|
جريمة في فراش الزوجية
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 4237 - 2013 / 10 / 6 - 18:50
المحور:
الادب والفن
هذا ما قرأته بصفحة الحوادث، في صحيفة مغربية: عادت " للّا فاطنة " إلى منزلها، وهيَ مطمئنة نوعاً. كانت تقبض على حقيبة يدها بحرص، طالما أنها تحتوي على حجاب حصلت عليه للتوّ من أحد شيوخ الحَوْمة، العارفين بأسرار الجنّ والأرواح. هذه السيدة، الشديدة السمرة والقصيرة القامة، كانت على حدود الحلقة الخامسة من العمر. ويبدو أنّ جملة من الأمراض، مثل السكّري وارتفاع ضغط الدم، قد جعلتها تبدو أكبر من سنها الحقة. علاوة على ذلك، كانت لديها مشاكل أخرى تخصّ أفراد أسرتها. فعلى الرغم من كونها قوية المراس، كأيّ امرأة ريفية الجذور، فإنّ " للّا فاطنة " كانت ضعيفة قدّام معاناة ابنتها من العنوسة بسبب ابتلائها بمرض الصّرع. غيرَ أنّ الحجاب، المحجوب طيّ حقيبتها، لم يكن منذوراً لهذه الابنة المسكينة. " حُسْنة "، كانت لم تبلغ بعد السادسة عشر من عمرها حينما خطبتها " للّا فاطنة " لابنها الوحيد، المتجاوز سن الثلاثين. هذا الابن، من ناحيته، بدا سعيداً بقرينته الرقيقة العود، ذات اللون الحنطي والتقاسيم المتناسقة. إلا أن الخصومة التقليدية الأزلية، بين الكنة والحماة، ما لبثت أن عكّرت هدوء المنزل. كان الابن يتلقى شكوى الأم من اهمال زوجته، فيما هذه الأخيرة تأخذ على حماتها القسوة غير المبررة. وقد حقّ له أن يغضب عليهما معاً، طالما أنه لا يكاد يقضي في البيت سوى سويعات قليلة. إذ كان يبدأ عمله الليليّ، كحارس لرياضٍ يقع في نفس الحومة، فيبقى ثمة حتى صبيحة اليوم التالي، ثمّ يحضر للمنزل كي يتناول فطوره قبل ذهابه بالدراجة النارية إلى وظيفته في مكتب لبلدية إحدى الضواحي. حينما كان الابن يعود من الوظيفة، كان يغلق باب غرفته الكائنة في الدور العلوي، مستمتعاً بقيلولة طويلة نوعاً مع زوجته الجميلة. ليلاً، كانت هذه تنام في حجرة واحدة مع حماتها بالدور الأرضيّ. من بعد، لم يكن أحد ليجرؤ على الصعود إلى الدور العلوي، حتى لو تناهى صوت مريبٌ من السطح. لقد مضى زمن طويل منذ أن رأت " للّا فاطنة " الجنيّ ذا الرداء الأبيض، في ذلك الدور العلوي. ولأن حجرة المرحوم زوجها كانت تقوم ثمة أيضاً، فقد اعتقدت للوهلة الأولى أنها روحه من كانت تهيم في العتمة. حتى كان منتصف إحدى الليالي، حينما أحسّت هيَ بخلوّ الحجرة من كنتها. دبّ فيها القلق عندئذٍ، خاصّةً أن وقتاً مديداً مضى على غياب الفتاة. ما أن أطلّت من باب الحجرة، حتى راعها أن تدرك بأنّ " حسنة " لم تكن موجودة في الحمّام، بل في الدور العلويّ، " المسكون ". على أنها لم تفاتحها بالأمر قط، وأيضاً آثرت ألا تقلق ابنها به. هيَ ذي " للّا فاطنة "، إذاً، عائدة من زيارة الشيخ، محمّلةً بحجاب من المفترض أنه سيقيها شرورَ ذلك الجنيّ. إن تكرار الصعود السريّ لكنتها إلى الدور العلويّ، كان دافعها لتدبّر هذه الوسيلة من لدن الشيخ العارف. فما أن حلّ الظلام، حتى أوى أهل الدار لمضاجعهم. كانت ليلية خريفية، يَسْري خلالها الهواءُ من باب الحجرة، الموارب. تحرّكت " حسنة " من فراشها، ثمّ ما عتمت أن تسللت من الحجرة بحذر بعدما طمأنها غطيط حماتها. هذه الأخيرة، كانت تتصنّع النوم بطبيعة الحال. وقد