غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4179 - 2013 / 8 / 9 - 13:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذه المرة.. لم أقبل دعوة أصدقائي لمشاركتهم بعيد الفطر. لأول مرة أرفض مثل هذه الدعوة... حيث أنني عودت أصدقائي السوريين واللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين والمصريين على مشاركتهم بأعيادهم وأفراحهم.. وخاصة بمناسباتهم الحزينة أيضا. لأنها من المناسبات النادرة التي نلتقي بها, رغم خلافاتنا وتحليلاتنا السياسية المتوفرة بعد بدء الأحداث السورية.. وكان رفضي يرسل عبر النت أو الهاتف بأنني لا أستطيع المشاركة ــ حاليا ــ بالأعياد والولائم إذ أن أكثر من نصف شعبنا السوري اليوم, محروم من أغلب حاجياته الطبيعية والغذائية, ومن أبسط حاجاته للأمن والأمان وأبسط حريات العيش والتنقل والسفر... وخاصة أننا لا نستطيع بالوضع الحالي, نظرا للأمبارغو المجرم الأثيم ضد بلدنا وأهلنا, لا نستطيع إرسال أية طرود غذائية أو هدايا مختلفة أو حتى أدوية ضرورية. كما كنا نفعل عادة قبل الأحداث المريرة الأليمة التي هيمنت كالتسونامي على ســـوريــانــا الجريحة الغالية.
غــصــة.. غصة مريرة في حلقي. منذ سنتين ونصف السنة.. كلما مر عيد.. أو مناسبة.. أو عيد ميلاد أحدى الصديقات والأصدقاء.. أو اجتماع أصدقاء أو معارف أو بعض اللقاءات السورية واللبنانية وغيرها... لا أستطيع إلا أن أفــكــر بما يحدث على الأرض السورية. في مدنها وقراها. وخاصة عندما أرى الجنازات المختلفة الجماعية, والتهديم والخراب وقوافل المهجرين. لا يمكنني أن أضحك.. لا يمكنني أن أبتسم. وتظهر دوما علامات الحزن والأسى والألم على تجاعيد وجهي المتعب... إذ لا يمكنني أن أمحي صور القتلى والمحروقين أحياء بأيدي قتلة غرباء, ينكلون بأهالينا وبأحبابنا مجانا.. لزرع الموت.. لزرع الموت, ولا لأية غاية أخرى. وأنا أكره الموت وزارعي الموت وأحزاب الموت وأديان الموت... هكذا منذ كنت فتى يافعا... كنت أكره الجنازات, وموت الأقرباء والأصدقاء.. أكره الموت بكل أشكاله.. ولهذا السبب عارضت رجال الدين وتبشيراتهم. لأنهم بتبشيراتهم وتعزياتهم كانوا يرددون دوما أن الموت شيء طبيعي.. يجب أن نتقبله إذا كنا مؤمنين.. هكذا وبكل بساطة... وأنا كنت دوما أكره الموت.. لأن الموت ضد الأعياد وضد الفرح.. وخاصة ضد الحياة والحب والجمال.. ضد الشباب والمرح والأجساد الساخنة التي تنضح بالحياة والحب... لهذا السبب البسيكولوجي الذي سيطر على نفسيتي أكره الموت حتى اليوم.. وبالحساب كل تجار الموت وأحزاب الموت والديانات التي تبشر وتدعو إلى الموت.. وخاصة من يتهلوسون بتفجير أنفسهم, قاتلين مجانا مئات الأبرياء, حتى يرحلوا آنيا إلى جنة هلوساتهم.. والتي لم أقنع حتى بأيام مراهقتي بحقيقة أو صحة وجودها. وكنت دوما اؤمن أن الجنة هي شاطئ اللاذقية, أو صدر دافئ لامرأة حنونة جميلة.
