كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 1255 - 2005 / 7 / 14 - 12:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا بدا العنوان مستفزاً، فهذا يستدعي مني اعتذاراً على ما لم أقصده، فنحن جميعاً سواء كنا متبحرين في الموضوع، أو مازلنا على رمال الشاطئ، ربما نحتاج أحياناً للعودة للجذور، ولو من قبيل التذكر، والذكرى تنفع المؤمنين، كما تنفع غيرهم.
الألف في أبجدية الليبرالية
هي فردية الإنسان الفرد، هو نقطة البداية والنهاية، هو مركز الكون ودائرة محيطه، وإذا كنا نعرف الإنسان على نمط: الإنسان حيون ناطق، أو حيوان ضاحك، أو حيوان له تاريخ أو ما شابه، فإنه من وجهة النظر الليبرالية: الإنسان حيوان فرده فريد unique ، فجميع القبائل الحيوانية الأخرى –غير الإنسان- تتكون من العديد من الوحدات المتماثلة تمام التماثل، رغم ما قد يظهر من اختلافات ظاهرية كاللون والحجم وما شابه، فهي لا ترقى لمستوى تفرد إحدى هذه الوحدات تفرداً حقيقياً عن باقي القطيع، وبالتالي فهي وحدات قابلة للاستبدال، بمعنى أن أي وحدة منها يمكن أن تحل محل الأخرى، ناهيك عن فروق الوزن أو الحجم وما شابه، وبالتالي فإن من يتسبب في فقد شاة أو ناقة لجاره، ما عليه إلا أن يعوضه عنها بمثيل لها، لينتهي الأمر أو الإشكالية، أما الإنسان فالأمر معه ليس كذلك بأي وجه، وعلى العكس تماماً تتكون القبيلة البشرية من أفراد متميزين، غير قابلين للاستبدال، رغم التشابهات الظاهرية فيما بينهم.
أيمكن أن يعد فرضنا السابق مجرد غرور أو استعلاء من الإنسان، بلا مبرر حقيقي أو موضوعي؟
بالتأكيد ليس الأمر كذلك، فالوعي بالذات وبالكون الذي يتميز به الإنسان، والمستوى الذي وصل إليه تطور المخ لديه، مفارقاً بملايين السنين السلالة الحيوانية التي تحدر منها، ما سمح له بامتلاك ما نسميه العقل reason، هو الذي أوصله إلى ما ندعيه له من تفرد فرده، بحيث لا يصبح بعد كسراً من وحدة صحيحة هي المجتمع أو الأمة، وإنما هو الوحدة الصحيحة المتفردة، كيان كامل المواصفات، هو قبيلة كاملة أو أمة كاملة، أو حتى عالم بأسره!!
على هذا الأساس تقوم العلاقات الصحيحة (فلنقل الليبرالية) بين أفراد المجتمعات البشرية، علاقات تبدأ وتنتهي عند صالح الكيانات المستقلة (الأفراد) التي يتألف منها المجتمع، ومن هنا يبدأ الشرخ العظيم في الأيديولوجيات الشمولية، التي تزعم توجهاً إنسانياً بالبدء بفكرة المجموع أو الطبقة، ليصبح الإنسان الفرد مجرد لبنة في بناء، أو ترس في آلة المجتمع القاهرة العمياء، فقد سحقت الإنسان باسم الإنسانية، حين تعاملت مع المجتمعات كما لو كانت جماعات، أي قطعان حيوانات يكفي أن تساق إلى حيث الكلأ والماء!!
الأمر إذن في المجتمعات الإنسانية، ولنقل منذ الآن الليبرالية، ليس أمر أغلبية وأقلية، كما قد تضللنا آلية الديموقراطية الكمية، التي لا تصلح إلا لقطعان الأنعام، فالفرد الواحد حتى لو كان في مواجهة أمة كاملة، هو كيان كامل له ذات الحقوق التي لتلك الأمة، لا يحق لها أن تسلبه أياً منها تحت أي مسمى أو تبرير، من هنا يأتي القول الذي لن نمل من تكراره، أنه إذا كانت الديموقراطية هي حكم الأغلبية (عبر إحصائياتها الكمية)، فإن الليبرالية هي حق الأقلية، التي قد يصل عددها إلى فرد واحد.
