أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - بلزاك: الروايةُ والثورةُ (7 -8)














المزيد.....

بلزاك: الروايةُ والثورةُ (7 -8)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4031 - 2013 / 3 / 14 - 08:10
المحور: الادب والفن
    




في روايته (سرفيتا) ينعطف بلزاك نحو جنس روائي يسميه (قصة من الدراسات الفلسفية) وهو جزءٌ من الملهاة الانسانية، وتمثل طبيعة مختلفة عن الأجزاء الأخرى من الملهاة، فالمكانُ الذي يغدو مكاناً للسرد ليس من تلك الأمكنة التي اختبرها بلزاك الممثلة لتطور البنية الاجتماعية الحديثة، فهنا ليس ثمة مدينة ولا ريف، بل صقيع، وجزءٌ ناء من شمال أوروبا حيث النرويج لا تزال في ضباب التطور الحديث.
فهو كما ينعطف نحو جنس روائي مختلف ينعطف نحو بُنية مختلفة، بُنية ما قبل الرأسمالية الحديثة، تتكشف هنا اكثر طبيعة بلزاك المتقلبة.
الافتتاحيةُ وعتبةُ الروايةِ المتوجهة نحو البؤرة تصورُ بشكلٍ آخاذ طبيعة النرويج:
(فالبحر يتغلغل في كل مكان، لكن الصخور تتشقق فيها بشكل مغاير وجروفها الصاخبة تتحدى التعابير الغريبة للهندسة، هنا صخر قد تسنن لمنشار، وهناك موائد كثيرةُ الاستقامة لم تعان من إقامة الثلوج فوقها ولا من ذوائب شجرات التنوب الشمالية المهيبة)، ص 6، سرفيتا، وزارة الثقافة السورية، .2001
هذا الوصفُ المطول لمشهد الطبيعة ينزلُ إلى السكان:
(في أسفل جبال جرافيس تقبعُ القريةُ المؤلفة من نحو مائتي بيت من الخشب، حيث يعيش سكان ضائعون، كما تضيعُ قفائرُ نحل في غابة، وهم يواصلون العيش دون أن يتزايدوا أو يتناقصوا ساعين وراء تحصيل معيشتهم من قلب تلك الطبيعة المتوحشة)، السابق ص.9
هو اختيار لمشهد مجمد عن حراك التاريخ الاجتماعي، كعتبةٍ نحو البؤرة الروائية، التي تظهر فجأة على قمة هذا الجبل الذي لم يصل أحدٌ إليها!
التكوين الطبيعي الساحر يقود للتكوين البشري السحري، والساردُ المؤلفُ الدائمُ الحضور سابقاً في العروض الاجتماعية يتحولُ لعرضٍ فكري:
(إن كل مبدأ متطرف يحملُ في ذاته مظهرَ النفي وعلائم الموت: أليست الحياة صراعاً بين قوتين: فليس هناك ما يغدر بالحياة. قدرة واحدة تسود دون معارضة هي قوة الجليد غير المنتجة)، ص .14
هذا التحليلُ غيرُ التاريخي المجردِ سيحوله المؤلفُ لطبيعةٍ اجتماعية مجردةٍ غيرِ قابلةٍ لنفاذِ التناقضات الاجتماعية.
شخصيتان تظهران فجأة في تلك القمة الجبلية الصقيعية، وهو ظهورٌ غير موضوعي فنياً، بل من قبلِ الإرادةِ الحرةِ للسارد، المتداخلة مع الإرادة الحرة المُتخليَّة للإله:
(في صبيحة يوم كانت الشمس تلتمع فيه.. مر شخصان على الخليج وعبراه وطارا.. فارتفعا نحو القمة وقفزا من إفريز إلى إفريز).
نرى المنزلقين الاثنين اللذين يصعدان الجبال: سرافيتوس وسرفيتا. كائنان كما أنهما يخرقان نواميسَ الطبيعة الجبلية كذلك يخترقان نواميسَ الجنس والعيش العادي.
(قالت وقد بدرت منها حركةٌ ميكانيكية لترمي بنفسها: إنني أموت يا حبيبي سرافيتوس.. فنفخَ سرافيتوس برفق على جبينها وعينها؛ فبدت فجأة كمسافر تمتعَ بحمامٍ منعش). ص 17
سرافيتوس حين نفخَ فجأةً غيّرَ شعور سرفيتا.(تقول من أنت لتكون لك هذه القوة فوق قوة البشر وأنت في هذا العمر؟).
كأن القوة الخارقة له هي من خرق ناموس العمر وليس خرق ناموس الطبيعة عامة.
الصوفيةُ تتدفقُ في كلام سرفيتوس:
(إن أردتِ أن تكوني نقيةً فضعي دائماً فكرة العلي القدير في عواطف الأرض) ص.24
يُبنى السردُ على تجريدٍ غرائبي يعطي لشخصياتِ السماويين إمكانيات عجائبية: عبور الجبال، والقيام بمعجزات، والعيش بين الأرض بتضاريسها القاسية والسماء بغموضها السرمدي المكتمل غيباً.
ويعتمدُ تصوير المعجزة السردية على تغلغل السماويين في البشر العاديين وجلبهم للخوارق التي يصنعونها.
لهذا فإن ولفرد الرجل المتغرب العائش في النرويج سيكون هو محطة التجريب العجائبي هذه.
فمينا التي بدأت بالالتحاق بالمعجزة الربانية المتجسدة في شخصية سرفيتوس عبر التأثير الخارق غير المرئي لنا:
(إنت مثل الكمال المثبط للهمة). (لماذا تبعدني عنك، أريد أن تكون ثرواتي الأرضية لك، كما أن لك ثروة قلبي، ولا أرى النور إلا من خلال عينيك، كما يشتق فكري من فكرك)، ص .24
لكن سرفيتوس لا يمكنه العيش على الأرض حيث الوضع متقلقل، فيريدُ السماء، ويعد مينا للالتقاء بها هناك!
يقوم سرفيتوس بتنظيرِ صوفيةٍ تقيم تضادات كلية بين الإنسان والإله، بين العالم الموضوعي والعالم المتخيّل الغيبي. الإنسان يغدو عابراً، والمجردات أبدية. في حين إن الإنسان من نمط سرفيتوس يصنعونها في شروط مجردة، في عالم الثلج النرويجي، حيث الرأسمالية نائمة.
تسأله مينا: كيف وجدتَ الوقت لتتعلم كل هذه الأشياء؟ يقول إنه لا يتعلم بل يتذكر، يعيدُ اتصالَه بالغيب، بالفيضِ الإلهي فينزلُ في رأسه، في تضاريسِ المادة الخشنة.
الصوفيةُ التقليديةُ خاصة في العالم الشرقي هائلة ويعيدها بلزاك إلينا:
(إننا أحد أكبر منجزات الله. ألم يمنحنا القدرة على أن نعكس الطبيعة وأن نركزها فينا بالفكر، وأن نجعل منها مرقاة نحوه؟ إننا نتحاب بقدر ما تحويه أرواحنا من السماء قليلاً أو كثيراً.).



