أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاطمة ناعوت - رسالة إلى حابي














المزيد.....

رسالة إلى حابي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 01:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


جدائلُ فرعونية غزيرة فاحمةُ السواد فوق رأسي. تاجٌ تبرز منه أفعى الكوبرا السامّة التي قدّسها أجدادي فوق غُرّتي. دثارٌ من الحرير الأزرق بذيل طويل يصل للقدمين يكسو جسدي. وفوق كتفي، شالٌ سميك مطرّز بالخرز الملون وحبّات الفيروز الزرقاء والخيوط المذهّبة. ويحيط بخصري شريطٌ "مجول" مزخرفٌ بالأحجار الكريمة والفصوص الفرعونية والجعرانات المقدّسة، تتدلى من الأمام شريحةُ عريضة حتى أسفل ركبتيّ. ثم سواران عريضان مزركشان يغطيان معصميّ.
ها أنا الآن فتاةٌ فرعونية كاملةُ الزيّ والهيئة والعِرق والأهلية والوطنية والانتماء والولاء لأجدادي العظام. أحمل جيناتهم في خلاياي، وأتدثّر بزيهم الأنيق، وفي قلبي أحمل الفخر بأسلاف صنعوا فجرَ الضمير الإنساني، ونقشوا في سجلاّتهم أول كلمة في مدونة التاريخ البشري.
أقف في مركب الشمس الذي انطلق من ميناء "القرية الفرعونية" بشارع "النهر الأعظم" بالقاهرة، حتى وصل إلى تمثال "مقياس النيل" في قلب النهر. أواجه صفحة النيل العظيم، الذي منحه أجدادي اسم الإله "حابي"، الذي لولاه ما نشأت حضارتُنا القديمة. لهذا وصوروه على هيئة رجل يحمل الزهور والأسماك والدواجن والفاكهة سعف النخيل، رمزًا للخير والخصب. وما كان المصريُّ المتوفى يدخل فردوس الإله أوزوريس إلا بعدما يُقرُّ بأنه لم يلوّث مياه النهر ولم يمنع أو يُعوّق جريانه من الجنوب إلى الشمال. أحمل في يدي لفافة بردي مربوطة بشريط من الساتان الأحمر. أرفع ذراعي، مع مجموعة من المصريين يحملون لفافات بردي مشابهة، ثم نلقي جميعًا رسالتنا في عمق النيل. تقول الرسالة:
رسالة من شعب مصر الى نهر النيل العظيم الخالد
[جئناكَ اليومَ .. لنُذكّرك بما عاهدتَ عليه عمرَ بن الخطاب.. أمير المؤمنين.. حينما خاطبكَ قائلا: "من عبد الله عمر أمير المؤمنين .. إلى النيل العظيم .. أما بعد، فإن كنتَ تجري من قِبَلك فلا تجرِ … وإن كان الُله الواحد القهار هو الذي يجريك.. فنسألُ اللهَ أن يجريك.”
جئناكَ وقد حالتْ سدودُ سدنتك عن وصولك لأبنائك من المصريين أحفادِ الفراعنة. جئناك عقب أن منحنا بقطرات دم أجدادنا أراضيَ فتحوها واشتروها، ومنحنا أرضًا امتلكناها بدمائنا لسدنتك؛ آخذين عليهم العهد والوعد بألا يقيموا عليك ما يُحيل بيننا وبينك. لكنهم حنثوا بتلك العهد ونسوا ذلك الوعد وتغافلوا عن السر الدفين في لوحة مملوك أكسوم.. جئناك ونحن نعلم أن الخالق قد بثَّ فيك من القوة ما من شأنه أن يزيل أية عوائق تحول بينك وبين معشوقتك مصر. جئناك لتُظهر لنا وفاءك للعهد جئناك يا نيل وقد افتقدناك. فلتجرِ في أرضنا مجرى الدم في الجسد. وسنظل على العهد معك دومًا وإلى الأبد.
