|
جريمة من أجل كنز
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 4221 - 2013 / 9 / 20 - 00:20
المحور:
الادب والفن
هذا ما قرأته بصفحة الحوادث، في صحيفة مغربية: الرجل المسنّ نوعاً، المعروف في الحَوْمة بإيثاره للعزلة، كان يمتلك منزلاً جميلاً من دورَيْن ورثه عن أسلافه. لقد سبق أن أسكن ولده الوحيد في الدور الثاني، حينما تزوّج من فتاة ريفية. إلا أن الابن لم يمكث طويلاً ثمّة، فانتقل إلى البادية ليقيم مستأجراً بالقرب من منزل حميه. " سامحه الله!.. فعلى الرغم من وفاة والدته مؤخراً، فإنه رفض العودة للسكنى معي "، هكذا فكّر العجوز بحزن في ذلك الصباح الربيعيّ. كان قد أفاق مبكراً للصلاة، كعادته كل يوم، وما لبث أن انتبه إلى كون جدار الحمّام الغربيّ يرشحُ ماءً. عند ذلك، فكّر مهموماً خلال الوضوء بأن هذا المنزل القديم بحاجة إلى ترميم شامل. بيْدَ أنه لم يكن يملك نقوداً كافية، فارتأى أن يحاول اصلاح جدار الحمّام على الأقل. قبل حلول الظهيرة، كان الرجلُ قد تحامل على نفسه واتجه إلى " ساحة القصبة "؛ هناك، أين يتجمّع عادةً عمالُ البناء، المياومون. كان من حسن حظه ( مثلما قدّر عندئذٍ )، أنه قد حضرَ متأخراً. إذ عثرَ على شابين، بائسي المظهر، تبدو علامات السأم والاملاق عليهما، وكانا قد قعدا على الرصيف في ظل شجرة برتقال. إثرَ مساومة هيّنة، رافق العاملان الرجل العجوز إلى منزله وعلى كتف كلّ منهما عدّة العمل. عند العصر، وفيما كان الهدمُ جارٍ بدأب في جدار الحمّام، حصل الحادث المثير، الذي شكّل محور هذه الحكاية. إذ انهار على حين غرّة جانبٌ من سقف الحمّام، تبعه ما يشبه الانفجار: أجل، انفجار مجموعة من النقود الذهبية على أثر سقوط جرّة فخاريّة، ضخمة، على حافة قاعدة الدرج الحجريّ، المؤدي إلى سطح الدار..! ما ان انقشعت غمامة الذهول، حتى صحا الثلاثة على حقيقة معروفة؛ وهيَ أنّ عليهم التكتّم على هذا الكنز، كيلا يصل خبره إلى علم السلطات. إلا أنّ تقاسم هذه الثروة الجسيمة، المنزلة من الأعالي المباركة، كان همّاً آخر ولا غرو. لحسن فأل العجوز ( حسبما فكّرَ هوَ )، أنّ الشابين كانا طيّبين وبسيطين حدّ الاقرار له بأحقيته في الاحتفاظ بثلثيّ الكنز؛ بما أنه يعود على الأرجح لأحد أسلافه. من ناحيته، تفهّمَ صاحبُ البيت سببَ رغبة شريكيه هذين، الطارئين، في المبيت لديه حتى الصباح التالي. وإذاً، حلّ الضيفان في غرفة الابن الوحيد، المهجورة، الكائنة في الدور الثاني. عند منتصف الليل، حينما كانت حتى أصوات الكلاب المتشردة معدومة، تسلل الشابان إلى الدور الأرضيّ بخفة، ثمّ دخلا إلى حجرة العجوز وقاما بقتله بوساطة المعولين ذاتهما، الذين استعملا في هدم جدار الحمّام. السلطات، علمت بالجريمة في ظهيرة اليوم التالي، بعدما اكتشف الابن الوحيد جثة والده المغدور. في افادته أمام المحقق بقسم الشرطة، القريب من البيت، افترضَ الابن أنّ دافع القتل هوَ السرقة. غير أنه نفى، في المقابل، أن تكون لديه شكوكٌ بشخص ما، مشبوه. وإذاً، انتهت اجراءات تشريح الجثة، ثمّ اعيدت للحومة بهدف الصلاة عليها وتشييعها. ما أن اختلى الابن مع نفسه، في المنزل الكئيب والموحش، حتى أخذ يقلّب الفكرَ في لغز هذه الجريمة. لقد انطبعت ابتسامة خفيفة على فمه، المغطى بشارب دقيق، فيما كان يستعيد افادته قدّام محقق الأمن: " لا أشك بكون ذلك الضابط قد انتبه لما في كلامي من إخبات؛ هوَ من بدا ضجراً ومستعجلاً "، خاطبَ داخله بارتياح. على أنه ما عتمَ أن هزّ رأسه بحركة تصميم، حينما تراءت له جثة والده المهشمة الرأس " قبّح الله أولئك القتلة، اللصوص، الذين فروا بذهب أجدادنا بعدما لوثوا منزلنا بالدم..! ". ثمّة، في مخفر الشرطة، كانت ابتسامة مماثلة تقريباً، مرتسمة على شفتي ضابط التحقيق، الغليظتين. لقد بدا مرتاحاً لنتائج تقصّيه عن خبر ذينك العاملين، الذين أفاد الشهود بقضائهما نهار الجريمة جميعاً في منزل العجوز القتيل. لقد سبق أن ارتاب في افادة ابن الضحية، خصوصاً لناحية تجاهله موضوع التهدّم الحاصل في جدار وسقف حمّام المنزل. وقد أمكن للمحقق بسهولة، على ما يبدو، أن يحصل من " ساحة القصبة " على معلومات كافية عن هذين الشخصين، المشتبهين بارتكابهما للجريمة. أما دافع ضابطنا في تبنّي افادة الابن، والقيام من ثمّ بطيّ ملف القضية؛ فإنه بقيَ بدَوره لغزاً مقيماً.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة حول مائدة السّادة
-
جريمة في منزل الضجر
-
في عام 13 للميلاد
-
جريمة على الطريق العام
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 8
-
حكاية من كليلة ودمنة 7
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 6
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 5
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 4
-
صورة الصويرة؛الضاحية2
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 3
-
العقلية المشتركة للسلطة والمعارضة
-
حكاية من - كليلة ودمنة - 2
-
صورة الصويرة؛ الضاحية
-
صورة الصويرة؛ الحاضرة 2
-
صورة الصويرة؛ الحاضرة
-
مَراكش؛ جبل توبقال 2
-
مَراكش؛ جبل توبقال
-
بشار ابن أبيه
-
موت ممثل صغير
المزيد.....
-
تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
-
عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
-
جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة
...
-
قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
-
-الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
-
-حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
-
كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
-
أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
-
السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي
...
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|