|
البحث عن الغائب الحاضر -1-رواية
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4045 - 2013 / 3 / 28 - 16:19
المحور:
الادب والفن
البحث عن الغائب -1-رواية ****************** هنا فقط عندما تكون فاشلا يحتقرونك ، وعندما تنجح يحسدونك . قام بالتفاتة خاطفة ليتفحص المكان جيدا ، واستدار الي وهو يحاول أن يقول شيئا يبدو أنه خطير ، لكنه كما بدا لي أحجم عن ذكره ، بعد نظرة متفحصة في عيني . لم أعمد الى تحسيسه بالخوف الدفين المترسب في أعماقه ، فقد كان اللقاء الأول بعد غياب قارب خمسة عشر سنة بين مكاتب الاستخبارات المختلفة ، وفي مختلف المدن المغربية . وبحكم دراساتي الجامعية التي تخصصت فيها بشعبة علم النفس ، وشغفي الكبير بقراءة سحنات الناس ، للوصول الى حقائقهم الباطنية ، ليس للسيطرة عليهم كما تفعل مختلف الاستخبارات الدولية ، ولكن لمحاولة فهم نبضات المجتمع الذي قدر لي أن أعيش بين أهله . فبعد حصولي على شهادة الماجستير في علم النفس وجدت نفسي عاطلا عن العمل ، لكني لم ألتحق بأي جمعية ولم أشارك في أي تظاهرة من أجل توظيفي ، انطلاقا من مبدأ راسخ أن الحياة أكثر انفتاحا من التقوقع في حفرة المكاتب الوظيفية . لاتمنح أبدا فرصة للمتربصين كي يسخروا منك . اشتغلت مدة سنتين في مهن مختلفة ، حرة وان كانت في عرف المجتمع مهنا مبتذلة ، لكنها كانت تحفظ لي نوعا من التوازن النفسي ، ومواجهة بعض تكاليف الحياة ، مد اليد ولو الى أبيك مذلة وسنك يقارب السادسة والعشرين. بعد مدة وجدت نفسي محررا في مجموعة من الجرائد . كانت علاقتي بالصحافة بمحض الصدفة ، حين تعرفت على مصطفى القعبوري في شاطئ الغندوري ، وهو يجري بحثا عن الشاطئ ورواده ، ودخلت معه في تحليل نفسي واجتماعي لرواد هذا الشاطئ البعيد نسبيا عن مختلف المناطق الحضرية لسكان مدينة طنجة ، ووصلنا الى قناعات علمية عن طبيعة رواد هذا الشاطئ . فاقترح علي الالتحاق معه في كمساعد محرر في جريدته . لايمكن تصوير مدى الفرحة التي هجمت علي حين اقترح علي ذلك المنصب ، قبلت في الحين . والتحقت بمهنة المتاعب لأبدأ حياة أخرى . أحمد المجباطي الذي ألتقيه اليوم كان صديق الدراسة في جامعة محمد الخامس بالرباط . كان طالبا مميزا ، معروف بهدوئه ورزانته ، عكسي تماما انا المشاغب المتمرد على طقوس المألوف والمتعارف عليه . لم اعرف أين اختفى منذ أن حصل على شهادة الاجازته ، كل ما سمعته عنه أنه توظف وانتقل الى مدينة لا أحد يعرف اسمها ولا نوع الوظيفة . وهاهو اليوم يجلس معي في مقهى ميتروبول ، شخص يبدو عليه كأنه تحول الى كتلة من العقد التي يسيطر عليها هاجس الخوف والفزع من شيئ ما ، ربما كانت التفاتته الأخيرة تعبيرا عن فوبيا الآخر ، أي آخر ، حتى أنا صديقه توجس مني وابتلع ما كان يريد الافضاء لي به. تعلمت من علم النفس أن أقتنص الفرص وأختصر الزمن بطرق ذهنية بسيطة ، كاعتماد تقنية اللامبالاة ، أو ادخال المخاطب في محاور عديدة في فترة وجيزة لتشتيت تركيزه قبل ان أن تسأله عن جوهر ما تريد فهمه منه . وهذا ما صنعت مع أحمد ، اذ بعد دقائق قليلة من الحديث عن الصحة والعائلة والأحوال والمستقبل ولقطات الفيلم في التلفزة التي لم نكن نركز مشاهدتنا عليها، سألته : -أراك متعبا أخي أحمد ، هل تود أن ارافقك الى المنزل ؟ رد علي وهو يبتلع الطعم : -لا ابدا ، كل ما هنالك ،أني مرهق وضجر من عملي . -الارهاق تعب يا أحمد ..........وابتسمت كأن الأمر جد طبيعي ، يدفعني حسي الصحفي الى ارهاقه أكثر دون أن يحس ، ففي هذه اللحظات التي يتشتت فيها ذهن بعض الأفراد ، يمكن أن تلتقط منهم اشارات تفيد في الوقوف على حقيقة ما يحسون به ويضمرونه . حك صدغه قليلا ، ارتشف رشفة من فنجان قهوته الأسود ، أشعل سيجارة ، وبعد أن أخذ نفسه الأول نفث الدخان من بين شفتيه بكثافة وراح يتطلع اليه وكأنه يدير في رأسه الكلمات التي يمكن أن يطلق سراحها . قال وكأنه سيكشف لي سرا عظيما : -هل تدرك يا سعيد مدى المعاناة النفسيية التي أجتازها ؟ تصور أن تمتلك كل شيئ واكثر لكنك لا تمتلك نفسك وذاتك . - لا اخفيك ، لم أفهم شيئا ، كتصور نعم أنا معك ، لكن ما علاقة هذه الحقيقة بك ؟ خفت أن يشتم من سؤالي حريق المباشرة ، لكنه كان قد دخل نفق البوح المظلم ، حين عقب علي يقول : -عملت في مهنتي ما يناهز خمسة عشر سنة ، كان العمل مرهق نفسيا ، ولم اكن في الحقيقة مؤهلا له ، ولا أستطيع معرفة كيف اختاروني لهذه الوظيفة ، لكنني الآن أحس بأشياء تتصارع في داخلي ، وبتأنيب الضمير ، لم أعد أحتمل مواصلة العمل معهم . ثم توقف ، بدت على وجهه علامات شحوب قوية وهو يلتفت خلسة ليراقب الجالسين حولنا . لكن المقهى في ذلك الصباح الممطر كان شبه خال ، ولا أدري كيف لم ينتبه لهذا . وهذا ما جعلني أخمن أنها حركة لا ارادية راسخة في لاوعيه بفرط الرقابة الذاتية المبالغ فيها ،المفروضة في موظفي الاستخبارات ..
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن أي مغرب يتحدثون ؟
-
الاستقالة كتعبير حضاري
-
لعبة الموت
-
اسرائيل تعتذر
-
استقلال القضاء واستغلاله، في المغرب أي علاقة ؟
-
بين الثورة والثقافة -1-
-
المغرب بين الدستور الجديد وعقل الحديد
-
الارهاب حالة دولة
-
ما زال للورد عطره
-
كلمة صادقة الى الشعب السوري الأبي -2-
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع -2-
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع-1-
-
رسالة تحذير
-
أمطار الجحيم -27- رواية
-
كان يمكن أن .....
-
من يحكم المغرب ..؟
-
المرأة في المجتمع العربي
-
أنت كل السنة
-
دعاة أم طغاة -1-
-
حبات المطر والأفكار -قصة قصيرة -
المزيد.....
-
مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل
...
-
الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع
...
-
ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع
...
-
في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
-
-يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا
...
-
“أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن
...
-
“أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على
...
-
افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
-
بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح
...
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|