أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لماذا أُسميها: -دولة الأوبرا-؟














المزيد.....

لماذا أُسميها: -دولة الأوبرا-؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4309 - 2013 / 12 / 18 - 21:33
المحور: الادب والفن
    


سامحهم الله! حرموني من حصن الجمال الذي أهربُ إليه كلما لوّث بصريَ وسمعيَ لونٌ من القبح. أغرقوني في كتابة الحزن السياسي، بينما لا أجد نفسي إلا في كتابة الجمال والأدب والشعر والفنون الراقية. لهذا، بعد سقوط ظلام دولة الإخوان، هرعتُ إلى دولة النور لأعوّض ما فاتني، عامين طويلين كالدهر.
كلما حضرتُ حفلا لعظيم الموسيقى "عمر خيرت" أو المايسترو "سليم سحاب" أو ساحر البيانو "عمرو سليم" أو فراشة الماريمبا "نسمة عبد العزيز" أو فرعونة الهارْب "منال محيي الدين"، وغيرهم من أيقونات العذوبة، وكلما ذهبت إلى كونشرتو أو جالا كوكتيل باليه أو كلاسيكيات روسية وألمانية، في دار الأوبرا المصرية، أحرص على نشر صور من العرض مع برقيات فلاشية لقرّائي تقول: “الآن من دولة الأوبرا، يحدث كذا وكذا"، ثم أُذيّل البوست بعبارة: "شكرًا أيها الفن". أفعل هذا لأحرّض الناسَ على اللوذ بقاطرة الفنون الرفيعة التي تنطلق بنا إلى سموّ الروح. وفي مقالاتي عن مهرجان الموسيقى العربية الأخير، وفي كل مقال أكتبه أو حديث تليفزيوني أو مع أصدقاء أذكر فيه: "دار الأوبرا المصرية"، دائمًا ما أسمّيها: "دولة الأوبرا". وسألني الناسُ: "لماذا تسمّينها: ’دولة الأوبرا‘ بدلا من ’دار الأوبرا‘؟" وأجيبُهم في هذا المقال.
لا تصدّقوا أنها مجرد بناية أنيقة، شُيّدت عام 1988، بعد حريق دار الأوبرا الخديوية القديمة عام 1971، بعدما ظلّت منارةَ الجمال ومحراب التحضر أكثر من مائة عام منذ شيّدها الخديوي إسماعيل عام 1869، لتغدو مصرُ ثاني دولة في العالم، بعد إيطاليا، تحوذ دار أوبرا. إنما هي دولةٌ مستقلة لها: شعبٌ خاص، ومجلس حكّام خاص، ونهجُ عيش خاص، وقانونٌ خاص. قانونُها: الجمال والأناقة والتحضّر والنظافة واحترام الإنسان. نهجُها: الفنون الراقية التي تحارب التلوث السمعي والبصري الذي يضرب خاصرة مصر، مجلّس حُكّامها: مجموعة من رموز مصر الفنية الرفيعة. شعبُها: جمهور مثقف اختار أن يرفض القبحَ ويتعلّق بأهداب الجمال الهاربة من واقعنا مع ستينيات القرن الماضي. نلوذُ بدولة الأوبرا من دولة الواقع الراهن الذي تكسوه الركاكةُ والقمامة وسوءُ السلوك والألفاظ والفنون الهابطة. جمهور الأوبرا لن تراه كثيرًا في شوارع مصر، لأنه متشرنق في بيته، يخاف الخروج إلا إلى دولته الخاصة: دولة الأوبرا.
في تقديري الشخصي، أن تلك "الدولة" الصغيرة، التي تستقر في جزيرة الجبلاية بالزمالك، هي التي أنقذت "دولة مصر" الهائلة من غزو الإخوان الإرهابيّ الظلاميّ. لهذا، حينما هاجم وزيرُ الثقافة الإخواني دولة الأوبرا، قلتُ له على الفضائيات وفي مقالاتي: “أهلا بك في عُشّ الدبابير، أهلا بك في حقل الألغام. أبشِرْ، أوشك نظامُكم على السقوط.” لأن المثقفين قد يصمتون طويلا مكتفين بمظلّتهم التي يحتمون فيها من قبح الواقع، لكن إن مسّ الضُّرُّ ملاذَهم، خرجوا