الليبرالية والتصنيف
يترتب على ما سبق عدم جواز تصنيف البشر، أو حصرهم داخل قوالب نمطية، تخلع عليهم صفات مشتركة مدعاة، تنزع عنهم إنسانيتهم، عائدة بهم إلى عالم الحيوان، فحين نقول مثلاً عن كاتب أنه كاتب مصري، فإن هذا مقبول إذا كان المقصود التحديد الجغرافي لمحل سكن الكاتب محل الاهتمام، أما إذا كان المقصود بالعبارة الإيحاء بأنه يفكر محصوراً فيما ندعيه من عقلية مصرية، مفارقة لعقليات أخرى سورية وإنجليزية وألمانية مثلاً، فإننا نكون بهذا ننزع عن كاتبنا إنسانيته أي فرديته، لنحشره داخل قالب من صنعنا، يضمه مع أفراد مفترضين، كما يجمع الدجاج في الأقفاص، ويزداد الطين بلة (كما يقولون) إذا أطلقنا على أحدهم لقب: كاتب "ليبرالي قبطي" مثلاً، لأننا بهذا نكون قد وقعنا في تناقض منطقي فادح، فالشق الأول من اللقب وهو "ليبرالي" يعني الانفتاح الإنساني إلى المدى الأقصى، كما يعني الفردية التي تمتنع عن التنميط والقولبة، والشق الثاني "قبطي" تعني قالب عنصري خانق، ينسحق فيه الإنسان، وتنمحي فرادته وتميزه!!
على ذات النهج يكون الحديث عن فكر أو نهج "ليبرالي قبطي" أو "ليبرالي إسلامي" أو "ليبرالي هندوسي"، نوعاً من التناقض المفهومي المنطقي، يدخل في نطاق التهريج!!
الباء في أبجدية الليبرالية
هي فرضية أن الإنسان الفرد في سعيه لتحقيق ذاته، يحقق تلقائياً صالح المجتمع، هذا بالطبع بشرط استيفاء ذلك المجتمع لشروط العلاقات الليبرالية، والتي يمكن إجمالها في التمكين لكل الأفراد لتحقيق ذواتهم إلى أقصى مدى، دون استثناء لفرد، ودون أن يؤدي تحقيق فرد أو مجموعة لذواتهم لاقتطاع من حرية تحقيق ذات فرد أو مجموعة أخرى.
يترتب على هذا عملياً أنه في عالم الليبرالية لا مجال للأفكار والأيديولوجيات القائمة على تبني مصالح طبقة أو طائفة أو عنصر، بما يعني أو يؤدي إلى صراع الطبقات أو الفئات، سواء كانت دينية أو عنصرية، لأن السعي المشروع الوحيد، هو السعي لصالح الإنسان الفرد بصفته إنسان، دونما قولبة أو تنميط، ويكون وفقاً لهذا قبول أي مشروع أو خطاب سياسي أو اجتماعي، مرتهن بخلوه من أي فرز أو تصنيف للبشر، وبمخاطبته الإنسان بصفته إنسان، لا أكثر ولا أقل.
يترتب أيضاً على ما سبق استبعاد تصور لعبة المجموع الصفري zero sum game في العلاقات الليبرالية، سواء بين الأفراد أو الجماعات أو بين الدول، فما يحققه فرد أو شعب من مكاسب، لا يمكن أن يكون في ظل العلاقات الليبرالية، خصماً مما يمكن أن يكسبه أطراف أخرى، فالأمر ليبرالياً ليس كلعبة كرة القدم، ما يحققه طرف يكون خصماً من الآخر، لكنه كألعاب الأرقام التنافسية كالجري والسباحة، التي يكسب فيها البعض جوائز التفوق، ومع ذلك يمكن أن يخرج منها الجميع منتصرين، بأن يتفوق كل على ذاته بتحطيم أرقامه السابقة.
فإذا كانت لأقلية مثلاً مطالب لدى الأغلبية، فإن تحقيقها على هدى العلاقات الليبرالية لن يكون على حساب الأغلبية، بل والأغلبية ذاتها تنتقص، إن لم تنعدم ليبراليتها، إن سمحت لنفسها أن تكون عائقاً أمام تحقيق الأقلية لذاتها، طالما اتفق موضوع المطالبة مع شروط العلاقات الليبرالية المتفق عليها، ومن هنا أيضاً يكون تعبيرات مثل: "ليبرالي إسلامي" و"ليبرالي قبطي" و"ليبرالي هندوسي"، خالية من المعنى، بل ومتناقضة ومعادية لليبرالية.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