أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حكاية من - كليلة ودمنة - 4














المزيد.....

حكاية من - كليلة ودمنة - 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4139 - 2013 / 6 / 30 - 23:19
المحور: الادب والفن
    



يقال، أنه في سالف الأزمان حكم الشامَ ملكٌ عظيم، عادل؛ حسبما وردنا من أشعار عصره وأخباره ونوادره. المفردة الأخيرة، ربما تحيل إلى حادثة طارئة، مستطيرة، وصلتنا تفاصيلها من مصادر عدّة.
ولنقل في البدء، أن مليكنا رزق بصبيّ بهيّ الطلعة، تتفتح الورود بوجنتيه، وفي عينيه تنعكس زرقة السماء. عند ذلك، سجدَ الأبّ شكراً للربّ؛ هوَ من كان نادراً ما ينحني، إلا حينما يكون في بيت الخلاء. العفو
عندما أضحى الابن السعيد في الخامسة من عمره، احتفلت المملكة بختانه في فرح فائض، استمرّ شهراً، تسنى فيه للفقراء أن يتذوقوا، ولأول مرة في حياتهم، اللحمَ والعظم والمرق، بل والحلوى أيضاً. في هذه المناسبة، النادرة، أعلن الملك عزل شقيقه من ولاية العهد ونقلها إلى مستحقها: أي صاحب الذكورة، المعمّدة بالدم.
في يوم من تلك الأيام المجيدة، التي جعلت الطبيعة ربيعاً يغني بصوت أطيارها وأزهارها، شاءَ وليّ العهد التنزه في حديقة القصر. ثلة من المرافقين والعبيد، كانت تتحلق حول الغندور، مانعةً حتى الهوام أن يدوّم في الفضاء فوق رأسه. سويعة النزهة، على أيّ حال، كان يقضيها السيّد الصغير عادةً في نكش أعشاش الطيور بوساطة رمح. كان السلاح هذا في طول صبيّنا تقريباً، منحوتاً من خشبٍ صقيل، وفي رأسه حربة ماضيَة، مُفضّضة. وكان يعمد من ثمّ، مبتهجاً مقهقهاً، إلى دهس الأفراخ المتساقطة على الأرض بقدميه المنتعلتين حذاءً من اللباد الخشن، المطرز بالخيوط الذهبية والمزيّن بالجوهر.
" آآآآه.. آه عيني..! "، هكذا على حين فجأة صرخ الولدُ بصوت موجع، ثقبَ قلبَ السماء. لوهلةٍ، أعتقد أفراد الحاشية، مبلبلين مذعورين، أن رمحاً غادراً قد ريّش من مكان ما وراء السور وأصاب عين الصبيّ. فلما أفاق هؤلاء من خبلهم، أدركوا أن سيّدهم الصغير قد أتى بحركةٍ طائشة، أدت إلى هذه المأساة.
جاء ربيعٌ آخر، وكان الملك ما يفتأ يتميّز غيظاً وقهراً لذكر الحادث المشئوم، دونما أن يكون قد شفى غليله حتى بإعدام جميع مرافقي وعبيد ابنه، المبخوسين الحظ: " ولدي، ووريثي.. أعور!؟ "، كان الحاكم يزأرُ كأسدٍ جريح قبل أن يرفع رأسه نحو السماء، ليردف بسخط وغلّ " رباه، أيّ شيء ارتكبتُ لكي أجازى من لدنك بهذه العقوبة، الرهيبة؟ ". وعلى الرغم من أن الملك لا يُعرف عنه صلاة قط، اللهمّ سوى في المسجد الكبير لمناسبة دينية سنوية، غير أنه قرر النكاية بالله ودعوة الرعيّة لعبادته هوَ؛ ملك الملوك.
ثمّ أقبل ربيعٌ، أكثر جدّة. في كلّ مرة يقع فيها بصرُ الملك على العصابة السوداء، المغطية عين وليّ عهده، فإنه ينتفضُ بالغضب ويشعر بالعجز كأيّ أبٍ، ملول: " ولكن، هل أنا كأيّ أبّ حقاً؟.. إن أولادهم حفاة عراة جوعى؛ ولكن عيونهم سليمة في آخر الأمر! "، راحَ يرددُ بتأثر شديد. في اليوم التالي، على الأثر، أعلن صباحاً للحاشية أنه رأى حلماً عجيباً: " إن الربّ قد دعاني لقلع أعين جميع صبيان المملكة، ممن أعمارهم تقل عن العاشرة.. عين واحدة، لكلّ منهم! "، قالها بوقار فيما هو ينقل عينيه بين المقربين. خيّم الوجوم على الجميع، كما كان متوقعاً. ولما طال الصمت، هز الملك رأسه علامة على الضجر. عندئذٍ، تكلم الوزير بنبرة حذرة، متسائلاً: " ولكنكم، يا مولانا، أنتم الربّ ذاته..! "
