أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - حكاية العمّ العجوز














المزيد.....

حكاية العمّ العجوز


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 3 - 09:13
المحور: المجتمع المدني
    


كان هناك رجل عجوز يتوكأ على عصاه ويجلس تحت شجرة صنوبر خضراء مطرقًا يفكر. أراقبه منذ عام من شرفة بيتي، منذ كان طفلا صغيرًا، وحتى صار عجوزًا يوشك على الرحيل. نزلتُ إليه وسألته عن حكايته، فقصّ عليّ القصّة كاملة.
أنا يا ابنتي رجلٌ طاعنٌ في العمر، لم تبق لي في الحياة سوى ساعات، أعود بعدها إلى أبي الذي يمسكُ في يديه دفترًا ضخمًا يدوّن فيه كلَّ ما يجري وما قد جرى منذ عرف الإنسانُ الكتابةَ والتدوين. بوسعكِ أن تقولي إنني رجل يسكن "منزلةً بين منزلتين،" كما يقول الُمعتزلة. لستُ كافرًا تامَّ الكفر، ولا مؤمنًا كاملَ الإيمان. بدأتُ حياتي فاسقًا شريرًا، أنثرُ الحزنَ والظلام في كل بيت، وأُظلّل كلَّ وجه ألتقيه بريشة القنوط والغمّ. غشوتُ عيونَ المصريين بعتمة انعدم معها الأملُ في إشراقة غد جديد. وفجأةً، حينما بدأت العمرُ يتسرّب من بين أصابعي، وتداعت تداعياتُ منتصف العمر، جلستُ وحدي أفكّر. رحتُ أُحصي الأمهاتِ اللواتي جعلتُ منهن ثكالى يتفرسن كلَّ مساء في صور أولادهن الراحلين مزينة بشرائطَ سوداء. عددتُ وجوه شباب أزهقتُ أرواحهم محفورة على جدارن ميادين مصر. رحتُ أُحصي القلوبَ التي بذرتُ فيها الألمَ. فدثّرني الخوفُ من العودة لأبي مُحمّلا بكل تلك الأوذار والخطايا. أبي لا يسامحُ. اسمه التاريخ. خصص في كتابه صفحاتٍ سوداءَ قاحلةً ينفي إلى ظُلمتها أبناءه العاقّين، مثلي، ممَن أساءوا الأدبَ ولم ينهجوا النهج القويم. أنا يا صغيرتي الابنُ الضالُّ الذي أشفق من عقاب ريشة ماعت العادلة، فقرر أن يُحسن فيما تبقى له من أيام فوق الأرض. قرب منتصف عمري، في شهر يونيو، أمسكتُ ممحاةً وحاولتُ أن أمحو ما كتبته في الشهور الستة الماضية. لكنني أخفقت. فرفعتُ عينيّ إلى أبي الشيخ. فابتسم وقال: “ما حدث قد حدث، ولا يمكنكَ محوه بممحاتك. فقط بوسعك أن تكتب شيئًا صالحًا يُطوّب سيرتك في أفواه الناس. فـ"إن الحسناتِ يُذهبن السيئاتِ"، كما يقول القرآن.” في 30 يونيو، اليوم الذي يشطر عمري نصفين، أمسكتُ قلمًا أخضرَ صافيًّا وبدأتُ أكتب. علّكم تسامحونني بعدها على رعونتي في بداية حياتي. وها أنا ذا، كما ترينني، أجلسُ تحت هذه الصنوبرة، أنتظرُ العمَّ الطيب الذي يحمل على ظهره مِخلاةً زاخرة بالفرح. وما أن ينتهي من توزيع هداياه على أطفال مصر الفقراء، أنهضُ معه ليأخذني إلى التاريخ، لأنام وأستريح، قابلاً بصدر رحب ما تمطرونني به من لعناتٍ أو دعوات طيبة. فأنا أستحقُّ كليهما.
وقبل أن يحمل هذا العامُ العجوزُ عصاه ليرحل، ويلوّح لنا مودّعًا، أودُّ أن أودِع في جعبته بعضَ الكلمات والأسرار وهمسات الصفح. أقولُ له إننا سامحناه. لأنه غسل أوّلَه بآخره. شكرًا لمنتصف عمره الذي أهدانا الفرح. شكرًا لكل خيط أحمر، جاور خيطًا أبيض، جاورا خيطًا أسود وشكلوا معًا علم مصر. وشكرًا لكل طفل تعلّم فيه أن يحمل علمَ مصر الشريف ليكبرَ ويغدو شابًّا جميلا يبني ولا يهدم. شكرًا لكل قطرة دم طاهرة أُريقت فوق تراب مصر لتبني غدًا أجمل. شكرًا لكل مواطن ومواطنة خرجوا في منتصف هذا العام ليكتبوا مستقبلا رغدًا لمصر. شكرًا لخمسين مصريًّا ومصرية كتبوا لمصر دستورًا محترمًا يليقُ بمجدها العريق وهويتها الناصعة. شكرًا لكل من اختار النورَ ونبذَ الظلام.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إخوان صهيون
- صورة السيسي وحطّة فلسطين
- اقتلْ واحرق بس بسلمية
- دولة الأوبر
- أراجوزات الإخوان
- عود الثقاب الإخوانىّ
- نحتاج عُصبة من المجانين
- لماذا أُسميها: -دولة الأوبرا-؟
- الموتُ أكثر نبلًا
- بالقلم الكوبيا
- عش ألف عام يا مانديلا
- احنا الكفار
- فيروز حبيبتي
- إنها الإسكندرية يا صديقتي الخائفة
- اقتلْ معارضيك
- الفيلم المسيء للإسلام
- مرسي وكتاب التاريخ
- شريهان، العصفور الذي عاد
- أنهم يسرقون الله!
- أفتح الجاكيت، أقفل الجاكيت


المزيد.....




- آلاف يتظاهرون في عدة محافظات بالأردن تضامنا مع غزة
- شيكاغو تخطط لنقل المهاجرين إلى ملاجئ أخرى وإعادة فتح مباني ا ...
- طاجيكستان.. اعتقال 9 مشبوهين في قضية هجوم -كروكوس- الإرهابي ...
- الأمم المتحدة تطالب بإيصال المساعدات برّاً لأكثر من مليون شخ ...
- -الأونروا- تعلن عن استشهاد 13750 طفلا في العدوان الصهيوني عل ...
- اليابان تعلن اعتزامها استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئي ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون انعدام ا ...
- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - حكاية العمّ العجوز