أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيلوس العراقي - من أيام الخبز البغدادي في الهند















المزيد.....

من أيام الخبز البغدادي في الهند


سيلوس العراقي

الحوار المتمدن-العدد: 4319 - 2013 / 12 / 28 - 14:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قبل شهر من عيد الفصح اليهودي وتحت شمس كلكوتا الحارقة ، يبدأ الصخب والعمل والتهيئة للعيد في مجمّع السيناغوغ المسمى بـ "بيت ايل".
فيقوم اليهود البغداديون بعمل الهياكل الخيزرانية المؤقتة وهيكلها المصنوع من أغصان الأشجار التي يجمعونها في فترة سابقة لهذا الغرض. لتهيئة المكان الملائم والخاص لتحضير خبز الفصح للعائلات اليهودية البغدادي (البغدادي :كانت تسميتهم هكذا في الهند) في المدينة، ليتم فيما بعد بيعه ولتوزيعه مجانا للعوائل المعوزة. ويتم تهيئة الخبز على الطريقة اليهودية ـ العراقية.
ويتم عمله من القمح الذي تكون زراعته قد تمت خصيصا وفقا لتعاليم التلمود وشريعة الهالاكا اليهودية ، أي التعاليم الخاصة بشأن الزراعة بحسب التقليد اليهودي.
والقمح يكون قد تم جلبه الى كلكتا من المناطق الزراعية القريبة ، وغالبا كان من انتاج الفلاحين والمزارعين اليهود البغداديين، من أجل اعداد الخبز الخاص بالطقس السنوي لعيد الفصح.
تجلس النسوة اليهوديات (الفقيرات) على مقاعد خشبية منخفضة (تختات) ويبدأن بعجن العجين في (طشت) إناء كبير لعمل الخبز غير المخمّر.
بينما تجلس نسوة أخريات القرفصاء أو على ركبتيهن لتكتيل العجين وتكويره على شكل كرات صغيرة. ثم يستخدمن عصا رفيعة طويلة (شوبك) لشبك (تسطيح) كرات العجين على لوح رخامي كبير خاص يستخدم فقط لخبز عيد الفصح، و بعد انتهاء العمل وانقضاء الحاجة الى هذه الألواح يتم تنظيفها جيدا وحفظها بشكلٍ دقيق لتحافظ على طهارتها بحسب التقليد اليهودي، لغاية الحاجة اليها ثانية في عيد لاحق.
ويكون شكل العجينة المسطحة المشبوكة بقطر 15 انج ، وتقوم نسوة أخريات بخبزها بسرعة قبل أن تنتفخ.
بينما يقوم رجال يهود بمراقبة النار ويغذون التنور بالفحم. والتنور ، هو الفرن الطيني المعروف، الذي يقومون بعمله في ساحة السيناغوغ لهذا العيد.
ورجال آخرون من المتعلمين اليهود في الجماعة يقومون بالاشراف على كامل الانتاج للتأكد من أنه يتم وفق الالتزام الصارم لقواعد الماتزا (خبز من غير خميرة).
وتبدأ العائلات اليهودية بالمجيء الى ساحة مجمع السيناغوغ لشراء ووزن الخبز غير المخمر في الفناء الذي يمتليء بالكثيرين الذين يتبادلون الاخبار، والأحاديث والسوالف والنقاش حول تحضيراتهم للفصح.
بينما اللجنة أو المجلس المُشرف على تهيئة خبز العيد يقوم بمنح الخبز مجاناً لأعضاء الجماعة الأكثر فقراً لكي يتاح لكل يهودي الاشتراك بهذا العيد الكبير.
يوضع الخبز هذا، الهش والرقيق، قطعة فوق الأخرى ليتم وزنه بميزان كبير معمول من الخشب، مثل القبان وموازين العراق الخشبية أيام زمان.
وبعد أن يتم وزنه يوضع على شكل رزم في سلال مصنوعة من القصب.
الأثرياء يقومون بنقل الخبز الى بيوتهم بواسطة عربات، أما الفقراء فيضعون سلال الخبز فوق رؤوسهم ويشقون طرقهم في شوارع كلكوتا المزدحمة بالمارة والعربات.
كان هناك جماعة يهودية مزدهرة في كالكوتا في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.
في بداية قرننا الحالي، القرن الواحد والعشرين، لم يبقى في كلكوتا الا العدد القليل من المسنين اليهود البغداديين. وهؤلاء الباقون هم من العجزة الذين لا يمكنهم تحضير الخبز بأنفسهم. فيقوم بعض من غير اليهود بخبزه لكن تحت اشرافهم. وسوف ينحصر الطلب على خبز الفصح اليهودي في كلكوتا مع الوقت، والجماعة اليهودية البغدادية في المدينة بقيت منها أعداد جدا قليلة وهي ليست أكثر من ذكرى لماضٍ ، بالرغم من استمرار بقاء المباني اليهودية المهمة. أما بالنسبة للمؤسسات المجتمعية والكنيستات الضخمة التي لازالت فهي تعمل معتمدة على صناديق الائتمان اليهودية.
المدارس اليهودية للبنات لم تعد تنتظر البنات اليهوديات مثلما كان حالها سابقا. والسيناغوغات بدأت تمر في صعوبة عدم امكانية توفر الحد الأدنى من الحضور للقيام بفروض صلاة الجماعة التي تفترض وجود عشرة مؤمنين للقيام بها. والصروح الضخمة والمساحات اليهودية التي تدلّ على الوجود اليهودي (الماضي) أصبحت جوفاء لأنها مجردة من الجماعة اليهودية ومن علاقاتها الاجتماعية التي أعطتها في الماضي المعنى والغرض منها.
