|
ابداعية الشعر والواقع المبدع -3-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4048 - 2013 / 3 / 31 - 21:44
المحور:
الادب والفن
وعلى ضوء هذه الحقيقة لم يعد الدين منهجا وطريقا لتنقية الشوائب والعلائق بين المرء وربه ، بل اصبح الدين ماكينة صدئة لانتاج الصدأ على جميع المستويات اجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية ونفسية . مما يفرض على المبدع المعاصر تجاوز مجموعة هائلة من المعيقات والألغام ، ويوجب عليه أن يتسلح بغربال ذهني ونفسي معقد ، ويتهيأ في كل لحظة لتصحيح الاختلالات الشاملة التي ينضح بها واقعه العربي جملة ، وواقعه المحلي تفصيلا . وباعتبار الدين مكونا ثقافيا ووجوديا أساسيا ، تراجعت مجموعة من القوى السياسية المثقفة العربية عن نظرتها السابقة اليه باعتباره معوقا وحائلا أمام ابداعية الانسان ، وضدا على حقيقته التطورية والاقتحامية ، مسقطين آراء غريبة وغربية عليه ، دون محاولة الاقتراب منه ، على الرغم من هذيانهم وسط لجه وبحره بطرق متعددة وبأساليب مختلفة ، وبرغم أن مصادرهم ومراجعهم أثبتت الحقائق العلمية قراءتهم للدين ولم تثبت تنكرهم له ، فان هؤلاء السياسيين المثقفين ، فطنوا مؤخرا الى ضرورة الاقتراب من الدين وملامسته للأم الشرخ الهائل بينهم وبين مجتمعهم . تجديد الوعي الديني ، اعادة فهمه ، الاستئناس به حتى ، يبقى هو السبيل للخروج من هذا التصدع الوجودي الذي يعيشه المثقف العربي ، والذي منح الفرصة للرويبضة كي يستأثروا بتأطير الانسان العربي المسلم ، ويؤثر طردا على المحيطين الاقليمي والدولي ويصنع هذا الجيش العرمرم من المتفيقهين وأتباعهم الذين تمتلئ بهم أوطاننا . كيف أكون معاصرا بفهم عصري لديني ؟ والسؤال الأهم هل الدين ضد الحرية ، حرية التفكير ، حرية الابداع ، حرية العيش المشترك ، حرية الاختيار ، حرية الرأي ، حرية التعبير ؟ الجواب البدهي ، لا . ولأن المقال لا يتسع للاستشهادات ، فان الله غني عن العالمين ، ان يشأ يذهبكم ويأتي بقوم غيركم . لا يتصور المبدع والمفكر الحر أن هناك تعارضا بين العقل وبين النص ، بين الوجود والغيب ، بين الشاهد والغائب ، هناك مراحل تتطلب لغتها ، ابداعها فنها ،مطالبها ، رهاناتها ، فالسياق المعاصر الآني ، ليس هو سياق معاهدة كامب دايفد مثلا ، كما لا يمكن أن يكون سياق صراع الأمويين مع البيت العلوي ، ولا هو سياق عرب الأندلس ، بل ليس هو سياق أحداث 2001 . والابداع هو تعيين الفراغات التي تملأ هذه الفجوات الهائلة بين مختلف المراحل ، وبين اللحظة واللحظة ، وبين حركات المجتمع الواحد وانتاجاته اليومية وعلا قاته البينية ، من أجل تقليص الهوة بين الغيب وبين الواقع ، بين رجل الدين وبين رجل الدنيا ، بين المرأة والرجل ، بين الحاضر والمستقبل دون اهمال النقط المضيئة للماضي. الابداع هو المحصلة الاضافية للوعي الشامل ، هو اللحمة التي تمنح كل شيئ حقه في الوجود ، دون مصادرة الواقع الذي لا يرتفع .لا تتعلق القضية بمسألة التوفيق او مصالحة الفكر الديني بالحياة وبالعلم ، فالقضية تتجاوز هذا المعطى ، لأن الصيرورة لمن يراقب بدقة لها وقعها على الطرفين ، والتجربة الشخصية لهذا أو ذاك لا تمثل القاعدة الطبيعية للأشياء ، لكن تطور الحياة أنتج اليوم تساؤلات اكراهية على الطرفين . سقوط الفكر اليساري العربي في قلاع كثيرة ، وسقوط الفكر الديني في حصونه الأثيرة ، وضع الجانبين أمام دهشة المجتمع من انفصال من يدعون أنهم المتحدثون بلسانه ، وهم المتحدثون بلسان الله . وقد يتساءل مسائل عن وضع الشعر في ما سلف ، فأقول :الخلفية الجمالية والخلفية الفنية ، والأبعاد الدلالية للغة ، تتركب أساسا من نماذج واقعية ، من معطيات الحياة التي نتفاعل بها ومعها . فالشعر هو الجواب الفني والجمالي عن اشكالاتنا الصلبة ، وهوالعملية الصناعة الروحية التي تعمل على تنقية المواد الخام التي نتلقاها من مناجم الواقع والحياة اليومية . وبذلك يغدو الشعر هو المرجع الجمالي والابداعي لابداعية الواقع التي نتفاعل معها وتؤثر فينا ايجابا وسلبا ، وتمدنا بالشحنات الانفعالية التي تتجسد أبياتا وصورا وتراكيب وقد أشبعها الخيال بما تيسر من مائه .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحث عن الغائب الحاضر -3-رواية
-
البحث عن الغائب الحاضر -2-رواية
-
اشكروا الظلام......اشكروا القتلة
-
لا تتوتري
-
البحث عن الغائب الحاضر -1-رواية
-
عن أي مغرب يتحدثون ؟
-
الاستقالة كتعبير حضاري
-
لعبة الموت
-
اسرائيل تعتذر
-
استقلال القضاء واستغلاله، في المغرب أي علاقة ؟
-
بين الثورة والثقافة -1-
-
المغرب بين الدستور الجديد وعقل الحديد
-
الارهاب حالة دولة
-
ما زال للورد عطره
-
كلمة صادقة الى الشعب السوري الأبي -2-
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع -2-
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع-1-
-
رسالة تحذير
-
أمطار الجحيم -27- رواية
-
كان يمكن أن .....
المزيد.....
-
نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط
...
-
تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
-
السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
-
فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف
...
-
بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ
...
-
مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
-
روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
-
“بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا
...
-
خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر
...
-
الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|