|
أسبابُ تدهورِ العلمانية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4046 - 2013 / 3 / 29 - 06:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في زمنيةِ النهضةِ والتحرر الوطني والتضحياتِ العامة صعدتْ قيمُ العقلانية والديمقراطية والعلمانية في حدودِ المستوياتِ الثقافية العربية، فقد كانت ضروراتُ النضال الوطني تفترضُ مقاربةً لهذه الأسس التحديثية، حيث بقيت أشكالُ وعي المذاهب الإسلامية والأديان التقليدية المتعددة متناقضةً ومتصارعة، مانعةً لأي توحدٍ وطني وقومي ضد الغزاة. كانت المستوياتُ الثقافية الدينية تعودُ لزمنية الانحطاط بعد الخلافة ولهيمنة الامبراطورية العثمانية الإقطاعية التي دبغتْ الأقطارَ العربية ببساطٍ ثقافي متخلفٍ اسطوري وجعلتْ الدروشةَ هي ذروةُ الانهيار الثقافي الفكري! مقاومةُ رثاثِ العصور الوسطى قامتْ به قوى متعددةٌ مسيحية وإسلامية متنورةٌ ركزت على مبادئ عامة مجردةٍ كالتنوير والنهضة والدعوة لتنامي أنواع الأدب والفن وهي دعواتٌ انتشرتْ وتواكبت مع حركات التحرر الوطنية العربية المتصاعدة بصعوبةٍ خلال عقود، وغدا البحثُ في مشكلات المجتمعات المحورية كالاستعمار وغياب التصنيع والتخلف الثقافي والتفكك الشعبي متواكباً مع مهماتِ النضال الملموسة على الأرض كتوحيدِ الناس وجذبهم عن الدروشةِ والخرافات وتوصلت التياراتُ إلى تحييدِ الأديان بفهمها المحافظ الطائفي التفتيتي للمواطنين وإلى تخفيفِ سيطرتِها على الفئات الوسطى النشطة في ميادين الأعمال والصحافة والثقافة وتواكب ذلك مع صعودِ العلاقات الرأسمالية الحرة وقوى العاملين والمثقفين الأحرار في زمنيةِ الاستعمار حيث لم تؤسس الدولُ الغازيةُ رأسمالياتِ دولٍ شمولية. مقاربةُ جوانب من الوطنية والعقلانية والعلمانية كانت في حدودِ الشعارات، فأدواتُ التحليل لم تدرسْ الأديانَ كأشكالِ وعيّ مرتبطة بتطور المنظومة الإقطاعية ولهذا اعتبرتْ الطوائفَ كأوهام وخزعبلات مغرضةٍ مدسوسة على المسلمين، وليس كبُنى اجتماعية مرتبطة بعلاقات إنتاج عتيقة موضوعية، تكفي الشعارات العاطفية الوطنية لصهرِها وكنسها! إن العديد من المقولات المركزية في هذا النشاط النضالي الثقافي كالوطن والحرية والشعب تعرضتْ كذلك للتسييس السطحي، فكانت العلمانية هنا شعاريةً مرتبطة بمحدودية العقلانية والديمقراطية حيث تترابط هذه السمات للتطور التحديثي بشكل عميق. ولهذا فإن فهمَ الإسلام كدينٍ مركزي لهذه الشعوب اتسم بالتسطح، ولم يحدث نقدٌ عميق للمذهبيات السياسية المنبثقة من تطييفهِ وجعلهِ في خدمةِ الطبقات العليا المتصارعة، كما أن التطور الاقتصادي لم يتسم بالحرية والتوحيد فالقوى الاقطاعية في حقول الزراعة والسلطة والعلاقات الاجتماعية والثقافة استمرت قوية، مفككةً البُنى الوطنية والقومية، وهي جوانب برزتْ على صعيد الوعي في تفاقم صعود المذهبيات السياسية التفكيكية بعد زوال الاستعمار، ولهذا لم تستطع الانقلاباتُ العسكرية ومجريات الاستقلال أن تتغلغلَ في تحرير البُنى الاقتصادية وتوجيهها للاقتصادِ الحر فكانت الاصلاحاتُ مرتبطة بهياكل الدول الشمولية، وتم على العكس تخريب جوانب كبيرة من الاقتصاد والحياة الاجتماعية والثقافية، وتفاقم حضورُ الإقطاع مع صعودِ رأسماليات الدول الشمولية، فكان