أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - جريمة تحت ظلال النخيل















المزيد.....

جريمة تحت ظلال النخيل


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4241 - 2013 / 10 / 10 - 09:29
المحور: الادب والفن
    


هذا ما قرأته بصفحة الحوادث، في صحيفة مغربية:
هوَ ذا اليومُ، الذي انتظرته " للّا رقية " طويلاً، وقد خفّ إليها دونما توقّع. أبلغتها ضرّتها للتوّ هاتفياً، أنها ستكون عندها في الغد بصحبَة ابنيها. إنها المرة الأولى، التي سيقدّر فيها لهاتين المرأتين، الغريمتين، أن تلتقيا وجهاً لوجه. الزوج الراحل، كان قد تعرّف على تلك الضرة بعد عام واحد من استقراره في جنوب فرنسة. قبل ذلك، حينما أبدى هوَ رغبته بالتغرّب سعياً لحياة أفضل، فكأنما وضعَ حجراً ثقيلاً على صدر " للّا رقية ". عندئذٍ، بادرت هيَ إلى الاستعانة بحجاب مناسب، دسّته خفيةً في بطانة معطف رجلها. ولكن، ما لم تعرفه المرأة الملولة، أنّ الزوجَ كان قد رمى المعطفَ في حاوية المهملات بإحدى دور بيع الملابس، في الأسبوع الأول من وصوله لمدينة " مرسيلية ".
في مساء اليوم التالي، وبعد رحلة مديدة وعسرة بالحافلة الكبيرة من " مراكش " إلى " ورزازات "، وصل الضيوف المنتظرون إلى منزل " للّا رقية "، الكائن في القصبة القديمة. المدينة، بدت لهؤلاء أشبه بمجموعة من الواحات في قلب البادية الشاسعة، المحاطة بالجبال الجرداء. لقد كان ذلك المشهد المسائيّ موحشاً، ولا شك. رائحة الريف، الحرّيفة، عليها كان أيضاً أن تضافر من ذلك الشعور عند ضيوف الدار. بيْدَ أن الوقت كان ربيعاً، لحُسْن حظ هؤلاء القادمين. وعلى عكس المدينة الحمراء، الضاجّة بالأصوات والبهجة ليلاً، كانت " ورزازات " مكتَنَفة بصمتها وأسرارها. " للّا عائشة "، الضيفة، ألقت نظرة ساهمة وشاملة على ما يحيط القصبة من مزارع مزدهرة، يهمي عليها النخيل بظلاله النحيلة: لقد تجشمت مشقة السفر ( واعتبارات أخرى أدهى )، لكي تخلّص حق ولديها من إرث أبيهم، الذي لما يمضي عام على وفاته.
وها هما المرأتان، الغريمتان، تجلسان على أريكة واحدة في صالة المنزل، الفسيحة. الزوجة القديمة، القاتمة البشرة، كانت تبدو ولا ريب في عمر والدة الضرّة، المشرقة في المقابل بلونها الناصع. إلا أن ولديّ هذه الأخيرة، وهما فتىً في سن البلوغ وشقيقته التي تصغره بثلاثة أعوام، كانا على شبه ملحوظ بأخوتهم من أبيهم إن كان لجهة اللون أو الملامح. وربما أنّ هذا الاعتبار، كان سبيلاً إلى اشتعال دمّ الأخوّة بالحنوّ والحبّ. إثر العشاء السخيّ، وقبل مضيّ الضيفين الشابين إلى الفراش المخصص لهما في الدور العلويّ، أخبرهما الأخوة بأن لديهم جولة شائقة سيقومون بها معاً في المدينة. من ناحيتها، مكثت " للّا عائشة " في فراشها مسهدة لوقت طويل نوعاً. فعلى الرغم مما تشعر به من تعب وإرهاق، فإن القلق جعل الكرى يجفو جفونها. تلك الحفاوة المبالغ بها، المظهِّرة كلامَ وتصرفَ المرأة الكبيرة، قد جعلت عقارب الوساوس تلسع صدر ضرتها دونما هوادة أو رحمة. " للّا عائشة " كانت مدركة ولا مراء بمدى غيظ المرأة الأخرى، حال علم هذه بكون المنزل المراكشي غير قابل للقسمة بين الورثة. وما فاقمَ من جوّ الريبة والبغضاء حينئذٍ، هو أن من تعهّد ترميم المنزل قد دُعيَ إلى العشاء أيضاً. إنه زوج ابنة " للّا رقية "، الكبرى: " ذلك الرجل القميء المنظر، المفعمُ خلقه بالخبث وسوء الطويّة "، كما اعتادت " للّا عائشة " أن تذكره. لقد أساء العمل خلال الترميم، لدرجة أن المنزل المنيف قد بدا أكثر رثاثة من قبل. على ذلك، رفض المرحوم إعطاء صهره المعماريّ هذا أجرته كاملةً، لا بل وطرده بازدراء من داره.
