أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - مليون إنسان في بيتي














المزيد.....

مليون إنسان في بيتي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 05:29
المحور: الادب والفن
    


’حين أموتُ في أولِ حُزيران/ سوف توقنُ/ أن الجرائدَ التي لوّثتها الصُّفرةُ/ حملتْ سِفاحًا/ وأسقطتْ أجنَّتَها تحت عجلاتِ الطائرةِ الحربية/ في مطار ألماظة/ حيث الكلُّ مهيأٌ للمغفرة/ وبتْرِ الآذان/ قبل أن تتلقفَ تنهيدةَ عاملِ الشحن قائلا:/ يا للمرأة التعسة!/ لن تحظى بطفلةٍ أبدًا.”


***

جاء شاعرٌ وسأل الشاعرَ نزار قباني: “لماذا خلق الُله الشاعرَ فقيرًا؟" فأجاب: “لأن الله يريده على صورته ومثاله. مبدعًا، يملكُ الكونَ، ويلعب به، ولا يمتلك شيئًا.”
وسألني شاعرٌ: “كيف تتعايشين مع الوحدة، ألا تضجرين؟"
فأجبته: “كيف أكون وحيدة، بينما يعيش معي مليون إنسان يملأون بيتي ويومي صخبًا وحبًّا وعشقًا وحروبا؟! أنا لا أكاد أجد مكانًا للجلوس في بيتي من فرط الزحام!”
يعيش معي ابن عربي وغاندي وأفلاطون وأرسطو وابن رشد وبورخيس وطه حسين وسارتر وسيمون دي بفوار وبرنارد شو وأكتافيو باث وشمس الدين التبريزي وجلال الدين الرومي وهارولد بنتر ومكسيم جوركي وفرجينيا وولف وموليير وإيميلي ديكنسون وجبران والأخطل وجورج أوريل وفوكو وديكارت ونزار قباني وأحمد عبد المعطي حجازي وعبد الصبور وزكي نجيب محمود وغيرهم. حتى ماركي دو ساد، الملعون، خصصتُ له ركنًا صغيرًا معتمًا في بيتي يليق ببذاءته.
البارحةَ قضيتُ يومي أفضُّ معركة حامية الوطيس بين مارتن لوثر كينج وبين هتلر. ناصرت الأول وقبّلت وجنته وشبكت وردة في عروة قميصه، وركلتُ الثاني بقدمي، فبكي.
بيتي يُعوزه الهدوء. هنا يصدح تشايكوفسكي وفيردي وشوبان وموتسارت ويني وفيفالدي وشتراوس وباخ وفيروز وأم كلثوم وعبد الوهاب وصباح فخري وصباح الشحرورة ومواء قطتي وشقشقة عصفور يزور شرفتي كل صباح يقول لي: صباحك سكر يا فافي ثم يمضي بعدما يلقط حبة القمح من يدي.
تملأ عيني ألوانُ أوجست رينوار وهنري ماتيس وكلود مونييه وإدوارد مانييه وإدجار ديجا وبيكاسو وسيلفادور دالي ومحمود مختار وحسن فتحي وسيزان وفان جوخ وحليم ودافنشي وجوجان.
بالأمس قضيت النهار أصلحُ إحدى طواحين فان جوخ الهوائية بعدما تدلت ريشةٌ من طاحونة وكادت تسقط من اللوحة على الأرض. ثم نزعت ثلاثة عيدان قمح من لوحة أخرى وخبزت رغيفًا لعشائي مع أسرة البطاطس الفقراء. بعد العشاء، استأذنتُ بيتهوفن في عزف "فور إليس" على بيانو في لوحة رينوار.
قبل أن أنام انتبهت على صخب وهرج ومرج وتكسير فازات في قاعة المعيشة! فإذا بها مشادةٌ عنيفة بين رينوار وماتيس؛ حيث غضب الأول من الثاني لأنه وضع باللوحة لونًا أسودَ، والأسود، في رأيه، ليس لونًا بل بقعة خواء أو مزق في اللوحة، فيما سخر الثاني وأصر على أنه لون وستين لون كمان! وتجاوز في غِيّه ورسم عنقًا طويلا جدا لرجل ثم لونه بالأخضر فجُنَّ جنون رينوار فما كان من ماتيس إلا أن أخرج لسانه لرينوار قائلا: أيها التقليدي العجوز لا تقل إنك انطباعي تأثيري بل أنت كلاسيكي عتيقٌ مثل أسلافك. فاحمر وجه رينوار غضبًا ونتف لحيته وهو يصرخ في وجه ماتيس: أيها الغرُّ الساذج أنت محض مصور تافه ولست ولن تكون فنانًا!
صالحتهما معًا لأنني أحبهما معًا وفشلت في أن أناصر أحدًا على أحد فغضبا مني كلاهما وخاصماني!
في الويك إند سأصالحهما بكعكة شيكولاته وأهدي كلا منهما علبة ألوان جديدة. وسأدسُّ لماتيس، خلسةً، علبتين من اللون الأسود بدلا من واحدة بعدما أستلّ واحدة من علبة رينوار العنيد الذي يرفض أن يصدق أن شركة بليكان الآن تضع الأسود في قائمة الألوان.
بيتي صغير جدًّا؛ لكنه مزدحم جدًّا. على أنني لست واثقة من سيبكي عليّ حين أموت لأن أولئك الذين يشاركونني البيت لا يعرفون الدمع؛ لأنهم جميعا صنّاع فرح.


***
* من قصيدة "علامة مائية"| ديوان "قارورة صمغ" | فاطمة ناعوت |دار "ميريت" 2007.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى حابي
- الشاعرة اللبنانية زينب عساف تكتب عن ديوان الشاعرة المصرية فا ...
- وجدى الحكيم أيام زمان
- 13 مارس 1950
- أغلى سيارة في العالم
- أمي، و-أحمد رشدي-
- هنا كردستان
- القتل على العقيدة
- تُرى كيف يقرأ هؤلاء؟!
- متى يطمئن مرسي؟
- صولجان -نادر عباسي- المستبد
- الديكتاتور محمد صبحي
- المرأة بين عقيلة وفرحات
- حوار قديم مع فاطمة ناعوت 2006 | ناعوت: الشاعر راء لأنه لا يق ...
- الحبُّ قد أمر
- وجوه أجدادي
- هنا أجدادي الحزانَى
- المستشار النبيل، وامرأة الكفيف
- الغراب والفراشة على بوابة جهنم
- أيها النحيلُ، سلامٌ عليك!


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - مليون إنسان في بيتي