كيف أتى البغداديون واستقروا في كلكتا ولماذا غادروا المدينة حيث عاشوا فيها وازدهروا لمدة أكثر من 150 سنة ؟ لماذا يهجرون مكاناً لم يعرف حتى معاداة السامية، وحيث لعبوا دوراً مهماً في تطوير اقتصاده ؟
عاش البغداديون اليهود وعملوا في التجارة في جماعات يهودية صغيرة في كل الشرق الأوسط لعدة قرون. وفي القرن التاسع عشر فتحت السياسة الاستعمارية البريطانية المجال للأعمال الاقتصادية في الهند والشرق الأقصى، فبادر يهود الشرق الأوسط لاستثمار هذه الفرصة والاستفادة منها. ومنذ القرن التاسع عشر بدأت حركة كبيرة للاقامة في المنطقة الممتدة من البصرة الى شنغهاي.
وتطور مع مرور الزمن، وتغير أيضاّ ، حال هذا الشتات اليهودي البغدادي في الهند. وتغيرت معه الملامح الثقافية والاجتماعية. فمن مشاهد الحياة اليومية للنسوة مثلا ( وصور حياة اليهود البغدادي في هذا المقال مستوحاة من كتاب للكاتبة اليهودية البغدادية يائيل سليمان من كتابها روايات نسائية من شتات الأمل) في علاقاتهم الاجتماعية والسياسية وغيرها الى حد الغذاء الذي أكلوه والثياب التي ارتدوها ـ يمكن تتبع تطور الجماعة بابراز طبيعة الثقافة الحيوية والتوفيقية. لأن الثقافة هي "الطعام الذي نضعه على المائدة، طريقة طبخنا له، العلاقة بين الناس التي تجلس لتأكله وبين من طبخه وبين من يخدم، حول ماذا يتناقشون خلال تناول وجبة الطعام، أي موسيقى يسمعون، أي رقص يرقصون، الشعر والمسرح الذي يرافقهم، القيم الاجتماعية والروحية للناس، لأننا حين نقول ثقافة، فهذا يشتمل على الرؤى والأحلام والطموحات الانسانية".
فالاجيال الاولى من اليهوديات البغداديات في كلكوتا عشن بشكل لم يغيرن فيه أي شيء من طريقة حياتهن حين كنّ في بغداد أو الموصل أو البصرة أو غيرهم، وحافظن حتى على طراز لباسهن العراقي من دون أي تغيير، وعلى لهجتهم العراقية اليهودية ، وكل ماتغير بالنسبة لهن هو الموقع الجغرافي، بقين بغداديات لكن يعشن في الهند وليس في بغداد.
أما الجيل اللاحق فاستمر في العيش في عالم اليهود البغدادي في الهند، لكن بحكم الضرورة بدأ اهتمامه أكثر باللغة الانكليزية وبالطريقة الانكليزية أكثر من الجيل الأول، وتأثر بعض من هذا الجيل بالحياة الانكليزية في الهند المستعمرة البريطانية. لكن مع استمرار التمسك بقوة بالجماعة اليهودية المحلية، حتى ولو غادر بعضهم كلكوتا لكنه استمر في تواصله مع الجماعة البغدادية في كلكوتا.
ومع مرور الزمن انتقل غالبية المتعلمي والشباب الى اوربا واميريكا والى اسرائيل فيما بعد، وتغيرت ثقافتهم وعاداتهم بحسب البلد الذي انتقلوا للعيش فيه، وبالرغم من هذا بقي العديد منهم محافظين على عادات اليهود البغداديين في الهند وفي بغداد، في بعض الطبخات والاكلات التقليدية التي يعود أصلها الى بغداد والبصرة وكلكوتا، ولا زالت لغاية اليوم الاغاني البغدادية والمقامات والتراتيل اليهودية على التخت البغدادي والمقامات العراقية لكثير منهم وإن كانوا يعيشون في لندن أو نيويورك أو غيرهما، فان لها طعم خاص يذكرهم بأصلهم وبأصل أجدادهم في بعض المناسبات وبعض الأعياد. مع أنهم بشكل عام اقتبسوا ثقافة وعادات متعددة وكثيرة من البلد الذي يعيشون فيه اليوم، أو من عدة بلدان عاشوا فيها بعد مغادرتهم الهند. لكن مع كل هذا التغيير فلازالوا لغاية اليوم يحبون تسميتهم بـيهود (بغدادي).



#سيلوس_العراقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من التراث اليهودي: الحاخام باشي والبطريرك وسرقة كيس المال
- من التراث اليهودي : السيناغوغ 2
- من التراث اليهودي : السيناغوغ
- خباثات يمكنها تقريب نهاية النظام الايراني
- الكنيسة المارونية اللبنانية في خندق واحد مع محور الشر
- اصلاحات آية الله بشار الاسد
- الانصياع الى أبغض الحلال
- ماذا سيولد من هذه الانتفاضات ؟
- من وحي مقالة المجد للحب
- من طيار انتحاري الى نحات
- طارق عزيز أنقذ رأس نزار قباني
- خواطر من مذكرات دلوعتي داليدا
- سجن أبو غريب في روما
- ومن الأدباء من يخترع ويتنبّأ
- تعليم من أجل الحب
- تأملات في الطاقات الحارقة
- لست هندياً
- نموذج من شخصيات عالمية
- لبيبة بيت القربان
- مغامرات - تن تن - باللغة الآرامية لأول مرة


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيلوس العراقي - من أيام الخبز البغدادي في الهند