|
|
جريمة حول مائدة السّادة
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 4214 - 2013 / 9 / 13 - 08:33
المحور:
الادب والفن
هذا ما قرأته بصفحة الحوادث، في صحيفة أمريكية: مُنمنمة هذه المدينة وفاتنة. إنها تتوسّط ريف كاليفورنيا الرائع، المزدهر، وتستمدّ من شرايينه الخضراء حيويتها وقوتها. لا غرو، إذاً، أن يكون أهالي هذه الحاضرة الصغيرة خليطاً من ميسوري الحال والمتنعّمين. وينتمي إلى هؤلاء الأخيرين، ولا ريب، أصحابُ المنزل الكبير، الفاره، الذي دارت فيه وقائع قصتنا. الحديقة، ذات التشكيل الفرنسيّ، كانت أجمل ما في هذا المنزل، حيث تقوم في الجهة الخلفية منه. بيْدَ أن الزهرة الأكثر سحراً ثمّة، لم تكن سوى ربّة المنزل نفسه. وها هيَ جالسة في المطبخ، تطلّ من نافذته الكبيرة على منظر الجنينة المشرق والمونق. ولكنها بالرغم من الجوّ الجميل، وما تشرف عليه من المفاتن الطبيعية، فقد كانت تبدو تعسة للغاية بما ارتسمَ من خطوط القلق والهمّ على ملامحها الدقيقة، المتناسقة. " يا إلهي..! "، كانت تردد بين تنهدة وأخرى " أعليه كان أن يرجعَ بعد كل هذه الأعوام، لكي يحيل حياتنا إلى جَحيمٍ، مُقيم؟ ". إنها تتحدث عن صديقها الأول، الذي ارتبطت معه بحكاية حبّ ملتهبة، قبلَ أن تقترن بوالد ابنها الوحيد الذي تعيش معه منذ خمس سنين. بالأمس ليلاً، جرت الواقعة المهولة، المفجعة، عندما تمادى هذا الصديق في استفزاز زوجها. كلاهما كان قد شربَ كمية كبيرة من الكحول، حتى أضحى كلامه أشبه بالهذر. إلا أنّ الضيفَ، مثلما تبيّن لاحقاً، كان يبيّتُ مذ لحظة حلوله هنا نيّةً شريرة في هدم سعادة أهل البيت. إنّ إشارته الخبيثة، الخفية، لإبنهما ذي الأعوام الخمسة، على أنه من صلبه، كانت أمراً فظيعاً؛ كانت الشرارة، التي أطلقت أوار العراك. " واليوم، جاء تابعه ليسأل عنه؛ هوَ من سبق وتُرِكَ في الفندق ليلة أمس ـ كما أخبرنا بنبرَته المتحفظة، المنتمية للملونين الجنوبيين "، حدّثت المرأة نفسها. الشيء الغريب حقاً، فكّرت المرأة، أنّ الضيفَ لم يُشر قط إلى هذا الخادم، حينما قضى ساعتيّ الغداء والعشاء في سرد أحداث رحلته الشرقية وما تخللها من غرائب وأعاجيب. كانت ربّة البيت على هذه الحال، وإذا بصوت الزوج ينمّ إلى سمعها وكان يدعو التابعَ إلى المطبخ. هذا الأخير، وبغض الطرف عن مظهره المتهيّب، اخذ يرمي حالَ دخوله للصالة نظراتٍ لطيفة فيما حوله؛ نظرات، كانت تفصح عن الطمأنينة والدِعَة. ويبدو أن دعوة هذا الخادم كي يشارك السيدين في شرب الشاي، قد تركت أثراً طيباً في نفسه. وكانوا يتناولون شايهم في صمت، عندما صدَرَ وعلى حين فجأة صوتُ صرخةٍ حادة من جهة الحديقة. " إنه طفلنا..! "، قالت المرأة بارتياع لزوجها وهيَ تنهض ملهوجة، ثمّ ما لبثت أن اندفعت باتجاه باب المطبخ، المفضي للحديقة. ثمّة، عند قاعدة الدرج، التقت بابنها الصغير وكان الذعرُ ينطق في عينيه. " ماما.. حيّة، حيّة! "، قال لها مُشيراً بيده إلى ناحية الحديقة. عندئذٍ، كان الزوج والتابع قد تناهيا بدَورهما إلى حيث موقف المرأة والولد. في المطبخ، أبدى كلا الزوجين استغرابه ودهشته إزاء اكتشاف الطفل للحيّة، فيما طفق الخادمُ ساكتاً. " لا بدّ أنها تسللت من الغابة، القريبة "، قال السيّد وهوَ يرشف من فنجانه. ثمّ أردف بعد وهلةٍ من التفكّر " يجب إبلاغ السلطات بالأمر.. ". عندما أنهى جملته، التقت نظراته بنظرات زوجته. وقد حضرت السلطات بأسرع مما توقعه السيّد، بل وقبلَ أن يبادر هوَ لاستدعائها. فما