أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 3















المزيد.....

سيرَة حارَة 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4252 - 2013 / 10 / 21 - 08:57
المحور: الادب والفن
    




1
الكليشة والمعمول، هما من أهم رموز العيد مع القهوة المرة، المهيّلة. في يوم وقفة العيد، كنا نحمل على رؤوسنا أطباق المعجنات هذه إلى " فرن أبو معروف " في مدخل حارة الكيكية لكي تخبز هناك. لاحقاً، كان شقيقي الكبير، " جينكو "، يبدأ بتوزيع أقراص الكليشة والمعمول على الصبيَة المتواجدين في الفرن أو الذين يلقاهم خارجاً. طبعه الكريم هذا، لم يكن ليروق للأم، فتعاتبه غالباً عندما يعود للمنزل: " نحن لم نتعب لكي يأكل همشريتك هؤلاء "..!

2
كنت في الابتدائية، حينما حظيت لأول مرة برؤية " مدينة الملاهي " خلال أحد الأعياد المباركة. كان ذلك بفضل " أبو رياح ريسور "، صديق عمّي الحميم، الذي كان أحد متعهديها. مدينة الملاهي هذه، كانت تقوم على الأرض نفسها التي أشيد فيها بعد عقود عديدة " السوليديرز "؛ أكبر فنادق دمشق. أمسية إثر الأخرى، كنت وشقيقي الكبير نقضي مع أولاد عمنا أوقاتٍ رائعة هناك بين ألعاب جديدة علينا، علاوة على وجود المسارح وما فيها من بهلوانيين وسحَرَة وحتى راقصات مجلوبات من مصر....!
الأضواء الملونة، كانت تبهر عينيّ آنذاك، لدرجة أنني ما أفتأ أستعيد تلك الأمسيات وكأنها أحلام طفولية. كان " أبو رياح " يرافقنا أحياناً في جولاتنا عبرَ مدينة الملاهي، فيجرّب مهارته بالبندقية الخاصّة بقنص الألعاب أو يطلب من أحد المشرفين أن يُركبنا في القلابة العملاقة، الشبيهة بالناعورة، والتي تدور ببطء فتجعلك ترى المكان المبهج من علو. ولكن صديق عمّنا هذا، الطريف، كان يظهر طبعه المرح حالما يدخل معنا إلى السرادق الكبير، المحتوي على المسرح؛ وتحديداً، حينما تظهر الراقصات المصريات الواحد بأثر الأخرى لتقديم الوصلات المثيرة. في إحدى المرات، بلغ المجون بصاحبنا أنه اندفع نحو المسرح وشارك في الرقص. إنه " ريسور " نفسه، الذي سبق له في إحدى ليالي كازينو منتزه " عين الخضرة " أن كان ثملاً، حدّ أنه وقف على الطاولة في غمرة الوصلة الراقصة لكي يخلع بنطاله على مرأى من السمّار وهوَ يطلق كلمات اباحية.

3
هناك، في المكان ذي الموقع المميز، المطل من شماله على شارع أسد الدين ومن غربه على طلعة الكيكية، كانت تنعقد بهجة العيد مع ألعاب ذلك الزمن؛ مثل القلابات والدويخات والمرجوحات والمركبات والبسطات. قبل أن ينهض الملجأ المهيب على هذه الأرض الواسعة، كانت خلاءً فيه شجيرات قليلة امتد شرقاً ليتصل بخرابة بيت عرب ( رَزيْ آنيْ ) وجنوباً حتى ضفاف نهر يزيد. الأرض، كانت بالأساس ملكاً لعمي الأوسط، ثمّ تملكتها منه الدولة فيما بعد لقاء مبلغ زهيد لكي تبني فيها الملجأ. وقد عُرف هذا الخلاء بخرابة أبو رسلان، على اسم ناطوره السابق، الذي كانت مهمته منع أيّ دخيل من بناء سكن اعتباطيّ ليلاً كما كان يحصل في تلك الأيام....!
الفتية المقامرون، كانوا يفضلون الجهة القصية للبقعة المعيّدة طالما أن تشرف على خرابة بيت عرب، حيث يمكن لهم الفرار خِلَل أشجارها الكثيفة في حال داهمتهم الشرطة. من جهتي، كنت أعرف أنّ شقيقي الكبير هوَ سيّد مكان المقامرة، فأمضي إليه كلما فرغت جيوبي من النقود. وإذ كان يبدي انزعاجه بسبب حضوري لمكانٍ مشبوهٍ، غير أنه اعتاد على نفحي بما يرضيني من كرمه وطيبته. فلا ألبث أن أمضي مع الأصدقاء فوراً إلى المدينة، حتى أحضر فيلماً في إحدى صالاتها، وخصوصاً إذا كان من النوع الكاوبوي ومن بطولة جوليانو جيما. أحياناً، كنت أعيد حضور الفيلم مع أصدقاء آخرين بعدما أطنبُ لهم بوصف مشاهده، لدرجة تقليد البطل وهو يطلق الرصاص على خصومه. إلا أنّ " ابن ريّا "، وكان يكبرنا قليلاً في العمر، كان يقوم فعلاً بتدريب الأطفال السذج على استعمال المسدس خلال مبارزة من نوع الويسترن: " ستضع يدك أولاً على جراب سلاحك، وحالما تشعر أن عدوك فعل نفس الشيء، فإنك تسحب المسدس بلمحة هكذا ( ويقوم بحركة وهمية ) ثمّ تطلق النار طاخ طاخ طاخ! ".

