أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أيها النحيلُ، سلامٌ عليك!














المزيد.....

أيها النحيلُ، سلامٌ عليك!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4376 - 2014 / 2 / 25 - 09:09
المحور: الادب والفن
    


"في ليلة تضيئُها النجوم/ لوّنْ فرشاتك بالأزرق والرماديّ/ وراقبْ نهارًا صيفيًّا/ بعيون ترى عتمةَ روحي./ ارسمِ الأشجارَ والنرجسَ البريَّ/ بظلال التلال/ والتقطْ النسيمَ وصقيعَ الشتاء/ من أرض يكسوها الجليد./ الآن أدركُ/ ما الذي حاولتَ قولَه لي/ كم صارعتَ عقلك/ وكم حاولتَ تحرير الناس/ لكنهم لم ينصتوا/ لأنهم لم يعرفوا كيف ينصتون/ ربما ينصتون الآن./ في ليلة تضيئُها النجوم/ زهورٌ تشتعلُ باللهب/ وغيماتٌ تدورُ في ضبابٍ أرجوانيّ/ تنعكسُ في عيني فينسنت الخزفية الزرقاء.”
***


لحظاتٌ أسطورية تلك التي تقضيها متجولا بين أروقة معرض لوحات أو متحف قطع نحتية. أكتبُ إليكم في إحدى تلك اللحظات الأسطورية، من متحف "فان جوخ" الوطني بأمستردام الهولندية. يا إلهي! كم اختصّ اللهُ واهبُ المَلَكاتِ، مانحُ النِّعم، هذا الرجلَ الفقير النحيلَ الحزين أحمرَ الشعر أزرقَ العينين، بفيض هائل من الموهبة في تشكيل اللون وتخليق مساحات النور والظلال والخفوت حسب مشيئته! كأنما يحمل بين يديه شمسًا وهاجة يتحكم بزرًّ سحريّ في مقدار إنارتها وإعتامها فتغدو نجمًا برّاقًا حينًا، وتغدو شمعةً واهنةً خافتة الضوء، حينًا آخر.
قبل أعوامٍ، بدأتُ في كتابة سلسلة مقالات عن "فان جوخ"، الرسام الهولندي الشهير، لما أحمل له من حبٍّ جارف بوصفه نموذج "الحزن النبيل”. هو الفنان الذي عذّبه المرضُ، وأرهقته الوحدةُ، حتى أنهى حياته (37 عامًا) برصاصة في الصدر عام 1890. سألتُ شابًّا "جامعيًّا": "تعرف فان جوخ؟" فقال: "أيوا ده مكان، بس مش فاكر في أي بلد!" فحزنتُ؛ وكدتُ أوقف المقالات. ثم تراجعتُ وقلت: “فليكنْ هذا الشابُّ وأضرابُه هدفَ تلك المقالات علّها تشحذُ فينا حبَّ الجمال والفن، ليعود المصريّ الراهنُ كسابق عهده، متذوّقا للجمالَ، صانعًا له.”
أؤمن بأننا لن نخرج من عثرتنا إلا بإعلاء قيمة الفن. فمتذوّقُ الجمال يكره القبحَ، فيعرفُ حقَّه وواجبَه. لا يَظلم ولا يُظلَم. لا شعبَ احترم الفنَّ واستطاع حاكمٌ أن يقمعه. لم يقمِ الفرنسيون بثوراتهم، التي نالوا بعدها حريتهم وديمقراطيتهم، إلا بإنعاش حركات الفن التشكيلي في باريس، وبتواصلهم مع الموسيقى الألمانية. لأن الجمالَ البصريَّ والجمالَ السمعيَّ والجمالَّ السلوكيّ والجمالَ الفكريَّ، والجمال المجتمعي، شيءٌ واحد لا ينفصم.
بعد نشر مقالاتي عن "فان جوخ" كتب أحدهم تعليقًا يقول: "مشكلتنا الرغيف، وليس فان جوخ!" ولم ينتبه إلى أن تثقيف الروح ضروري كإشباع الجسد. بل هو المحفّز لتثور ضد الحاكم الذي منع عنك الرغيف. وحين سُرقت لوحة "زهرة الخشخاش" من متحف محمود خليل عام 2010، انقلب العالم. فعلّق أحد التعساء قائلا: “وإيه يعني حتة لوحة، المهم رغيف العيش"! كأن الفنَّ ضدُّ الخبز، والجمالَ خصيمُ الحياة! أولئك ربما لا يحزنون لو، (بعد الشر) نُهب المتحفُ المصري، أو تصدّع الهرم! ضياعُ اللوحة أحزنني، لكن تلك التعليقات أحزنتني، وأفزعتني معًا! لأن استهانتنا بقيمة الفن يحطم أي أمل في غد أجمل. ولكن، في مقابل هذا المُعلّق "الرَّغيفيّ" وذاك، وصلتني عديدُ رسائلَ وتعليقات تطالب باستمرار مقالاتي عن الفن والتشكيل والنحت، وعن الجميل الحزين "فينسنت فان جوخ"، الذي منحنا البهجةَ وقد حُرم منها.

"الألوانُ تغيّرُ درجاتها/ حقولُ الصبح وقمحها الكهرمانيّ/ والوجوه العاصفة بالألم/ ستغدو ناعمةً بريشتك المُحبة./ الآن أفهمُ/ ما الذي وددتَ قولَه لي/ كم عانيتَ وحاولت تحريرهم/ لكنهم لم يُنصتوا/ لم يعرفوا كيف/ لأنهم لم يقدروا أن يحبوك/ لكن حبَّك لهم كان حقيقيا/ وحينما اختفى الأملُ من المشهد/ في تلك الليلة المضيئة بالنجوم/ أنهيتَ حياتك كما يفعل المحبون عادة/ كان عليّ أن أفهم يا فينسنت/ أن هذا العالمَ لم يرُق لجميل مثلك./ تُصوّرُ المشنوقين في القاعات الخالية/ جماجمَ فوق حوائطَ مجهولة/ بعيون ترى العالم ولا تنسى/ مثل الغريب الذي التقيتَه/ الرجل البالي في الملابس البالية/ مثل شوكة فضية في زهرة ملعونة/ ترقدُ مكسورةً في الثلج الطاهر./ والآن/ أعتقدُ أنني أفهم ما تحاول قوله لي/ كم صارعتَ عقلك/ وحاولتَ تحريرهم/ لكنهم لم ينصتوا/ ومازالوا لا ينصتون/ وربما لن يفعلوا أبدا.”

***
* من قصيدة "فينسنت Vincent " | دون ماكلين | ترجمة فاطمة ناعوت



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أول لص فى التاريخ
- مَن يخافُ فيلم-حين ميسرة- ؟
- الفرح يليق بك يا فينسنت
- زنقة الرجالة
- صانعُ الفرح، وصُنّاع الهلاك
- ليلةٌ تضيئُها النجوم - فان جوخ
- إخناتون والعياط
- رأس نفرتيتي، أسرقُها؟!
- العوار والعماء
- كنْ صوت من لا صوتَ له
- العياط وأمهات مصر
- لغة أجدادِنا
- لماذا خدع يعقوب بسطاءنا؟
- ابتسامة جورج سيدهم
- موعدنا في كاتدرائية المسجد
- الدستور والسلفيون
- مصريةٌ رغم أنف مَن يكره!
- أطفالُ السماء
- الفارس -إبراهيم عيسى-
- البايونير عدلي منصور


المزيد.....




- -البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة ...
- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أيها النحيلُ، سلامٌ عليك!