أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - الخصوصية والذاتية وجذور الليبرالية















المزيد.....

الخصوصية والذاتية وجذور الليبرالية


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1210 - 2005 / 5 / 27 - 12:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتردد كلمة "الخصوصية" في الخطاب الشرقي الآن كمرادف لكلمة "هوية"، وإذا كان مضمون مقالنا "العلمانية ومفهوم الهوية" أن "الهوية" صنم من جليد، علينا إما أن نكف عن التعبد له، أو أن نخرجه ليذوب ويتلاشى تحت شمس التحديث، فإن "الخصوصية" و"الذاتية" أمر آخر، يقتضي منا بعض الدرس، خاصة وأننا نسيء استخدامه كعادتنا، جاعلين منه علة لرفضنا وكسلنا وعجزنا عن التغيير، والتلاقي مع العالم.
مقصدنا الحديث عن خصوصية شعب، غير أن المفهوم يدفعنا نحو جذره، الذي هو خصوصية الفرد، فالإنسان من وجهة نظر ليبرالية، فرد فريد unique لا يتكرر، وغير قابل للاستبدال، فإن فقدنا في حادث مثلاً أحد حيواناتنا الأليفة جاز أن نطالب المتسبب ببديل مماثل، أما إن فقدنا أحد أعزائنا، فلن يكون هذا الحل وارداً، وبالتالي فإن العمليات الإحصائية التي تتناول البشر، تهدر إنسانيتهم حين تعاملهم ككميات، فيتحول الإنسان إلى مجرد رقم في قائمة، فالفرد ليس كسراً حسابياً من كمية أكبر هي المجتمع أو الدولة، التي هي في الحقيقة كثرة من الوحدات الصحيحة، غير المتماثلة في العديد من الوجوه، وهذا هو الفارق الأول بين الأنظمة الليبرالية والشمولية، وتتأسس فردية الإنسان على مجموعة من المقومات المعروفة والمتفق عليها، أولها التكوين البيولوجي والوراثي (البصمة الجينية )، ثم عناصر البيئة المختلفة، والأهم الإرادة الإنسانية المستقلة.
أهمية الآخر لوجودي
أن أكون "أنا" يعني أن أختلف عن آخر، يمكن أن أسميه: "هو"، أي أنني "أنا" بقدر ما لست "هو"، وهذا يعني أنني أحتاج إلى الآخر لكي تكون لكلمة "أنا" أي معنى، ومادام الـ"هو" جوهري لوجود الـ"أنا"، فإن خصوصيتي تشمل "أنا/هو".
الذاتية
أما "الذاتية" فأمر آخر، فالـ"أنا الواقعية"، والتي يمكن أن نسميها "الذات" ليست اختلافاً محضاً مع الآخرين، فهنالك بين "الذوات" المختلفة صفات جسدية وأدبية وبيئية مشتركة، وبحجم وأهمية جديرة بالاعتبار.
إننا هنا بحاجة للاتفاق على بعض الاصطلاحات لمجرد استخدامها في هذا المقال ليس أكثر:
أنا: هي خصوصيتي، أي ما أختلف به عن الآخرين = أنا/هو.
هو: خصوصية الآخر.
هم: المشترك بين ذاتي وذات الآخر.
الذات = أنا/هو + هم
يعني ذلك أن الذات مكونة من شقين، الأول هو خصوصيتي، أي ما أتفرد به عن الجميع، والشق الثاني هو ما يجمع بيني وبين الآخرين، ويرجع إلى هذه المعادلة الفضل في إمكان حياة الإنسان في مجتمعات، بل الكيان الإنساني لا يتحقق إلا في مجتمعات، لذا يقولون الإنسان حيوان منشغل بالآخر، لأنه في الحقيقة يحوي الآخر داخله، على مستويين كما رأينا، مستوى تفرده (يحوي "هو") ومستوى جماعيته (تحوي "هم").