قامت بدَورها لتتأثر خطى الكنّة، الغريبة الأطوار، قابضةً على الحجاب المبارك بين أصابع يدها. ثمّة، أمام حجرة الابن، خفق قلب الأمّ لما لاح بصيص ضوء أحمر خافت خِلَل ستارة الباب. بيَد مرتجفة، أزاحت طرَف الستارة قليلاً، وإذا بمشهدٍ عارم وعار يصدمها: " حسنة "، كانت هناك على السرير، معتنقةً فتىً غريباً وتتبادل معه قبلاتٍ محمومة. في صبيحة اليوم التالي، تعالى صراخ الابن وعويله بعدما اكتشف جثة زوجته. فيما تلى من أيام، حصلت تطورات عديدة فيما يخصّ هذه الجريمة. ربما أنّ افضاء المغدورة لشقيقتها بعلاقتها السريّة مع أجير خباز الزنقة، هو ما ساعد المحقق على إجلاء لغز سبب مقتلها. إلا أنهم أطلقوا سراحَ هذا العشيق سريعاً، بعدما انتفيَ مبررُ احتمال قيامه بالجريمة. طائر الشبهة، لم يلبث أن دوّمَ فوق منزل " للّا فاطنة "؛ على ابنها الوحيد، تحديداً. حينما كان الابن قيدَ التوقيف، حضر المحقق ليقابل الأمّ. ومنه علمت هذه بأن التحقيق يفترض أن الزوجة قد خنقت حتى الموت خارج حجرتها، عندما كانت تحمل وعاءً بلاستيكياً في طريقها إلى الحمّام. ويبدو بحسب المحقق دائماً، أن القتيلَ كانت تستعمل هذا الوعاء في قضاء حاجتها ونظافتها خلال وبعيد الانتهاء من المضاجعة. كان ثمة أثرٌ للبول على طرف ثوب المجنى عليها، وفي الوقت نفسه، فإن ذلك الوعاء لم يكن في مكانه بحجرتها: لقد عُثر عليه في الحمّام، وكان فيه بقية من بول القتيل علاوة على شهوة العشيق. لاحقاً، وفيما كان القضاء بصدد توجيه تهمة القتل للزوج، حضرت والدته بنفسها إلى قسم شرطة الحومة لكي تعترف بارتكابها للجريمة. ولكنها لم تقدّم ثمّة أيّ دليل ماديّ؛ اللهمّ سوى الحجاب ذاك، المكتوب بخط شيخ العارفين.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة عند مدخل الرياض
-
جريمة من أجل كنز
-
جريمة حول مائدة السّادة
-
جريمة في منزل الضجر
-
في عام 13 للميلاد
-
جريمة على الطريق العام
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 8
-
حكاية من كليلة ودمنة 7
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 6
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 5
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 4
-
صورة الصويرة؛الضاحية2
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 3
-
العقلية المشتركة للسلطة والمعارضة
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 2
-
صورة الصويرة؛ الضاحية
-
صورة الصويرة؛ الحاضرة 2
-
صورة الصويرة؛ الحاضرة
-
مَراكش؛ جبل توبقال 2
-
مَراكش؛ جبل توبقال
المزيد.....
-
لا أسكن هذا العالم
-
مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!
-
بيان إطلاق مجلة سورياز الأدبية الثقافية
-
سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم
...
-
عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على
...
-
الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على
...
-
تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
-
عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
-
جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة
...
-
قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|