أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - أمي، و-أحمد رشدي-














المزيد.....

أمي، و-أحمد رشدي-


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4392 - 2014 / 3 / 13 - 12:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أمي، رحمها الله، لم تحترم أبدًا قواعدَ المرور، رغم صرامتها الشديدة معنا، وجديتها الفائقة في الحياة. كانت تسير عكس الاتجاه، وتركن في الممنوع، وتتجاوز السيارات من اليمين، وترجع للخلف على الكباري وغيرها من فظائع. وحين يوقفها ضابطُ مرور لسحب الرخص، تقول له ببراءة: “أنا أم مثالية. ابني وبنتي أوائل الجمهورية، طب وهندسة، والمفروض الدولة تساعدني مش تسحب رخصي وتعطلني عن إتمام رسالتي في تقديم مواطنيْن صالحيْن متفوقيْن لمصر!” وبعد ذهول رجل المرور، يرعوي ويحنّ قلبه، ويكاد يقبل يد أمي، أم الأوئل!
أصرخ فيها قائلة: “ده ابتزاز! انتي بتعايري مصر عشان ولادك شاطرين؟! احنا شاطرين لنفسنا وانتي بتربينا كويس عشان ده دورك وواجبك، وعشان تستمتعي بينا مش عشان خاطر عيون مصر! لازم تحترمي النظام يا ماما، المفروض نكون قدوة!” فترمقني بازدراء كأنني بلهاء وتهمس في ثقة: “النظام في الفوضى، فوضى.”
كانت أمي تؤمن أن "النظام" وسط "الفوضى" هو قمة "الفوضى". وأن الفوضى حين تعمُّ مجتمعًا، تشكّل مع الوقت نظامًا فوضويًّا خاصًا، إن حاولتَ إصلاحَه، بفرض نظام حاسم، أفسدتَ كلَّ شيء. وكانت تدلّل على تلك الفلسفة العجيبة بقانون الرياضيات والنحو الشهير (سالب السالب = موجب) أو (نفي النفي = إثبات). وبالتالي فإن فوضى الفوضى = نظام.
تبنّت أمي هذه المنطق السفسطائي بعد قصة خبراء المرور اليابانيين الذين انتُدبوا لوضع استراتيجية تُصلح حال المرور المتردي في مصر. بعد دراستهم الوضع عن كثب، قالوا ما يلي: “أولا: نردّ إليكم الأتعاب لأننا لم نقدم في مقابلها عملا. ثانيا: النظام المروري في مصر لا نستطيع أن نضع له مسمًى أو ندرجه ضمن تصنيف بعينه؛ لأننا لم نر شبيها له من بين أنظمة المرور في العالم. ثالثًا: بوسعنا أن نطلق عليه: "الفوضى المنظمة" أو “النظام الفوضوي”. لأن كل سائق يكون على دراية تامة بأخطاء السائق المجاور، ومن ثم يكون جاهزًا برد الفعل المناسب لخطأ زميله، فيتلافاه. وعليه، فهنا أقل معدلات حوادث طرق في ظلّ تلك الفوضى الهائلة. أما لو فرضنا نظامًا حاسمًا، من الأنظمة الدولية المعتمدة، فسوف تزيد معدلات الحوادث نظرًا لارتباك السائقين وعدم مقدرتهم على تنفيذ النظام بشكل كامل وشامل ودقيق.
كانت أمي تمارس هوايتها في كسر نظام المرور قبل عام 1984، وبعد عام 1986، وفقط. أما بين هذين العامين فكانت شديدة الالتزام. وأظن القارئ قد خمّن السبب. هي الأعوام الثلاثة التي حمل فيها اللواء العظيم "أحمد رشدي" حقيبة وزارة الداخلية، فكانت مصر "ماشية على المسطرة" بالتعبير الدارج. هشّم هذا اللواء نظرية اليابانيين وأثبت أن تطبيق النظام (بعماء) وحسم على الكبير والصغير، وعدم الانصياع للمحسوبيات و(ثقافة معلش) المتفشية بيننا، بوسعه أن يخلق نظامًا وأسلوب حياة محترمًا. التزمت أمي إثر غرامة فورية ضخمة دفعتها وسحب رخصتيها، بعد ارتكابها مخالفة مرورية. ولم تُفلح استعطافاتها للضابط ولا معايراتها لمصر بأنها أم الأوائل. رد الضابط باقتضاب وحسم: “مش هاينفع، أوامر مشددة.” وسحب الرخصة، والتزمت أمي ثلاثة أعوام كاملة التزامًا فائقًا، أبهجها هي شخصيًّا، لأنه تزامن مع التزام كل السيارات الأخرى. رحمك الله أيها العظيم ورحم أمي الجميلة.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنا كردستان
- القتل على العقيدة
- تُرى كيف يقرأ هؤلاء؟!
- متى يطمئن مرسي؟
- صولجان -نادر عباسي- المستبد
- الديكتاتور محمد صبحي
- المرأة بين عقيلة وفرحات
- حوار قديم مع فاطمة ناعوت 2006 | ناعوت: الشاعر راء لأنه لا يق ...
- الحبُّ قد أمر
- وجوه أجدادي
- هنا أجدادي الحزانَى
- المستشار النبيل، وامرأة الكفيف
- الغراب والفراشة على بوابة جهنم
- أيها النحيلُ، سلامٌ عليك!
- أول لص فى التاريخ
- مَن يخافُ فيلم-حين ميسرة- ؟
- الفرح يليق بك يا فينسنت
- زنقة الرجالة
- صانعُ الفرح، وصُنّاع الهلاك
- ليلةٌ تضيئُها النجوم - فان جوخ


المزيد.....




- فيديو لدخان يتصاعد من طائرة ركاب أمريكية بعد إقلاعها من لاس ...
- ترامب من قمة الناتو: قد نتحدث مع إيران الأسبوع المقبل وبوتين ...
- بلغاريا: الفهد الأسود لا يزال طليقًا بعد ستة أيام من البحث ا ...
- إسرائيل وإيران تحتفيان بـ-النصر-.. فمن هو الخاسر إذن؟
- -يوم صعب وحزين- لإسرائيل ـ مقتل سبعة جنود بعبوة ناسفة في غزة ...
- من الانقلاب إلى العقوبات.. محطات العداء بين طهران وواشنطن
- ماذا نعرف عن مصير اليورانيوم المخصب لدى إيران بعد الضربات ال ...
- مخزية ودنيئة.. إيران ترد على إشادة أمين عام الناتو بالضربات ...
- خسائر الاحتلال بغزة تزيد الضغوط على نتنياهو لوقف الحرب
- هل انتهت حرب الـ12 يوما بين إسرائيل وإيران؟ وما مكاسب كل طرف ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - أمي، و-أحمد رشدي-