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غيرُ قادرين على التوحيد
- شيعةُ العربِ ليسوا صفويين
- تبايناتُ القوى التقليدية
- العقائدُ المتأخرةُ والثقافةُ
- صراعُ الإقطاعِ والبرجوازية العربي
- ممثلو الصوتِ الواحد كيف يتحاورون؟
- الوعي الديني والإقطاعُ المناطقي
- الرأسمالياتُ الحكوميةُ والربيعُ الدامي
- المسلمون في مفترقِ طرقٍ
- تسلقُ البرجوازية الصغيرةِ الديني
- بلزاك: الرواية والثورة(6-6)
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (5 - 6)
- الحريقُ الطائفي ينتشر
- طفوليةُ الكلمةِ الحارقة
- اليمن والخليج بين المبادرةِ والمغامرةِ
- بين ضفتي الخليج
- الديمقراطيةُ البرجوازيةُ العماليةُ
- الحزبُ الديني ورأسُ المالِ الوطني
- التجربتان العراقية والإيرانية: تبادلُ أدوارٍ
- المَلكيةُ والجمهوريةُ وتناقضاتُ الوضعِ العربي


المزيد.....




- تــــابع كل المسلسلات والأفلام الهندي والعربي.. تردد قناة زي ...
- المتحف المصري الكبير.. هل يعيد كتابة علاقة المصريين بتاريخهم ...
- سميرة توفيق في أبوظبي: الفن الأصيل ورمز الوفاء للمبدعين العر ...
- -الخارجية- ترحب بانضمام الخليل إلى شبكة اليونسكو للمدن الإبد ...
- جمعية الصحفيين والكتاب العرب في إسبانيا تمنح ‏جائزتها السنوي ...
- فيلم -Scream 7- ومسلسل -Stranger Things 5- يعدان بجرعة مضاعف ...
- طبيبة نرويجية: ما شاهدته في غزة أفظع من أفلام الرعب
- -ذي إيكونومست- تفسر -وصفة- فنلندا لبناء أمة مستعدة لقتال بوت ...
- لن تتوقع الإجابة.. تفسير صادم من شركة أمازون عن سبب تسريح نح ...
- حزب الوحدة ينعى الكاتب والشاعر اسكندر جبران حبش


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - بلزاك: الروايةُ والثورةُ (7 -8)