لهذه المعادلة أيضاً يرجع الفضل إلى أن الإنسان حين يسعى لتحقيق الذات، ولصالحها، فإنه يحقق صالح المجتمع، ليس من منطلقات أخلاقية أو إيثار للآخر أو ما شابه من دعوات رومانسية، ولكن لطبيعة تكوين الذات، ولو كانت المعادلة غير صحيحة لكان الفرد عدو المجتمع، أو الأصح أن نقول لم يكن الفرد أصلاً يكون المجتمع، فلا معنى لأن يكوِّن الفرد كياناً يكون عدوه بالتكوين، ولعاش الإنسان على هيئة أفراد أو جماعات (وليس مجتمعات) كسائر الحيوانات.
أما "الذاتية" أو "الأنانية" البغيضة التي نعرفها، فليست "ذاتية" حقَّة، فمصدرها الفرد قصير النظر، والذي لا يرى أبعد من موطئ قدميه، وقصدنا بالطبع ليس أخلاقياً، إنما نقصد التلاحم العضوي بين أنا، هو، هم. . بالطبع وجود الشواذ لا ينفي القاعدة، إنما يؤكدها، ويسري هذا على المجتمع الذي يضم أفراداً أو دولاً.
نقول هذا حتى لا تضيع منا "الأنا" في غمار الـ"هم".
وحتى لا نعادي "هو" و"هم" في غمرة تخوف مرضي على الـ"أنا"، فنضرها من حيث نسعى لصالحها، فلا "أنا" بدون "هو" ولا "ذات" بدون "أنا" و"هو" و"هم".
ويستمد النقل عن الآخر والتأثر به شرعيته، من مساحة الـ"هم" في "الذات"، بما لا يعصف بمكون "أنا"، وتكون المخاوف من الغزو الثقافي الغربي، مجرد هلاوس ذات مأزومة، في حالة عداء مع نفسها، قبل أن تكون في حالة عداء مع الآخر.
العمل من أجل "الذات" هو القوة الدافعة للفعل والنجاح، على مستوى الفرد والمجتمع والأمم، حيث أن "الذات" تعني بالضرورة "الآخر" و"المشترك" بين الجميع، كما أن تكوين "الذات" الذي استعرضناه يؤدي للجدل بين مكوناتها، ويختلف مساره، بحيث يمكن الحكم بأنه جدل سلبي إذا نشأ عنه عدم استقرار وتنافر بين "أنا" و"هو" و"هم"، وهو ما يؤدي لما نعرفه سياسياً بالفاشية، ويكون إيجابياً إذا أدى لتناغم المكونات، والمراجعة والنقد الذاتي للـ"أنا" لتطويرها، بإكسابها ملامح مرغوب فيها، والتخلص من غير المرغوب، فتصبح عندها الـ"أنا" غير متكلسة، بل متطورة، وهذه هي جذور الليبرالية.
قصة "الخصوصية" عبر مسيرة الحضارة متراوحة بين التناسب الطردي والعكسي، التضاءل والتعملق، فإذا تصورنا فردوس الخصوصية المفقودة في حقبة المتوحش الطيب، الذي عاش متفرداً متميزاً، قبل أن يكون أسرة ويتخلى عن بعض من خصوصيته، لتتسع في ذاته مساحة يشترك فيها مع "هم"، أي أسرته الناشئة، فإن المنطق يقول أن بدائية الحياة وبساطتها في تلك الفترة تجعل من مسألة التميز أو الخصوصية الفردية مجرد افتراض نظري، فالبدائية تعني قلة الخيارات، أو حتى انعدامها، وتشابه الجميع رغم انعزالهم أو ضعف ما يربط بينهم، ومع تكون علاقات بالآخر تزدهر الخصوصية بثراء الحياة وتعدد الخيارات، رغم ما يقتطع منها بازدياد العلاقات مع الآخر، على هذا النحو سارت حياة الإنسان، من تكوين أسرة صغيرة إلى كبيرة إلى قرية، ثم مدينة ودولة، فثراء الحضارة الذي يثري مساحة الخيارات والبدائل، وبالتالي يدفع لخصوصية ثرية وجادة، لا يتأتى إلا بالمزيد من العلاقات مع الآخرين، وهذه العلاقات تتطلب مساحة للمشترك، أي للـ"هم" تتزايد باستمرار، ويتحقق هذا التزايد في اتجاهين:
الأول: اتساع مساحة "الذات" بوجه عام بكل مكوناتها، مع ثراء حياة الإنسان بالحضارة، ويصحبه ثراء للخصوصية، أي اتساع لمساحتها.
