائد، أو محاولة تقييمها على أساسه، لأنه غير صالح لذلك، وهذا ما تطرق إلية الفيلسوف الألماني "كانت"، في نقده للعقل الخالص، باعتبار العقل في مفهومه محدود باكتشاف حقائق العالم المادية، غير قادر على تجاوزها إلى ما وراء الطبيعة.
إذا كان تاريخ البشرية هو قصة التطورات الضخمة، وأعمال العنف الضخمة، فهل يكون الخلط بين منهجي الفكر هو العامل الأساسي لذلك؟ هل الدمار والضحايا التي قدمتها البشرية كانت ثمناً لاعتناق "في البدء كانت الكلمة"، بدلاً من "في البدء كان الفعل"، أو على الأقل رفع راية "في البدء كانت الكلمة"، للتستر خلفها على أغراض مادية تنطلق من "مركزية الفعل"؟!
إذا كانت الإجابة بنعم ستبدو تعميمية ومتطرفة، فإن علينا أن نكتفي بالقول أنها أهم الأسباب، ويبقى التساؤل عن سر رواج "مركزية الكلمة" طوال كل تلك الدهور، قبل أن يعتنق الغرب وحده، وبوضوح وبلا مواربة "مركزية الفعل".
بدأ الإنسان بجمع أفكاره من واقع التجربة، وكانت التجربة – ومازالت وإن بدرجة أقل كثيراً – مجهدة ومحدودة، لتواضع إمكانيات الإنسان، خاصة في البدايات، وكان خياله قد أخذ ينمو بحرية، وبمعدل أسرع من معدل نمو قدرته على الفعل والتجربة، أي كان معدل توارد الأسئلة أكبر من معدل الإجابات المستمدة من التجربة، فكان أن تطوع العقل بإجابات منفردة، ومع الوقت صار لدى الإنسان نوعان من الأفكار لم يستطع في البداية تصنيفهما:
· النوع الأول خصب ووفير ومدهش، وهي الأفكار التي خلقها العقل مستعيناً بصور الواقع دون أن يلتزم بالعلاقات الطبيعية الواقعية بين تلك الصور، فخلق عالماً موازياً مبهراً.
· والنوع الثاني بدائي وفقير، لكنه يتقدم بإصرار ليحقق للإنسان حياة أفضل، متخذاً صورة ما نسميه الآن تكنولوجيا، فصنع الإنسان أدواته ومسكنه وملبسه، حتى صنع الأهرامات العظيمة.
كان هناك إذن – ومازال – أهل الفكر المحض ( مع التحفظ على جدية كلمة محض)، وأهل الفعل (الشغيلة من العامة)، كل ينتج بطريقته، ولقد كان المصريون القدماء رواداً في المجالين، لكنهم في الفعل كانوا أعظم الجميع بمقاييس زمانهم.
أهل الفكر يبثون أفكارهم قولاً ثم كتابة، ولا يكادون يبلون أطراف أصابع أقدامهم في بحر الفعل، وأهل الفعل في الجانب المقابل، لا يكادون يجيدون غير الفعل، والإنصات لأهل الفكر والسلطة، والاستمتاع بإنتاجهم المدهش، الذي تعوضهم أحلامه الملونة عن شقاء واقعهم.
لكل ما سبق تغلب الفكر المتعالي، وسادت "مركزية الكلمة"، فكانت الأساطير والسحر، ثم اليوتوبيات والتراث الفلسفي العظيم والأيديولوجيا، واحتاجت البشرية أكثر من خمسة وعشرين قرناً لتعلن أخيراً نهاية التاريخ وموت الأيديولوجيا، التي حاولت - بفكر تغلب على طريقة إنتاجه "مركزية الكلمة" – السيطرة على الواقع، بغية تطويره، ليكون من الآن فصاعداً "تاريخ الفعل"، تاريخ الفكر الأرضي لا السماوي، أي تاريخ العلم الحديث، ولن يقول المثل الشعبي بعد الآن أن العلم في الراس ولا في الكراس، لأنه في المعمل والحقل، ولأنه "في البدء كان الفعل"، ولن نقول فقط: "أنا أفكر إذن أنا موجود"، وإنما أيضاً: "أنا أفعل إذن أنا موجود"، مع الحرص على عدم الخلط بين المجالين.
لم تكن الغفلة وراء تأخر هذا الإعلان، فقد كان لابد من تزايد معدل نمو المعارف والأفكار المستمدة من الفعل وتراكمها في جميع المجالات، لتضيق الفجوة أو حتى تنعدم بين طموح الإنسان للفهم وبين قدرته على إنتاج معرفة مادية حقيقية، فعندها فقط تنتفي الحاجة إلى استخدام الميتافيزيقا بجميع أنواعها في مجالات ترتيب الواقع المادي أو السيطرة عليه وتطويره.