تدهورُها الأخير وهزيمة هذه الشموليات السياسية الفوقية أو أزمات تطورها مترابطة مع عودة الطوائف السياسية المتحاربة وسقوط العقلانية الفكرية وتفاقم الهجوم على الحريات الشخصية والفكرية! إن عدمَ النمو على أسسٍ إقتصادية حرةٍ تدريجية مصاحبة لنهضةٍ عقلانية علمانية ديمقراطية مواكبة، تعبيرٌ عن قوة القوى الشمولية المتعددة والتي تخندقتْ في المذاهب المحافظة سواءً كانت من نتاجِ أديانٍ سماوية أم من نتاجِ قوى دكتاتورية برجوازية صغيرة متطرفة، ورغم تناقضاتها الجانبية فقد راكمتْ ونصرتْ معاً البُنى التقليدية الخرافية والاستبدادية في خاتمة المطاف. ولهذا فإن تدهور العلمانية هو تدهورٌ للديمقراطية والعقلانية، حيث ان التكالب في الهجوم على العلمانية من قبل القوى الإقطاعية العائدة والمرتدين من قوى التحديث المتساقط يعكس استمرار القوى الرجعية في السيطرة على الجماهير العربية في علاقات متخلفة وبإنتاج مأزوم ضعيف العلاقة بتطور القوى المنتجة العالمية وبالعلوم ومن خلال شبكاتٍ سياسية استبدادية ذات مظهر ديمقراطي زائف وبعلاقات اجتماعية أبوية مُضعفةٍ لتجديد العائلة. إن هذه البُنى تشعرُ بتناقضها المتواصل المتفاقم مع التطور البشري وتزداد ارتداداً وتعصباً وعنفاً من جهة، وتفككاً وضياعاً من جهة أخرى! ولهذا تغدو العودةُ لشروط النهضة المنقطعةِ ضرورةً مصيرية وبرؤية مستقبلية كذلك فيتطلب الوضع توسعاً للجبهات الديمقراطية التحديثية العلمانية مع قفزات في أدوات المعرفة المواكبة لعصر جديد.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصدامُ التاريخي بين كتلتين
-
تحللُ النقدِ الثقافي الاجتماعي
-
الصراع الإيراني العربي
-
بلزاك.. الروايةُ والثورةُ (10-10)
-
بلزاك: الروايةُ والثورةُ (9)
-
المراحلُ التاريخيةُ والموقفُ المغامرُ
-
صراعٌ قومي وشكلهُ ديني
-
ظلالُ الامبراطورية على إيران وروسيا
-
لحظةٌ حاسمةٌ في تاريخِ العلمانية العربية
-
قاطرةُ التاريخِ
-
طائفتانِ في مجرى الصراعِ السلبي
-
صراع القبائل والنصوص
-
سوريا من انتفاضةٍ شعبية إلى حربٍ أهلية
-
بلزاك: الرواية والثورة( 8- 8)
-
بلزاك: الروايةُ والثورةُ (7 -8)
-
غيرُ قادرين على التوحيد
-
شيعةُ العربِ ليسوا صفويين
-
تبايناتُ القوى التقليدية
-
العقائدُ المتأخرةُ والثقافةُ
-
صراعُ الإقطاعِ والبرجوازية العربي
المزيد.....
-
من دعا من؟ خلاف يسبق لقاء البابا ورئيس إسرائيل في الفاتيكان
...
-
مصر.. ساويرس ورده على -دليل إلغاء الإخوان للديمقراطية- يشعل
...
-
قاليباف: على الحكومات الإسلامية اتخاذ خطوات عملية لوقف آلة ا
...
-
من الحركيين إلى التقليديين: إعادة إنتاج الأفيون باسم الإسلام
...
-
الكنيست يصوت على تعديل مصطلح -الضفة الغربية- إلى -يهودا والس
...
-
حرب غزة وتداعياتها.. هل أثرت على الأقلية اليهودية في تونس؟
-
الاضطرابات تجتاح أكبر دولة إسلامية في العالم.. فما الذي يجب
...
-
الموصل تستعيد رموزها التاريخية: افتتاح الجامع النوري والحدبا
...
-
استنكار واسع في بلجيكا بعد إدراج طبيب كلمة -يهودية- ضمن قائم
...
-
السوداني يفتتح رمز مدينة الموصل الجامع النوري ومنارته الحدبا
...
المزيد.....
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
المزيد.....
|