|
الاستقالة كتعبير حضاري
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4042 - 2013 / 3 / 25 - 19:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاستقالة في العالم العربي شأن لا محل له من الاعراب في ثقافتنا ، فهي تعد كحالة شاذة لا يقاس عليها ، وكفعل مذموم لا يأتيه الا المنهزمون ، كأننا أمة تعيش تخمة الانتصار وترفا في الازدهار .في حين أن واقعنا وحقيقتنا لا يؤشر على وضعهما غير مفهوم وواقع الانهزام والانكسار ، ولا شأن لنا بمداليل الانتصار والتفوق والتطور ،فكل قواميس اشتغالات حقولنا فارغة من مصطلحات النجاح والتفوق والتطور ،وما علينا الا العودة الى مختلف مؤشرات التنمية الدولية في جميع الميادين . واذا كان تعريف الاستقالة عند فقهاء القانون والادارة هو انقطاع العمل بين العامل ورب العمل ، بما يترتب عنه طلب الاعفاء من الوظيفة وقبولها ، فان للاستقالة السياسية مفهوما يتجاوز طلب الاعفاء الى تقديم رسالات مشفرة لجميع الفاعلين السياسييين والمجتمع . وقد تندرج داخل هذا المفهوم الواسع بعض الاستقالات المهنية ، غير أن تركيز الموضوع حول الاستقالة السياسية يفرض علينا منهجية حصر الموضوع في اطاره الضيق الذي قد يتسع من منظور معرفي الى حقل الادارة والعمل الروتيني العادي . ولعل هذا ما يجعلنا نبحث ونتساءل عن غياب الاستقالات السياسية في العالم العربي رغم النتائج الكارثية التي يحصدها جميع الفرقاء السياسيين ، بما في ذلك التعيينات التي تتم في المؤسسات المدنية ، فغير خاف أن جميع مرافقنا أخفقت منذ الاستقلال في تحقيق الاكتفاء الذاتي ، سواء تعلق الأمر بميدان نظري كميدان التعليم ، أوبميدان عملي كميدان الفلاحة والصناعة ، فنحن برغم توفرنا على أراضي فلاحية شاسعة وخصبة لا نزال نعتمد على الاستيراد في مجموعة كبيرة من المواد الاستهلاكية المرتبطة بالقطاع الفلاحي ، كما أن الصناعة عرفت في بعض الأقطار العربية تراجعا كبيرا بعد أن كان اقلاعها ينبئ بقدرة على تحقيق قفزات نوعية وكمية في مجال الصناعة ، كمصر وسوريا مثلا . ورغم هذا التراجع والاخفاق فان حالات الاستقالة تبقى حالات نادرة في المجتمعات العربية ، نظرا لطبيعة هيكلة الدولة والمجتمع العربيين ،ونظرا لطبيعة الثقافة المفروضة علي هذه الشعوب ، بما يعطي الانطباع على كونها شعوب لا دخل لها فيما يتعلق بمستقبلها ،ولا يد لها في ترتيب بيتها ، كل ما في الأمر أن عليها أن تبتلع فشل حكامها بكل أدب وانصياع ، على الرغم مما كشفته ثورة شعوبها من اختلالات لا تمث الى روح العصر بصلة ، كاستحواذ بعض الحكام على جميع ثروات ومقدرات البلاد ، وبيع ممتلكاتها العامة وتحويل عائداتها الى حساباتهم الشخصية ، وسيطرة العائلة الحاكمة على خيرات الوطن . في هذه الحالة لا يمكن الحديث عن منطق ومفهوم الاستقالة ،لأن البلد كله يكون في حكم اقطاعية تابعة لنفوذ الحاكم الأوحد دون تقييد دستوري أو عرفي لحدود العلاقة بين الحاكم والمحكوم . وبذلك تعتبر كل التعيينات في المناصب العليا منحة من السيد وليس استحقاقا يستوجب المحاسبة والمراجعة ، والمنحة لا ترد ، خاصة اذا كانت آتية من الأمير بالمفهوم التقليدي للأمير باعتباره ظل الله في الأرض والناطق الرسمي باسمه . واذا كان مفهوم الاستقالة غربيا يعني من جملة ما يعني ، كما يذهب الى ذلك الأستاذ خالد محمد الصغير في جريدة "سبق " ترجمة عملية لتحمُّل المسؤولية والالتزام الأخلاقي للموقع الوظيفي، وفي بعض الأحيان اعتراف ضمني بالتقصير في أداء المهام والمتابعة، وعدم القدرة على تحقيق الهدف المنشود، أو اعتراف بالاختيار الخاطئ للعناصر التي أوكل لها القيام بالعمل". فهذا يمنحنا فرصة النظر والتأمل في انتفاء الاستقالة في العالم العربي ،واعتبارها نقيصة رغم تكبد قطاع ما في ظل مسؤولية أحد ما خسائر وانتكاسات عظيمة قد لا تتحملها ميزانية الدولة ولا الوضع الاعتباري لها ، والأنكى من ذلك أن تتم ترقية المتسبب في هذا الاخفاق والفشل الى