الثاني: على حساب الخصوصية، التي كانت مطالبة دائماً بالتقلص، لإفساح المجال لتوسع المشترك، الـ"هم".
وينبغي هنا التفريق بين نوعين من ملابسات الاقتطاع من الخصوصية:
النوع الأول: هو ما تحدثنا عنه، وهو تنازل طوعي للذات، تفرضه الظروف العامة، غير الموجهة توجيهاً مباشراً لفرد أو جماعة دون سائر الناس بغرض الاقتطاع من الخصوصية لمجرد الاقتطاع، وإنما كنتيجة للتغيرات التي تحدث في النظم السائدة على جميع أفراد الجماعة، سواء كان الفرد هنا فرداً حقيقياً، أم فرداً اعتبارياً، كدولة مثلاً، ويشترط في هذا النوع أن يحصل الفرد فيه على مزايا تعوضه عما اقتطع منه ويزيد.
النوع الثاني: هو الاقتطاع الجبري المجاني من الخصوصية، جبري لأنه يفرض على الذات، الفردية أو الجماعية، من جهة ضغط خارجية، وبتوجيه مباشر نحو فرد أو جماعة، دون سائر الأفراد والجماعات، ليس لحساب زيادة مساحة الـ"هم"، وإنما لتضخيم سيادة "أنا" جهة الضغط، التي قد تكون حاكم أو جماعة أخرى، وهو مجاني لأنه لا يعود على "الذات" التي تم الاقتطاع من خصوصيتها بمقابل، لأن المقابل يكون قد ذهب منذ البداية لحساب الجهة القائمة بالفرض.
وعلى مر التاريخ ترافق النوعان، واتخذ النوع الأول كستار لتمرير الثاني، فكان هناك القمع لصالح الجماعة، و"فائض القمع" لصالح القوى المسيطرة، إذا كان النظام السائد يسمح بهذا، وقد توصل الإنسان للنظام الليبرالي الديموقراطي، حيث احترام الأقليات والخصوصية، والشفافية، وتداول السلطة، وتعدد آليات المراجعة والنقد والاحتجاج، لتقليص "فائض القمع"، إلى حد الصفر.
إن المتخوفين على الهوية والخصوصية ومصير الدولة القومية في عصر العولمة هم أحفاد المتخوفين على مصير القبيلة في عصر الدولة، وعلى مصير العائلة في عصر القبيلة، لا نقول لهم: "أنتم على ضلال مطلق"، إنما نقول "للتقدم ثمنه" الذي علينا أن ندفعه عن طيب خاطر، لكن لنحرص أن يكون "دون فائض قيمة" ناتجة عن "فائض قمع"، يذهب لحساب قوى ضغط غير معنية بالتقدم، وإنما بتضخم الـ"أنا"، وشتان بين الخصوصية والذاتية الفاشية، وبين تلك الليبرالية المنفتحة على العالم، إثراء للذات وللآخر في آن!!



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة إلى د. أحمد صبحي منصور
- العلمانية ومفهوم الهوية
- العلمانية وجذور الصراع مع الغرب
- شعوب الشرق وخيار شمهورش
- الغرب والقفز إلى المجهول
- هل يُلْدغ الغرب من جحر مرتين؟
- البرجماتية غائبة. . ولكن
- وطنية نعم، فاشية لا
- الليبرالية الجديدة والتناول المغلوط
- يحكى أن . . . . . .
- الليبرالية الجديدة وثنائية الشكل والمضمون
- الخطاب الإعلامي العربي بين الوصاية والتضليل والليبرالية المف ...
- د. سيار الجميل . . عفواً
- ثوابت الأمة والخلط بين الواقعية والانهزامية
- مستنقع الكذب وضبابه
- فيصل القاسم يسفر عن وجهه الليبرالي
- الاتجاه المعاكس- والإجهاز على المشكاة
- فيصل القاسم . . من وإلى أين؟
- مشهدان من مسرحية عروبية ساقطة
- أمريكا أمريكا . . تلك الأرض المقدسة


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - الخصوصية والذاتية وجذور الليبرالية