أن مضت سويعة على مغادرة التابع، حتى تناهى من الخارج صدى فرملة سيارة. بعد قليل، كان الزوجان وجهاً لوجه مع مفتش البوليس، الذي اقتحمَ المنزل مع عدد من رجاله. هؤلاء، أمروا في الحال بالانتشار في الحديقة، لكي يحاولوا صيد المخلوق الزاحف، الدخيل. أما الرئيس، فإنه قبع في المطبخ مع مساعد له، ثمّ راح يسأل الرجل وامرأته عن ضيفهما، الذي نعته بـ " المفقود ". كلا الزوجين، ولا شك، أدرك أن الخادم هوَ من اتصل بالبوليس. على ذلك، لم يكن أمام هذين السيدين سوى ترديد الكلام نفسه، الذي سبق وسمعه منها ذلك الشخص: " لقد كان سيّده في ضيافتنا حتى المساء، ثم غادرَ مع حلول الظلام إلى الفندق الذي يقيم فيه ". " هل كان الضيفُ يحمل معه حقيبة، أو شيئاً من هذا القبيل؟ "، سألهما مفتشُ البوليس. فأجاب سيّد البيت بالنفي، فيما كانت يستعيد في ذهنه شكلَ الحقيبة الغريبة، التي دفنت مع صاحبها في أرض الحديقة. وكان الضابط يهمّ بقول شيء آخر، وإذا بأحدهم يدخل الصالة من الباب المؤدي للحديقة. كان الداخلُ يقبض بيد على عنق حية رقطاء، يبلغ طولها نحو نصف متر، وفي اليد الأخرى على مقبض عكاز من خشب صقيل. وكان جذع هذه الرقطاء، وذيلها، ملتفين حول العكاز. حدّق مفتش البوليس في الطريدة، ثمّ التفت إلى مساعده ليخاطبه بلهجة منتصرة: " أجل، إنها نفس الحيّة التي وصفها لنا ذلك الخادم، وقال أن سيّده جلبها معه من رحلته الهندية ". وعندما علم الضابط من صاحب العكاز أنهم عثروا على الحيّة تحت شجرة جوز، فإنه داعب شاربه الكثيف بحركة طريفة وطفق يتفكّر. ثمّ ما عتمَ أن عادَ إلى مخاطبة مساعده: " عجباً..! كأنها كلب وليسَ حيّة؛ كلبٌ وفيّ، يتقصى بأنفه رائحة قبر صاحبه من على بعد، فيمضي إليه لكي يشمّ ترابه بلوعةٍ وحسرة "، قالها شاردَ الفكر وكأنما يتكلّم مع ذاته.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة في منزل الضجر
-
في عام 13 للميلاد
-
جريمة على الطريق العام
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 8
-
حكاية من كليلة ودمنة 7
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 6
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 5
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 4
-
صورة الصويرة؛الضاحية2
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 3
-
العقلية المشتركة للسلطة والمعارضة
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 2
-
صورة الصويرة؛ الضاحية
-
صورة الصويرة؛ الحاضرة 2
-
صورة الصويرة؛ الحاضرة
-
مَراكش؛ جبل توبقال 2
-
مَراكش؛ جبل توبقال
-
بشار ابن أبيه
-
موت ممثل صغير
-
الغرب يسلّم سورية للملالي
المزيد.....
-
توم كروز يلقي خطابا مؤثرا بعد تسلّمه جائزة الأوسكار الفخرية
...
-
جائزة -الكتاب العربي- تبحث تعزيز التعاون مع مؤسسات ثقافية وأ
...
-
تايلور سويفت تتألق بفستان ذهبي من نيكولا جبران في إطلاق ألبو
...
-
اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج
...
-
حوارية مع سقراط
-
موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ
...
-
الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1
...
-
اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج
...
-
من الجو..مصور يكشف لوحات فنية شكلتها أنامل الطبيعة في قلب ال
...
-
التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
المزيد.....
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|