أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حادثة قديمة














المزيد.....

حادثة قديمة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4003 - 2013 / 2 / 14 - 10:13
المحور: الادب والفن
    





بين منزلي، السابق، ومنزل ولديّ من زوجتي، السابقة، قرابة العشر دقائق مشياً على الأقدام. عليّ كان أن أرافقهم، ذهاباً وإياباً، في كلّ مرة سيقضون فيها لديّ عطلة نهاية الأسبوع أو ما شابهها. آنذاك، كان عمر ابني البكر، " ميدياس "، يراوح على مرج الدزينة من الأزهار السنين.
وقد قلت له يوماً بشيء من التأنيب، المتماه مع الزهو: " الجزءَ الأول من سيرتي، الذاتيّة، يُختتم وأنا في مثل عمرك الآن ". وكالعادة في مثل هذه المواقف، كان ابني يجيبني بابتسامة ساخرة على وقع هزةٍ من رأسه. عندئذٍ، كنت أودّ أن أربت بلطف على رأسه المكلّل بالشعر الطويل، الأسوَد، المتهدل على الوجه الناصع.
*
إن الطفولة تتبع الانسان، ولا غرو، في المراحل اللاحقة من عمره. فلم يكن بلا مغزى، إذن، أن تعدّ السيرة الذاتيّة، بالنسبة للأديب على الأقل، أكثر الأعمال قرباً إلى قلبه. من ناحية أخرى، فإن كتابة السيرة هيَ نوعٌ من التصالح مع النفس؛ مع أغوارها السحيقة، المظلمة، أين تهمد الذكريات الجارحة مثل خنجر في غمده. هكذا كشفٌ، يقع عادةً على عاتق الطبيب النفسيّ، حينما يستهلّ بعلاج مريضه: إذ يحاول المعالِجُ سبرَ ذلك الحدث القديم، المؤلم، المؤثر في مسلك المرء مذ طفولته وإلى وقته الراهن.
من جهتي، وبما أنني أتيت آنفاً على ذكر سيرتي الذاتيّة، فلأقل أيضاً أنّ ثمّة حادثة أهملتُ شأن تسجيلها، لكي لا أنكأ جرحَ استعادتها من طيّات مجلّد العُمر. أما وقد أضحت مشاهد الدم المراق والأشلاء البشرية المتناثرة، من الأشياء المألوفة على الفضائيات واليوتيوب منذ الخامس عشر من آذار 2011؛ فإنّ أمرَ تغاضيّ العمد عن تلك الحادثة، العتيقة، ما عادَ له معنىً: إنه مشهدُ طفلةٍ صغيرة، هُرست تحت عجلات سيارة عسكريّة من النوع الكبير، ثمّة بمحاذاة موقف الحافلات على الشارع الرئيس في الحيّ. بقيت الجثة ممدّدة هناك، بلا ستر يغطي منظرها الفظيع إلى حين حضور الشرطة. والد الضحيّة التعسة، المهشّمة الأوصال، قدِمَ بدوره ليحاول الاندفاع باتجاهها صارخاً منتحباً، فيما الآخرون يهدئونه ويواسوه. وكنتُ مثله سواءً بسواء، بحاجة آنئذٍ لمن يمدّ لي يدَ المساعدة؛ أنا من كان بعمر الضحيّة تقريباً، وفي حالة يرثى لها من هول المنظر، الدامي.
*
ولأن الطبّ النفسيّ كان معدوماً في بيئتنا، الفقيرة، فلم يجد الأهلُ تفسيراً لامتناعي، فجأة، عن أكل اللحم في تلك الفترة؛ وهيَ العادة، التي بقيتُ مثابراً عليها حتى سن العشرين، حينما بدأت دورة الأغرار في كليّة الدفاع الجويّ. وعودة إلى زمننا الحاضر، المكتنف حالياً بمناظر دامية على مدار الساعة لأطفال سوريّة الشهداء، من ضحايا النازيّة الأسديّة. إنّ المرءَ ليتساءل، في هذه الحالة، عن أولئك الصغار من الأحياء الناجين، المشرّدين داخل وخارج الوطن: كيف يمكن لهم أن يتجاوزوا آلامهم النفسيّة، الساحقة، المترتبة على شهودهم عياناً مقتلَ ذويهم وأشقائهم وأصدقائهم، ناهيك عن الرعب والفزع والجوع والحرمان والبرد والذل والاهانة..؟
لطالما نصحتُ ولديّ، عبثاً، عن مضار متابعة المشاهد الموضوعة في اليوتيوب بخصوص الثورة السوريّة. حينما بدأت هذه الثورة، كانا على التوالي في سنّ الخامسة عشر والعاشرة. وبمحض المصادفة أيضاً، كنت بنفسي في عمر ابني البكر، حينما نشبت حرب تشرين الأول 1973؛ كما أنني كنت أضاهي عمر ابنتي، عندما جرت وقائع الأيام الستة من حرب حزيران 1967: إلا أنّ العدوّ الإسرائيليّ ـ ويا للمهزلة ـ كان أكثر انسانيّة بما لا يقاس مقارنة ً مع العدوّ الأسديّ: إذ لم تشهد الحربان أيّ هجماتٍ جديّة، مقصودة، على الأهداف المدنية داخل دمشق؛ وهيَ عاصمة البلاد والمحاذية مباشرةً لحدود الجبهة، المشتعلة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَراكش؛ بواكٍ، أبوابٌ، بئرُ
- توم و جيري: اوباما و بشار
- مَراكش؛ أسواقٌ، أعشابٌ، بذرُ
- العودة إلى المربّع الأول
- القدم اليتيمة
- مَراكش؛ أصباحٌ، هاجراتٌ، بَدْرُ
- مَراكش؛ أذواقٌ، أصواتٌ، بَصَرُ
- مَراكش؛ زوايا، أماكنٌ، بؤرُ
- مَراكش؛ أشجارٌ، عرائشٌ، بشرُ
- شبّيحة علويّة، شبّيحة كرديّة
- حكاية شبّيح
- لأجل من قامت الثورة..؟
- ماردين؛ مِحَن الأسلاف
- مازيداغ؛ مسالك الأسلاف
- حلب؛ حلول الأسلاف
- الحسكة؛ معسكر الأسلاف
- قامشلو؛ ممرّ الأسلاف
- عامودا؛ منفى الأسلاف
- رأس العين؛ فردوس الأسلاف
- أبو بكر وعلي و.. جورج


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حادثة قديمة