أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - الحبُّ قد أمر














المزيد.....

الحبُّ قد أمر


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4375 - 2014 / 2 / 24 - 23:42
المحور: المجتمع المدني
    


"الشيُء الجميل/ هو تلك الرواية/ التي قررنا أن نخطَّها يومًا/ لأن القلمَ
يصنعُ أحيانًا ما يعجزُ عنهُ/ رجلٌ يتلو كلامَ الله/ سنقولُ لمحاكمينا:/ "نحن فنانون
نحيا كبوهيميين/ منطقُكم يخصّكم وحدكم/ سامحونا/ فقط/ نريدُ أن نتنفَّس.”
***



في عيد الحب، أحكي لكم شوية حواديت.
كنّا نقفُ في طابور طويل كأنه الدهر، تحت مطر أمستردام، أمام شباك تذاكر متحف الشمع (مدام توسو ). صديقي المصري الطبيب "يوسف رمزي"، الذي يعيش في هولندا منذ 30 عامًا، وأنا. أمامنا أسرةٌ من أب وطفلاته الثلاث. كان واضحًا أنهم جاءوا من الريف الهولندي للتنزه بالعاصمة في عطلة نهاية الأسبوع. الطفلات يتقافزن فرحًا ولا يصبرن على الدخول ويحكين عما سيشاهدنه من عجائب داخل المتحف، كما سمعن من أصدقائهن. داعبهن د. يوسف وسأل واحدة: “خايفة؟" فقالت وهي تضحك: “سنشاهد الناس الذين ماتوا كأنهم أحياء، ربما سأخاف!” وصلت الأسرة إلى شباك التذاكر ولما وجد الأبُ التذكرة بـ22 يورو، سحب طفلاته ومضى لأن 88 يورو مبلغ ضخم بالنسبة لقروي بسيط. بكت الطفلاتُ ومشين وراء الأب منكّسات الرأس. همس صديقي الطبيب لعامل التذاكر، فنادى الأبَ وأخبره أن اليوم تخفيض 50٪-;---;--. ودفع صديقي الطيب "سرًّا" بقية قيمة تذاكر تلك الأسرة الجميلة، دون أن يعرف الأبُ ولا طفلاته ما حدث. لماذا فعل صديقي ما فعل؟ "إنه الحب قد أمر". ولماذا جعلنا اللهُ نقفُ مباشرة خلف تلك الأسرة؟ لأن اللهَ يحبُّ ويرسم الطريقَ للبشر لكي يتعلموا الحب.
كلما أتى صديقي هذا إلى مصر، ملأ حقيبته بالهدايا، التي تشتريها زوجته الهولندية "مارجو" لأطفال مصر الفقراء، فمنحتُه لقبَ: "سانتا كلوز المصري”.
صوماليٌّ أسود اسمه "مختار" يعمل سائق باص في الدنمارك. توقف الباص في محطة، فصعد رجلٌ يحمل "ساكس"، وراح يعزف لحن "عيد الميلاد"، وشرعت سيدةٌ في الغناء. وسرعان ما شاركها الركّاب. اندهش السائق. عيد ميلاد في الباص؟! يا للمجانين! في المحطة التالية، حشدٌ من البشر يقطعون الطريق، حاملين أعلامًا ملونة عليها عبارة: "عيد ميلاد سعيد يا مختار!" الدهشةُ التي ارتسمت على وجهه، وشهقة عدم التصديق، تقفُ دونها الكلمات، مهما بلغتْ من بيان وتبيان. لابد أن تشاهدوها بأنفسكم، مثلي، لكي يصلكم الفرحُ الذي غمر قلبَ عامل بسيط يكدّ من أجل الخبز، في بلاد جادّة لا مكان فيها لخامل. اليوم عيد ميلاده. وشأن كل الكادحين في العالم، لم يتذكر الرجلُ. وإن تذكّر ما الفرق؟ لكن مؤسسة النقل العام، قررت أن تمنحه شيئًا من الفرح، وتحتفل به على نحو مبتكر، على الطريق! راوغ الدمعُ عينيه، بينما يعانقه رؤساؤه وزملاؤه السائقون، وسط المارّة والركّاب الذين يلوحون بالرايات الملونة التي تحمل اسمه "العربي، المسلم". ما الذي جعل مواطنين دنمارك يفكرون في إبهاج سائق بسيط أسود؟ "إنه الحبُّ قد أمر.”
أولئك بشرٌ يفهمون الحياةَ على نحو مختلف عما يفهمه سواهم من الشكلانيين الذي يمسّون الحياة مسًّا طفيفًا ولا يتقنون شيئًا. أصدقاؤنا الدنمارك وصديقي المصري وغيرهم من نماذج البشر الطيبة، يتفانون في العمل، ويتفانون في الحياة، ويتفانون في حب الله. يحبون الناسَ؛ دون النظر إلى اللون والعقيدة والعِرق. يقدسون وقتَ العمل؛ فيهبونه "كاملاً" للعمل، ويقدسون وقتَ الراحة؛ فيهبونه "كاملاً" للراحة، ويقدسون وقتَ العبادة، فيهبونه "كاملاً" للعبادة. بينما نحن، في أحيان كثيرة. لا نعملُ بجد، ولا نستمتعُ بجد، ولا نحبّ بجد. نمسُّ الأمورَ دون عمق، فلا نخلصُ لشيء! كم واحدًا منّا أحبّ أولئك الكادحين، الذين على سواعدهم تسيرُ حياتنا، ثم لا نعبأ حتى بأن نقول لهم: شكرًا.
دعونا نستسلم لقانون الحب، وننصت إليه إذا أمَر.


***
* من قصيدة "أرجوحة الفلّ" | من ديوان "نقرة إصبع" | فاطمة ناعوت | الهيئة المصرية العامة للكتاب 2002



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجوه أجدادي
- هنا أجدادي الحزانَى
- المستشار النبيل، وامرأة الكفيف
- الغراب والفراشة على بوابة جهنم
- أيها النحيلُ، سلامٌ عليك!
- أول لص فى التاريخ
- مَن يخافُ فيلم-حين ميسرة- ؟
- الفرح يليق بك يا فينسنت
- زنقة الرجالة
- صانعُ الفرح، وصُنّاع الهلاك
- ليلةٌ تضيئُها النجوم - فان جوخ
- إخناتون والعياط
- رأس نفرتيتي، أسرقُها؟!
- العوار والعماء
- كنْ صوت من لا صوتَ له
- العياط وأمهات مصر
- لغة أجدادِنا
- لماذا خدع يعقوب بسطاءنا؟
- ابتسامة جورج سيدهم
- موعدنا في كاتدرائية المسجد


المزيد.....




- ألمانيا تعاود العمل مع -الأونروا- في غزة
- المبادرة المصرية تدين اعتقال لبنى درويش وأخريات في استمرار ل ...
- مفوض أوروبي يطالب باستئناف دعم الأونروا وواشنطن تجدد شروطها ...
- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - الحبُّ قد أمر