هنالك بضع ملاحظات جديرة بوضعها في الاعتبار:
· الكلمة المتعالية بحاجة إلى قوة لفرضها على الواقع، بالإضافة للقوة اللازمة لإزالة الوضع القديم، بعكس الكلمة المستولدة من الواقع، التي يكون الواقع مهيأ لقبولها بالحد الأدنى من الجهد، وفي هذا تعضيد للربط بين "مركزية الكلمة" والعنف على أساس مبدئي.
· النجاحات التي تفرضها الرؤى المتسامية على أرض الواقع، دون استناد لحقائق وعلاقات مادية، هي إنجازات وقتية ومظهرية، لا تلبث أن تتصدع، ولا يبقى منها غير آثارها السلبية، وإيجابيات ما قد يكون بين ثناياها من أفكار تنتمي "لمركزية الفعل"، والتجربة الشيوعية خير مثال على هذا، فما لبث أن تصدع ما أقامته من أنظمة وأبنية، في جميع تطبيقاتها ، ولم تخلف إلا الهشيم.
· في الواقع لا تكون النظريات والأيديولوجيات صافية الانتماء لأي من النقيضين، ويعتمد التصنيف على النسبة الغالبة، مع ملاحظة وجود نظريات نصنفها متسامية رغم قيامها على استخدام بعض حقائق من الواقع، لتدخل العقل في انتقائها تعسفياً من بين العديد من الحقائق وإهدار البقية، ثم تدخله في الربط بينها بعلاقات متسامية وتعسفية، لتكون النتيجة نظرية طوباوية مثالية رغم ردائها المادي، وخير مثال لنا هو "المادية الجدلية" لماركس.
· لم يكن كل ما أنتجه الفكر المحض، في تصديه للواقع المادي مجرد أوهام، بل استطاع الإنسان في بعض الأحيان أن يتخيل ما أثبتته التجارب بعد ذلك، مثل النظرية الذرية لديموقريطس.
· لا ينبغي إنكار إيجابيات منهج "مركزية الكلمة" عبر تاريخ مسيرة الإنسان الحضارية، رغم ضخامة سلبياته، فربما كان بمثابة أجنحة حلق بها الإنسان فوق عصور الظلمة.
الآن هل ثمة أمل في انتقال شعوب شرقنا إلى التفكير العلماني، دون أن تخشى من تدميرها لحياتها الروحية والأدبية، وتعبر الهوة التي تفصلها عن العالم الغربي، وعن الحضارة والتحديث، أم أننا سنبقى أسرى الكسل والمخاوف والأوهام؟!!



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعوب الشرق وخيار شمهورش
- الغرب والقفز إلى المجهول
- هل يُلْدغ الغرب من جحر مرتين؟
- البرجماتية غائبة. . ولكن
- وطنية نعم، فاشية لا
- الليبرالية الجديدة والتناول المغلوط
- يحكى أن . . . . . .
- الليبرالية الجديدة وثنائية الشكل والمضمون
- الخطاب الإعلامي العربي بين الوصاية والتضليل والليبرالية المف ...
- د. سيار الجميل . . عفواً
- ثوابت الأمة والخلط بين الواقعية والانهزامية
- مستنقع الكذب وضبابه
- فيصل القاسم يسفر عن وجهه الليبرالي
- الاتجاه المعاكس- والإجهاز على المشكاة
- فيصل القاسم . . من وإلى أين؟
- مشهدان من مسرحية عروبية ساقطة
- أمريكا أمريكا . . تلك الأرض المقدسة
- البعض يريد كليباً حياً
- إبراهيم نافع والفاشيون العرب
- حوار مع صديقي الملحد -2


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية سيستقبل حشدا من المعلمين 
- تونس تحصل على 1.2 مليار دولار قرضاً من المؤسسة الدولية الإسل ...
- مين مستعد للضحك واللعب.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 20 ...
- «استقبلها وفرح ولادك»…تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ك ...
- لوموند تتابع رحلة متطرفين يهود يحلمون بإعادة استيطان غزة
- إبادة جماعية على الطريقة اليهودية
- المبادرة المصرية تحمِّل الجهات الأمنية مسؤولية الاعتداءات ال ...
- الجزائر.. اليوم المريمي الإسلامي المسيحي
- يهود متشددون يفحصون حطام صاروخ أرض-أرض إيراني
- “متع أطفالك ونمي أفكارهم” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - العلمانية وجذور الصراع مع الغرب