مصرُ هبةُ النيل. والنيلُ هبةُ مصرَ. ذلك النهر الخالد .. الذي احتضن على ضفافه المصرية عيسى وأمَّه مريم .. وأمّنهما من خوف. وكان نهرًا مهدًا لموسى ... وهذّب يوسفُ مفيضَه؛ فوضع له أعظم نظام للري.. هذا النهر السليماني .. الذي هو نهر من أنهار الجنة.. هذا النهرُ الذي عاكس في مساره قوانين أنهار العالم.. لينتهي بتاج مُلكه؛ وهو الدلتا المصرية .. هذا النهر ستدمر لعناتُه كلَّ من يحول بسدوده عن تنفيذ عهده الذي قطعه مع نبي الله سليمان. وهو العهد الذي وثَّقته لوحةُ ملوك أكسوم. فليشهد العالمُ وليشهد الضميرُ الإنسانيّ وليشهد القانونُ الدولي على مايُرتكب اليوم في حق هذا النهر الخالد بمعرفة دولة المنبع من حبس مائه عن السريان.. من تغير مساره الذي وهبه الله .. ولكن .. لا يحيقُ المكر السيءُ إلا بأهله.”صدق الله العظيم.]
كان ذلك يوم 15 مارس الماضي، ضمن احتفال "القرية الفرعونية" باليوم العالمي للأنهار، برعاية د. عبد السلام رجب، رئيس مجلس إدارة القرية، بالتعاون مع منظمة الأنهار الدولية لمناهضة بناء سدود على الأنهار. أقف إلى جوار د.هايدي فاروق، مستشارة قضايا الحدود والمياه الدولية، ود. مدحت القاضي، سفير مصر السابق بسلطنة عمان، والجميلة "رحاب حسن"، الدينامو النشط للقرية.
ثم أكملنا الرحلة النيلية الساحرة التي جالت تستعرض أسطورة إيزيس، ربة الفضيلة، وزوجها الإله أزوريس، وطفلهما حورس، رب الحكمة. ثم قصة النبي موسى عليه السلام الذي حمل النيلُ مهدَه رضيعًا حتى احتضنه قصرُ فرعون، وحتى رحلة خروجه من مصر.
يومٌ أسطوريّ آخر من أيام القرية الفرعونية الجميلة التي تعمل بكامل طاقتها لكي ترّد إلينا وعينا الغائب بعظمة السلف الصالح العظيم الذي علّم العالمَ الحضارة، والفنون والعلوم والآداب والطب والفلك والهندسة والموسيقى والنحت والتحنيط، فاحترمهم العالمُ أجمع، وعلّموا أبناءهم لغتنا القديمة، تلك التي نسيناها نحن مثلما نسينا مجد أجدادنا. ليتنا نعود ونتذكر حضارة أمسنا، كيلا نفقد بوصلة الطريق التي تكشف لنا كيف نبني مجدًا لغدنا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعرة اللبنانية زينب عساف تكتب عن ديوان الشاعرة المصرية فا ...
- وجدى الحكيم أيام زمان
- 13 مارس 1950
- أغلى سيارة في العالم
- أمي، و-أحمد رشدي-
- هنا كردستان
- القتل على العقيدة
- تُرى كيف يقرأ هؤلاء؟!
- متى يطمئن مرسي؟
- صولجان -نادر عباسي- المستبد
- الديكتاتور محمد صبحي
- المرأة بين عقيلة وفرحات
- حوار قديم مع فاطمة ناعوت 2006 | ناعوت: الشاعر راء لأنه لا يق ...
- الحبُّ قد أمر
- وجوه أجدادي
- هنا أجدادي الحزانَى
- المستشار النبيل، وامرأة الكفيف
- الغراب والفراشة على بوابة جهنم
- أيها النحيلُ، سلامٌ عليك!
- أول لص فى التاريخ


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاطمة ناعوت - رسالة إلى حابي