4
" مصبغة صبحي "، في مدخل حارة الكيكية، كانت تقع بمقابل " مدينة ألعاب " طفولتنا، التي تقوم بمكان ملجأ الحارة حالياً. إذ تتحوّل هذه المصبغة في أيام العيد إلى ما يشبه صالة السينما، تعرضُ أفلاماً قصيرة بوساطة جهاز بدائيّ صغير وغالباً بدون صوت....!
في أحد الأعياد، سببوا لنا نحن الأطفال رعباً شديداً، عندما استعاضوا عن عرض الأفلام في المصبغة بخدعة اسميت " الرأس المقطوع ": حيث يظهر رأس انسان موضوع فوق الطاولة بمقابل الجمهور وهو ملطخ بمادة شبيهة بالدم، فيبدأ في الحديث بطريقة توحي أنه ضحية لمجرم ما مختفٍ داخل الحجرة المظلمة....!
ولكن للعيد خيباته، فوق ذلك. كأن يأتي ابن خالتي الكبيرة، الخبيث البخيل، لكي يطلب مني مساعدته بتأجير دراجتين من ذوات العجلتين للصبيّة الراغبين، واعداً إياي بمبلغ ليرة كاملة في آخر النهار. وكان ابن الخالة ( الذي يصغرني بنحو العام ) يحتاج من وجودي معه لسُمعة شقيقي الكبير، العتيّ، كي يرهبَ الصبيّة فلا يفروا بالدراجات إلى أبعد من المكان المحدد. هكذا أضيّع بهجة يومٍ من العيد، كاملٍ، مؤملاً بتعويض ذلك في الغد وجيبي عامرٌ بما يكفي لمشاوير السينما والمطعم. فما أن أعود مع ذلك القريب الخبيث إلى منزله عند الغروب، وأطالبه بأجرتي، حتى يبربر كلاماً مبهماً أفهم منه أن أنتظر والدته. يختفي هو في داخل منزله، ولا تلبث الخالة أن تخرج إليّ لتصرفني بعدما نقدتني " عيدية " زهيدة من عشرة قروش!..

5
" جحش العيد "، هو اليوم الذي يتلو آخر أيام العيد. ولا أدري مغزى هذه التسمية الشامية، الطريفة. إلا أنني أذكر، كم كنا نحن الأطفال نشعر بالكآبة في عصر اليوم الأخير من العيد، وخاصة عندما تبدأ الساحة المعيّدة بالخلو من الألعاب. ذات مرة، انتشرت شائعة بيننا بأن " الحكومة " قد قررت جعل عيد الأضحى خمسة أيام. فاندفعت إلى المنزل مبتهجاً، لكي أبشر أمي بالخبر. فما كان منها سوى احباطي بشدة، حينما هزت رأسها قائلة في سخرية: " ها هَوْ! كان ناقصنا هذا اليوم الخامس "....!
في هذه السن المبكرة، كنت من السذاجة أن اعتدت تصديق مثل ذلك الخبر المبهج وعلى الرغم من خراقته. غير أن ثمة أطفالاً خبثاء، كانوا يستغلون سذاجتك لكي يتفكهوا وهم يرونك متبلبلاً أو لغاية أخرى في نفوسهم. ففي أحد الأيام، كنت قادماً من منزل العم الكبير، الكائن في زقاق آله رشي، في طريقي للبيت. وكنت قد اخترت الطريق الأقصر، العلويّ، الذي يمرّ بدخلة آل " العبود "؛ وهم بالأصل من حوران وعلى علاقة مصاهرة بكرد الحارة منذ زمن الآغوات. وإذاً، فيما كنت ماراً من هناك وقع بصري على علبة علكة من نوع " تشيكلس "، التي كانت مفضلة لدينا آنذاك. ما أن فتحت العلبة ووضعت حبة منها في فمي، حتى هُرع أحد الأطفال نحوي ليقول لي أنّ فلانة قد سبق وأكلت بالأمس منها فماتت. عند ذلك، رميت العلبة من يدي وقد أصابني الرعب. حينما كنتُ أهمّ بدخول زقاقنا، رحتُ أتطلع نحو لداتي متحسّراً بأنني لن أراهم في الغد. في المنزل، لاحظت والدتي مبلغ التعاسة على هيئتي، وحينما استفهمت مني عن الأمر فإنني اندفعت إلى حضنها أجهش بالبكاء في مرارة. حينما علمت هيَ الحكاية، فإنها فاجأتني بضحكتها الرنانة المطمئنة: " يا لك من ولد مسكين! لقد خدعك ذلك الخبيث، بما أنه كان يرغبُ في استحواذ العلبة منك كي يتمتع هو بالعلكة! ". .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد
- سيرَة حارَة
- جريمة تحت ظلال النخيل
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة
- جريمة في منزل الضجر
- في عام 13 للميلاد
- جريمة على الطريق العام
- حكاية من - كليلة ودمنة - 8
- حكاية من كليلة ودمنة 7
- حكاية من - كليلة ودمنة - 6
- حكاية من - كليلة ودمنة - 5
- حكاية من - كليلة ودمنة - 4
- صورة الصويرة؛الضاحية2
- حكاية من - كليلة ودمنة - 3
- العقلية المشتركة للسلطة والمعارضة


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 3