" آه، اللعنة!.. أيّ مهرّف، أنا؟ "، ندّت عن الحاكم في سرّه. بيْدَ أنه سرعان ما رفع رأسه بأنفة، وأرعَدَ طالباً تنفيذ الأمر. ما أن انتقل وليّ نعمتهم إلى جناح الحريم، حتى ارتفع لغط الحاشية في صوتٍ موحّد: " هذا جنون! ". الوزير، عاد إلى مركز الاهتمام حينما صارَ يتنحنح مفصحاً عن رغبته بالكلام. ما أن هدأ الصخب، حتى بدأ الرجل المسن بالقول: " أوافقكم أن هذا جنون، وأن تنفيذ الأمر معناه إطلاق شرارة ثورة عارمة لا تبقي ولا تذر! ". ثمّ أعقب بصوت أكثر هدوءاً " بما أن الملك لا ينزل إلى المدينة بتاتاً، ولا للصلاة في الأعياد، فإننا سندخل في روعه ان الأمر قد جرى تنفيذه .. ". وقبل أن يتيح لأحدٍ المجالَ لمقاطعته والاعتراض على فكرته، فإنه استطردَ بعدما أخذ نفساً واحداً، عميقاً " أجل، لن يعرف مليكنا شيئاً، طالما أننا ثقته المحيطون به، ومن ينقل له الأخبار يومياً ".
هوَ ذا ربيعٌ، آخر. في أحد الأيام، يقرر الملك الخروجَ إلى بوابة المدينة، الشمالية، كي يستقبل شخصياً حميه. هذا الأخير، كان عجوزاً لا يكاد يقوى على عمل شيء؛ وبغض الطرف عن كون أراضيه قد أصبحت تنمو رويداً خارج قريته، حتى باتت في حجم ولاية. ولكن ثمّة، في أوساط الحاشية، نزل الخبرُ على رؤوسهم كما الصاعقة. عدا الوزير، فإنه بقيَ محتفظاً برباطة جأشه: " لقد احتطت لهذا الطاريء، ولا غرو "، قالها وقد انفرج فمه المتجعّد عما يشبه البسمة.
في ظهيرة اليوم التالي، خرج موكبُ الملك من القصر. على الرغم من أن الوقت ربيعٌ مبكرٌ، إلا أن حامل المظلة كان يسير على فرسه محاذياً ركْبَ مليكه، محاذراً أن تلمس الشمس عمامته الضخمة، الناصعة. حينما صارَ الموكب داخل المدينة القديمة، راح الملك يلوّح لرعيته ولأطفالهم كأبٍ عطوف. وليّ العهد، أخذ يتحسس العصبة السوداء، الحاجبة عينه العوراء، فيما هو يتأمل مندهشاً آلافاً من مثيلاتها على أعين الصبيان الصغار. بغتة، انتزع أحدُ أولئك الأطفال عصبته عن عين سليمة تماماً. كان هذا مُردفاً على ظهر أبيه، الواقف على ناصية الطريق مباشرةً، فما لبث أن لوّح بعصبته المزعومة ثم رماها باتجاه وليّ العهد: " هذه لعينك، الأخرى..! "، هتف الصبيّ بلهجة جذلة وكما لو أنه يمازح أحدَ أترابه. ولكن، قبل افاقة أفراد الموكب الملكيّ من وقع المفاجأة، إذا بأطفال آخرين يقلدون ذاك الصبيّ المشاكس. مع انهمار الخرق القماشية، السوداء اللون، مثلما المطر في يوم ربيعيّ، فإنّ الهرجَ قد اجتاحَ الخلق جميعاً.
وكما يؤكد رواة الحكاية، كانت تلك أول ثورة في تاريخ الشام يصنعها صبية، صغار.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة الصويرة؛الضاحية2
- حكاية من - كليلة ودمنة - 3
- العقلية المشتركة للسلطة والمعارضة
- حكاية من - كليلة ودمنة - 2
- صورة الصويرة؛ الضاحية
- صورة الصويرة؛ الحاضرة 2
- صورة الصويرة؛ الحاضرة
- مَراكش؛ جبل توبقال 2
- مَراكش؛ جبل توبقال
- بشار ابن أبيه
- موت ممثل صغير
- الغرب يسلّم سورية للملالي
- حادثة قديمة
- مَراكش؛ بواكٍ، أبوابٌ، بئرُ
- توم و جيري: اوباما و بشار
- مَراكش؛ أسواقٌ، أعشابٌ، بذرُ
- العودة إلى المربّع الأول
- القدم اليتيمة
- مَراكش؛ أصباحٌ، هاجراتٌ، بَدْرُ
- مَراكش؛ أذواقٌ، أصواتٌ، بَصَرُ


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حكاية من - كليلة ودمنة - 4