أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - رأس نفرتيتي، أسرقُها؟!














المزيد.....

رأس نفرتيتي، أسرقُها؟!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4352 - 2014 / 2 / 1 - 23:21
المحور: الادب والفن
    


ها هي نفرتيتي، التي دوّخت الدنيا! خصّها الألمانُ بقاعة واسعة منفردة بالطابق الثاني بمتحف برلين الحديث. يقفُ حارسٌ مهيبُ الركن عند مدخل القاعة. يشير لك بأن تُنحي الكاميرا في جيبك، قبل دخول حرم الملكة. التصوير ممنوع قطعيًّا. هنا "فقط!" رغم إباحته، دون فلاش، في سائر قاعات المتحف الشاسع بأدوراه الأربعة! عبثًا أخبرُه أنني مصرية، ومن حقي أن ألتقط صورةً لجدتي! يومئ رأسُه يمنةً ويسرةً، دلالةَ الرفض القاطع! أشيرُ إلى خاتم إصبعي يحمل رأسَ الملك "إخناتون"، زوجها! فيبتسمُ قائلاً: "مادامتْ جدّتك؛ دعينا نُكرِّمها، كما يليق باسمها!" وخِلتُه كأنما يهمس: "نحن لسنا مثلكم! نسمح بأن يقول أحدُهم: الحضارة الفرعونية ‘عفنة’، ثم لا نُسقط عنه الجنسية المصرية! نحن لا نراها ‘أوثانًا’، كما يراها بعضكم! بل هي إرثُ الإنسانية الهائل الذي شيّده المصريون، وقت كنّا، نحن الأوروبيين، وسوانا من الشعوب، نرفل في البداءة، وتتعثر خُطانا في الحبْو الأول نحو النور! نحن ندفع 390 مليون دولار، بوليصةَ تأمين على الرأس العظيم." أخجلني! فأطرقُ وأمضي حزينةً نحو جدتي. أعتذرُ لها. فتسألني عن مصرَ وأحوالها. ولم أشأ أن أحكي لها "ع اللي جرى"، كيلا تحزنَ في غربتها.
أختلسُ النظرَ للحارس. فيبادلُني الرَّيبةَ، بمثلها! ماذا لو أخبرتُه عن نيّتي الشريرة؛ وعزمي أن "أسرقَها"؛ لأُعيدَها إلى بلادي، حيث يجب أن تكون؟! تتصارعُني فكرتان، كلاهما حقٌّ. من حق مصرَ استعادةُ كنوزها، هذا حقٌّ. لكنها مُكرّمةٌ هنا أكثر، في بلاد يُقيّمون كنوزنا، أكثرَ مما نفعل! هذا أيضًا، للأسف، حقٌّ! منذ عام 1913، تاريخ سفر الجميلة إلى ألمانيا بعدما اكتشفتها بعثةُ التنقيب الألمانية بقيادة عالم الآثار "لودفيج بورشاردت"، ووقوعها في نصيب ألمانيا، إثرَ خدعة في توصيف أهمية التمثال، وألمانيا تقوم بأعمال أسطورية للحفاظ على الصيد الثمين؛ خلال حربين عالميتين هائلتين من قنابل بريطانيا وقنّاصة الآثار. وقتها قال بورشاردت: "أصبح بين أيدينا أجملُ الأعمال الفنية المصرية الباقية. مستحيلٌ وصفُه بالكلمات، يجب أن تراه."
تتحلّق النساءُ حول الجميلة في صندوقها البلّوريّ الضخم الذي يحافظ على درجة حرارة ثابتة ومثالية، لحماية ألوان التمثال لكي يصمدَ ويعبر الأزمانَ والتاريخَ، مثلما عبرَ البلادَ والجغرافيا. إنه إرثُ البشرية حتى نهاية الأبد. صنعه نحّاتُ البلاط الملكيّ "تحتمس" عام 1340 ق م. كانت الملكة، التي يعني اسمُها: "الجميلةُ أتت"، تذهب إلى الأستوديو الخاص بالفنان في "تلّ العمارنة"، لتقفَ أمامه كموديل. تشخصُ زائراتُ المتحف من الألمانيات وغيرهن في وجه الملكة. ليتعلّمن كيف كانت تضعُ الكحلَ حول عينيها الساحرتين. ساحرتان عيناها وإنْ طُمسَت اليسرى. أنفُها الدقيق العالي، جبهتُها المشرقة، شفتاها الحادّتان، لونُها الخمريّ المشرَّب بطمي النيل، عنقُها الطويل النحيل، حاجباها المصريان الكثيفان، ابتسامتُها الراقيةُ الغامضة، قُلادتُها الذهبية الأنيقة وتاجُها الملكيّ، جميعُها تُنبئ بما كتبه التاريخُ عن عظمة بلادنا وتحضّرها، قبل آلاف السنين.
أما عينا الملكة، كما تقول الكلمةُ المكتوبة جوار تمثالها، فتشخصان في زهو وكبرياء، من تحت القبّة الجنوبية، عبر قاعات المتحف الألمانيّ، حتى تلتقي نظرتُها بعيني ابن رب الشمس "هليو"، من الأسكندرية، في قاعته البعيدة، التي يفصلها عن قاعة نفرتيتي 300 متر.
محاولاتٌ مصريةٌ دءوبٌ جرت على مدى عقود لاستعادة التمثال. باءت جميعُها بالرفض الألمانيّ الحاسم. وحين طلب الرئيسُ السادات استعارة رأس نفرتيتي ليراه المصريون. رفض الألمانُ قائلين: "نثقُ في كلمتك، لكننا نخشى أن يرفض المصريون إعادتَها لنا!" تُرى، هل أحسنوا الظنَّ بنا؟!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العوار والعماء
- كنْ صوت من لا صوتَ له
- العياط وأمهات مصر
- لغة أجدادِنا
- لماذا خدع يعقوب بسطاءنا؟
- ابتسامة جورج سيدهم
- موعدنا في كاتدرائية المسجد
- الدستور والسلفيون
- مصريةٌ رغم أنف مَن يكره!
- أطفالُ السماء
- الفارس -إبراهيم عيسى-
- البايونير عدلي منصور
- شكرًا للمصادفات!
- طفل اسمه سيف
- عام في منزلة بين منزلتين
- زيارة البابا
- الماريونيت تتمرد على صانعها
- ميري كريسماس يا مصر
- حكاية العمّ العجوز
- إخوان صهيون


المزيد.....




- فاضل العزاوي: ستون عامًا من الإبداع في الشعر والرواية
- موسم أصيلة الثقافي 46 يقدم شهادات للتاريخ ووفاء لـ -رجل الدو ...
- وزير الاقتصاد السعودي: كل دولار يستثمر في الثقافة يحقق عائدا ...
- بالفيديو.. قلعة حلب تستقبل الزوار مجددا بعد الترميم
- -ليس بعيدا عن رأس الرجل- لسمير درويش.. رواية ما بعد حداثية ف ...
- -فالذكر للإنسان عمر ثانٍ-.. فلسفة الموت لدى الشعراء في الجاه ...
- رحيل التشكيلي المغترب غالب المنصوري
- جواد الأسدي يحاضر عن (الإنتاج المسرحي بين الإبداع والحاجة) ف ...
- معرض علي شمس الدين في بيروت.. الأمل يشتبك مع العنف في حوار ن ...
- من مصر إلى كوت ديفوار.. رحلة شعب أبوري وأساطيرهم المذهلة


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - رأس نفرتيتي، أسرقُها؟!