في غروب اليوم الثاني، الشاهد على حلولهما في هذه المدينة، ما أن عاد الشقيقان من الجولة المعلومة حتى صدمهما خبرُ نقل الأم للمستشفى. وكان ذلك حال الأخوة الآخرين، طالما أن أمهم أيضاً قد حُملت في نفس سيارة الصهر جنباً لجنب مع ضرّتها. لقد سبق أن شعرَ كلاهما بألم حاد في المعدة وغثيان، عقب تناول الغداء مباشرةً. ثمّة، في المشفى الحكوميّ المتواضع، حلّ الظلام على الأخوة وهم في ردهة الانتظار بقسم العناية الفائقة. كانت ملامحهم جميعاً تنطق بالحزن والحيرة. إلا أن شعوراً آخر، استبدّ بأولاد " للّا رقية "؛ ألا وهوَ الإحراج الشديد تجاه ضيفيهما هذين: لقد علموا قبل قليل أنّ سماً قاتلاً قد دسّ في طبق الطاجين، الذي تناولته كلا المرأتين على الغداء في صالة المنزل.
نجت " للّا رقية " من الموت، في آخر المطاف. ولكنّ الضرة، لسوء الفأل، قضت نحبها في الليلة نفسها بالرغم من جهود الأطباء. فما أن مضى اليوم الثالث على وجودها في المستشفى، حتى كان باستطاعة المرأة الناجية الإفادة بشهادتها لمحقق الشرطة. هذا الضابط، الأسمر السحنة والقاسي القسمات، سرعان ما آبَ إلى مكتبه لكي يأمر مساعده بإحضار صهر " للّا رقية " حالاً. بعد نحو ساعتين من الاستجواب، تمّ توقيف الصهر على ذمّة التحقيق. وكان هذا قد أكّد أنه حضر إلى منزل حماته بطلب منها في ظهيرة يوم الحادث، وأنها قد كلفته بشراء بعض الأشياء من السوق. فما أن عاد للمنزل ( بحسَب شهادته )، حتى فاجأه الهرجُ المعتمل ثمّة وخبرُ تسمّم المرأتين. كذلك عبّر الرجلُ عن نوع من الدهشة أمام التحقيق، كون الحماة قد سبق ودعته للعشاء مع امرأته بالرغم من الجفوة القائمة بينه وبين الضيفة القادمة من " مراكش ". غير أنّ المحقق واجه الصهرَ بأقوال " للّا رقية "، المفيدة بأنها هيَ من عَجِبَت لحضوره إلى بيتها قبل وبعد يوم الواقعة، المشئومة. هنا، اختنق صوت المتهم وارتجفت أطرافه قليلاً ثمّ أطرق برأسه ملتزماً الصمت. وما عتمَ هذا، إثر الحاح نظرات المحقق، أن رفع رأسه ليقول بنبرة تحدّ مفاجئة: " إن امرأتي كانت شاهدة على الموقف، منذ البداية.. ". على أنه واصل الكلام هذه المرة باستهانة " ولكنني أعرف، يقيناً، أنها لن تشهد ضد أمها. إن كلاهما يحقدُ عليّ بنفس القوة، كوني قد تزوجتُ من أخرى قبل بضعة أشهر ". المحقق، حدّق ملياً في عينيّ المتهم قبل أن يسأله: " ولكنك بدَورك لن تنكر حقيقة حقدك على المجنى عليها، بسبب قضية ترميم منزلها في مراكش؟ "
" هذه القضية تخصّ زوجها، رحمهما الله كلاهما. إن حماي هو من رفض دفع حساب عملي في منزله، بحجة أنّ الترميم فيه عيوب هنا وهناك "، ردّ الصهرُ. ثمّ بدا أنه يريد الاستدراك، غير أنه طأطأ برأسه مجدداً. عند ذلك، قال له الضابط بلهجة متعاطفة: " تكلّم بكل ما تعرفه عن القضية؛ فإن ذلك سيكون في صالحك "
" كنتُ أودّ فقط القول، أن تلك الأفعى العجوز ( وكان يعني حماته ) هيَ من حرضني على العبث بمنزل زوجها؛ وهيَ من نقدني باقي أتعابي المستحقة لي بذمته! "، قالها وعلى شفتيه المتورمتين شبه ابتسامة. هز المحقق رأسه علامة على الفهم، ثم عاد يسأل المتهم: " ولنفترض أن كل ما قلته صحيحٌ، فهل يعقل أن تدسّ والدة زوجتك سماً في طعام لن تلبث أن تأكل منه فتتسمّم وتشرف على الهلاك؟ ". هنا، اتسعت ابتسامة الصهر حتى بان طرفٌ من أسنانه: " أ سيدي! أنت من هذه الأنحاء، وتعلم جيداً كيف تسير أمور الناس. إنّ السمّ هوَ سلاح الجريمة شبه الوحيد عندنا، حينما يتعلّق الأمر بالنزاع على أرض أو ميراث! أجل، ولدرجة أنّ بعض الأهل يعمدون إلى تجريع أولادهم مقاديرَ محدودة من السمّ، كي يصبح لأجسادهم المناعة اللازمة، مستقبلاً ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة
- جريمة في منزل الضجر
- في عام 13 للميلاد
- جريمة على الطريق العام
- حكاية من - كليلة ودمنة - 8
- حكاية من كليلة ودمنة 7
- حكاية من - كليلة ودمنة - 6
- حكاية من - كليلة ودمنة - 5
- حكاية من - كليلة ودمنة - 4
- صورة الصويرة؛الضاحية2
- حكاية من - كليلة ودمنة - 3
- العقلية المشتركة للسلطة والمعارضة
- حكاية من - كليلة ودمنة - 2
- صورة الصويرة؛ الضاحية
- صورة الصويرة؛ الحاضرة 2
- صورة الصويرة؛ الحاضرة
- مَراكش؛ جبل توبقال 2


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - جريمة تحت ظلال النخيل