كالنسور الجوارح الجريحة، يذودون عن عُشّهم، ويدحرون اللصوصَ ويطردون قنّاصةَ الأعشاش الآمنة. وهو ما كان. صمد المثقفون في اعتصامهم أمام وزارة الثقافة المصرية، ورفعوا "لاءَهم" الغاضبة الرافضة إقالة د. إيناس عبد الدايم، باعتبارها الرمز الحالي لدولة الأوبرا. غنيّنا في الشوارع ورقصنا وألقينا القصائدَ وعزفنا الموسيقى وعبّئنا الناس للتوقيع على استمارات "تمرّد" لتشتعل ثورةُ النور والحرية في 30 يوينو، بعدما غار المصريون على هُوية مصر المهدَدة، فطردوا الظلام وشرّعوا الأبوابَ للنور والتحضر.
تدخلُ دار الأوبرا المصرية، فكأنما دخلتَ دولة أخرى. كأنما سافرت في الزمان إلى مصرَ في خمسينيات الزمن الجميل. وكما نحبُّ مشاهدة الجمهور الأنيق في حفلات أم كلثوم، أحبُّ تأمل جمهور اليوم في الأوبرا، لأتأكدَ أن الرقيَّ كامنٌ في شعبنا، وإن تراكمت عليه طبقةٌ من غبار الصحارى، نجلوها الآن لنعود مصريين.
المسرحُ الكبير، بمقاعده ال1200، وأدوار البلكون الخمسة محتشدة بالبشر دائمًا. فنحن شعبٌ خطير لا يشبهه شعبٌ آخر. يعرف كيف يصبر في نبلٍ، وكيف يثور في رقيّ، وكيف يسخر من المحن ويروّضها، وكيف، أثناء كل هذا، يخلق الفنَّ الرفيعَ، ثم يتذوّقه.
لا تكاد تصدق أنه في بلد واحد، ولحظة تاريخية واحدة، ثمة مايسترو يرفع عصاه فيُغرق الفضاءَ بالموسيقى والجمال، وثمة من يرفع مِعولَه فيهدم وطن! هل أحلم أن تفرض الحكومةُ المصرية واجبًا قوميًّا يُلزم المواطنين بالذهاب للموسيقى مرةً أسبوعيًّا؟ لو حدث، لاختفتِ الجريمة! هاتوا المُخرّبين الغلاظ أعداء الحياة، لحضور الأوبرات والباليه والموسيقى العربية والكلاسيكيات، وأعدكم سيخرجون على عكس ما دخلوا. لو لم تَذُب أرواحُهم حبًّا للوطن والناس ولخالق الناس، فلله الأمرُ من قبل ومن بعد، وإنهم لمأزومون لا شفاء لهم. فالموسيقى تُربّي الروح. تُهذِّبُها. تُشذِّبُها من النتوءات، وتُنقِّيها من الشوائب. لهذا قال هوميروس في القرن الثامن قبل الميلاد في “الأوديسة”: “الشعراءُ والمغنّون هم أقربُ البشر إلى قلوب الآلهة. وهبتهم الربّةُ فنَّ الغناء لا ليُطربوا الناس، بل لكي يسهروا على رعاية الأخلاق. فالشعراء رسلٌ يعيشون على الأرض لينقلوا الرغبات الإلهية إلى الإنسان. وبالموسيقى يبتهلُ الإنسانُ للآلهة لتخلصه من الوباء والمرض.” ثم وصف هوميروس كيف أوقف الإغريقُ أحد الأوبئة بقوة الموسيقى التي بددت غضب الآلهة.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموتُ أكثر نبلًا
- بالقلم الكوبيا
- عش ألف عام يا مانديلا
- احنا الكفار
- فيروز حبيبتي
- إنها الإسكندرية يا صديقتي الخائفة
- اقتلْ معارضيك
- الفيلم المسيء للإسلام
- مرسي وكتاب التاريخ
- شريهان، العصفور الذي عاد
- أنهم يسرقون الله!
- أفتح الجاكيت، أقفل الجاكيت
- سيفٌ في يد الشيماء
- بسطاؤها نُخبة
- عمر خيرت.. فارسُ الحرب القادمة
- الله أكبر أيها الأشرار!
- ماسبيرو... الهرم العائد
- بيسكليت في جامعة أسيوط
- هويدا، أخلفتُ وعدي معك!
- بلكونة مصرية، وإبهامٌ مفقود!


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لماذا أُسميها: -دولة الأوبرا-؟