لهذا لا يمكنني أن أســامح الذين مزقوا أحلامي وذكرياتي... لا أحب الذين فجروا هذا البلد لغايات ابعد ما تكون عن المطالب السامية أو عن أي ربيع سياسي واهم. من مزقوا صورة ســوريـا وجمالها.. وحرموها من فرحة العيد...لا يمكنني أن أجلس معهم على طاولة وأن نتحادث حول نرجيلة, وننسى كل ما مزقوا من ذكرياتي وأحلامي. وأن نتحدث عن الطقس أو الشمس, ونشرب القهوة معا.. ناسيا كل ما فعلوا وكل ما أجرموا وقتلوا وفجروا وهدموا... يكفيني اليوم ألا أنسى ما فعلوا بهذا البلد.. رؤية الأطفال المشردين الجائعين, بلا مأوى, بلا غذاء, بلا عيد...يأكلون فضلات الأمم.. وما يتكرم عليهم عــربــان الخليج المنتفخون... بعدما حضنا لاجئي ومنكوبي كل العرب.. أصبح شعبنا شــحــاد العرب, ومن يلملم بقايا موائده...
لا يمكنني أن أسامح كل الحكام الذين توالوا منذ استقلال سوريا حتى اليوم... ولا يمكنني أن أسـامح كل تجار هذه المعارضات الصالونية, التي تسمن وتنتفخ على حساب تفجير وتهديم وتفقير وذبح أهالينا في سوريا ومدنها وقراها وشوارعها المهجورة المهدمة الحزينة... لأنها تعيش وتغنى من الموت... وكما قلت لكم, ورددت لكم ولهم.. إنني لا أحب الموت ولا تجار الموت. وهم تجار الموت, يبيعون الموت ألف مرة كل يوم في زواريب العتمة. بأسماء مختلفة من جبهة النصرة.. إلى دولة العراق وسوريا الإسلامية.. إلى جنود الواق الواق وغيرهم من الملتحين أبناء الموت وشريعة الموت... وكل هؤلاء من جميع الأشكال العجيبة الغريبة التي خنقت فرحة العيد بعيون أطفال بلدي, من الأيتام وغيرهم من محرومي العيد والبهجة.
*************
سألني صديق سياسي سوري مخضرم عتيق, واكب النظام الحالي سنينا طويلة, ثم غادره أو ابتعد عنه, ولكنه ما زال يتنفس ويردد تعاليمه وطرقه اللفظية والنقاشية, بالشكل والجوهر.. رغم اتجاهه اليوم إلى نشاطات أخرى, معلقا على مقالي المنشور بالحوار البارحة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=372254
يسألني ــ محرجا ــ إذا اقصينا السلطة والبعثيين والمحاربين الإسلاميين من حوار افتراضي... إذن من تبقى... حتى يتفاوض... ويحكم سـوريـا؟
بالفعل.. بالفعل سـؤال صديقي العتيق المخضرم المختص بعرض حلول معقدة, حتى لا يوجد حل, واستمرار حالة اللاحل. كما يحدث في مصر اليوم. وكما يجري على أرض اللاحل في سوريا وديمومة الموت. إذن علينا أن نبحث اليوم عن شخصيات ــ رغم ندرتها ــ بعد أكثر من خمسين سنة من ديمومة هذه السلطة, وغياب الحياديين والتقنيين الأحرار والشرفاء عنها. وخطورة تجارب الأخوان ومن يدور في فلكهم عندما يصلون إلى السلطة... يعني وبعد سنتين ونصف من هذه الحرب الفاجرة.. عدنا إلى مشكلة الهروب من الدب حتى نــقــع في الجب!!!... وهمنا اليوم.. همنا الأول أن نوقف هذه الحرب... وأن نــجــد إمكانية إجراء انتخابات صحيحة... انتخابات واضحة سليمة حقيقية.. لا ينتقي خلالها الشعب السوري أيا من هذه الأطراف التي ســاهمت وتسببت بما أصابه كل هذه السنين المريرة.. وحتى هذه الساعة........
ولكل حادث حديث........
*****************
إضــافــة حــزيــنــة
ســمــعــت هذا الصباح نبأ وفـاة الشاعر السوري اللوائي الكبير سليمان العيسى...هذ الإنسان الرائع الذي عرفته شخصيا أولى أيام شبابي في بيت المواطن الشريف الكبير الدكتور وهيب الغانم... وترك عندي كل مشاعر التمسك بالوطن واحترام الآخر...رغم اختلاف آرائنا حينذاك... لهذه الأمثال الوطنية القومية..النادرة.. النادرة جدا... يفتقد وطننا السوري اليوم.
أنحني باحترام وخشوع أمام ذكراه...
للقارئات والقراء الأحبة كل مودتي وصداقتي واحترامي.. وأطيب تحية مهذبة.. حــزيــنــة.
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