مراتب أعلى كتعبير صريح عن عبثية التدبير والتسيير في الدول العربية . لكنه يظل منطقا صريحا ومتساوقا مع منطق المنحة والهبة والريعية ، مادامت العلاقات لا تحتكم الى القوانين المؤطرة لحقل العمل والوظيفة والمسؤولية ، وما دامت العلاقات تعتمد على قانون توزيع خيرات الوطن بين الحاكم والساهر على تنفيذ مخرجات حكمه . ورغم أن المغرب مثلا قد أدخل في دستوره الأخير فصلا صريحا يربط المسؤولية بالمحاسبة ،وتبعه في ذلك القطر المصري الشقيق الا أن الملك والحكومة في المغرب والرئيس وجماعته في مصر ، هم أول من يخرق نصوص الدستور تعبيرا عن عقلية الهيمنة والتسلط واعتبار الحاكم فوق كل المسؤوليات ، وضدا على جميع قوانين المحاسبة والمراجعة ،ويقدمون الحماية والحصانة لكل من فشل في مهامه ،وكأن الفشل هو السمة الأساس المفروض جنيها بعد مدة من تسلم المهام . فالاستقالة تعني من جملة ما تعني تحمل كامل المسؤولية الشخصية عند وضوح فشل ما أو اخفاق ما ، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية ،كما تعني أن هناك صحوة اجتماعية تراقب كل اختلال أو خطأ ينعكس سلبا على كل ما يتعلق بالمؤسسات العامة . لكننا في العالم العربي وبرغم الاخفاقات التاريخية الموروثة أبا عن جد ،وحزبا عن حزب وحاكما عن حاكم ،لانزال الى حدود كتابة وقراءة هذا المقال نعيش زمن العبثية في تدبير الشؤون العامة للوطن وللمجتمع . في حين نقلب وجهتنا نحو الدول الغربية وبعض الدول الآسيوية باستثناء الدول العربية ، نقف اجلالا واكبار أمام ثقافة الاستقالة عند شعوب ومسؤولين وحكام يحترمون نفسهم ومستقبلهم ووطنهم ، لأن همهم الأكبر هو تطوير الوطن كمفهوم اجتماعي وليس كمفهوم فردي أو جماعي ، والهدف الأسمى هو ارتقاء المواطنين كذوات تشترك في الرفع من قيمة أسهم الوطن ، وليس جمع الثروات وتخزينها في حساب الحاكم الفرد الأحد . ولا ضير هنا من الاشارة الى استقالة السيد نجيب ميقاتي التي جاءت لتضع حدا لتداخل الحزبي بالدولة ، ورهن مصير الدولة اللبنانية لحسابات أضيق بكثير من البعد الحضاري للبنان وأبنائه . كما يجب تثمين استقالة رئيس الائتلاف السوري السيد أحمد معاذ الخطيب احتجاجا على اكتفاء المنتظم الدولي بالتفرج على ابادة الشعب السوري الأعزل ، وقد استطاع أن يلخص مفهوم المنصب بقولة حكيمة حين قال :"اننا لنفهم المناصب وسائل تخدم المقاصد النبيلة، وليست اهدافا نسعى اليها او نحافظ عليها".
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعبة الموت
-
اسرائيل تعتذر
-
استقلال القضاء واستغلاله، في المغرب أي علاقة ؟
-
بين الثورة والثقافة -1-
-
المغرب بين الدستور الجديد وعقل الحديد
-
الارهاب حالة دولة
-
ما زال للورد عطره
-
كلمة صادقة الى الشعب السوري الأبي -2-
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع -2-
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع-1-
-
رسالة تحذير
-
أمطار الجحيم -27- رواية
-
كان يمكن أن .....
-
من يحكم المغرب ..؟
-
المرأة في المجتمع العربي
-
أنت كل السنة
-
دعاة أم طغاة -1-
-
حبات المطر والأفكار -قصة قصيرة -
-
الديمقراطية العربية بين النظرية والواقع
-
العدالة الانتقالية وضرورة التجاوز
المزيد.....
-
بريطانيا: توقيف 200 شخص خلال تظاهرة تأييد لمنظمة -فلسطين أكش
...
-
فرصة حزب الله التاريخية قد حانت
-
6 أسرار في -سيري- لم تكن تعرفها قبل
-
محللون إسرائيليون: نتنياهو يعرف أن حماس لن تستسلم لكنه يحاول
...
-
صحف عالمية: إسرائيل تنزف إستراتيجيا وخطتها للسيطرة على غزة و
...
-
كيف توازن غرف الأخبار بين الحصول على التمويل واستقلالية التح
...
-
لبنان يندد بتصريحات ولايتي بشأن سلاح حزب الله
-
الجيش اللبناني يحذر من تعريض أمن البلاد -للخطر-
-
الجيش الروسي يسيطر على -يابلونوفكا- ويسقط 475 مسيرة أوكرانية
...
-
حماس تحذر إسرائيل من -مغامرة- احتلال غزة
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|