أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - طفوليةُ الكلمةِ الحارقة














المزيد.....

طفوليةُ الكلمةِ الحارقة


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4017 - 2013 / 2 / 28 - 08:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين يهاجم مثقفٌ متنورٌ معتقدات الناس القديمة المتوارثة المتواصلة وهم في غياهب الظلمات غارقون في البؤس، ويضربُ مقدساتهم بسياط كلماته، لا يجني سوى الشقاء.
وهذه بطبيعة الحال ستكون شرارة. أما احترقتْ أجسادُ المتنورين في نهاية العصور الوسطى بنيران الكهنة؟ لكن حيواتهم الثمينة احترقتْ مع جلودهم وأدمغتهم والعطاء المأمول منهم.
أحمد القبانجي أو تركي الحمد بنقدهما لمقدسات الناس يتم اصطيادهما في السجن وتُهدد حياتهما.
الهجماتُ ضد المقدس التي تطال الرموز البشرية والاعتقادية جزئيةٌ، انفعالية، غيرُ مبنيةٍ على درس عميق وتحليل مديد.
هي التنويريةُ الطفولية، وحرقةُ مثقفِ التيارات الاجتماعيةِ الثقافية القلقة المعبرة عن الفئات الصغيرة ولعدمِ وجودِ الطبقات المنتجة الجماهيرية بثقافتِها المتأصلةِ الواسعة الانتشار، وهذه التنويريةُ الساطعةُ في لحظةٍ حادة كأنها انفجارُ نجمٍ، فهي تريدُ دهسَ الظلام دفعةً واحدة، كأن الظلامَ هو شخصٌ ماضوي، أو فهمٌ أعوج لحادثةٍ، مركزيةٍ في الذهن الشعبي السحري، وهذه التنويريةُ الفردية الشجاعة والطفولية كذلك تَحدث في العالم العربي الإسلامي بشكل مستمر وهو يعيدُ إنتاجَ الشموليات والتخلف على مدى قرون.
ولكنه كذلك يشكلُ تجديداً ويراكم طبقات صغيرة من التحولات.
لهذا نجد التنويري مثل لحظة طه حسين أو أحمد القبانجي أو تركي الحمد، ذا صلة هشة بالطبقة الوسطى مشروع النهضة الاجتماعي، حيث نجدُ هذه الطبقة في اللحظة التاريخية المعينة أجساماً صغيرة مُفتتةً، تركزُ على دكاكينها ووكالات تجارتها، وإيجاد مقاولات وأعمال لدى ملاك الزراعة الكبار والحكومات.
فلا تجد هذه الفئات أي صلة بين نقد الشعر الجاهلي ومشروع النهضة والتحرر من الاستعمار وقيام الدولة الوطنية.
وكان انفجارُ طه حسين جاء في جُملٍ صغيرة تسخرُ من تاريخ ديني، في حين أن الكتاب ليس ذا صلة وثيقة بهذه الجُمل التي حُذفت في الطبعات التالية ولكن الكتاب حرك سلسلةً طويلة من البحوث في تاريخ العرب.
الناس الذين ينتقد المتنور تصوراتهم الدينية السحرية ُ يعيشون في عالم ذي أسس موضوعية تكرس العلاقات غير السببية، فالفلاحون يحرثون الأرض بمحاريث تقودها الثيران، والتجار مشدودون لمخازنهم يكدسون البضائع يريدون بيعها بأعلى سعر ويستغلون المشترين ما أمكن ويتهربون من الآلات والمصانع إلى بناء العمارات السهلة الربح.
وإذا جاء القليلُ النادر منهم للمتنور في جامعته أو كتابه أو برنامجه الفضائي سيغضبون من جمله الناقدة لتراثهم الديني المقدس.
إن كل ما كتبه وحرق عمره من أجله لم يصل لهؤلاء الناس، فراح يسلطُ عليهم نيرانَ عباراتهِ من أجل أن يحركهم ويستثيرهم ولكنه جرحهم وبلبلهم.
وما يكتبهُ من آراء تنويرية مثالية لا تصل لتحليل العلاقات الموضوعية التي يعيشون فيها، ولو كان كذلك ما صفعهم بجُملهِ، فهو يسخر من رموز يقدسونها، لا يجدون بينها وبين مشكلاتهم علاقة. وهو يتصور أنه بقلقلةِ وجود هذه الرموز يتمكن من تغييرهم وهدايتهم للتقدم المنشود.
إن هذه الفئات الوسطى الصغيرة غير قادرة على تجميع رؤوس أموالها الصغيرة لبناء المصانع الحديثة، التي تُخرج الناس من المزارع الصغيرة ومن الحِرف ومن الجثوم في المقاهي، وعبر هذه التحولات تظهر ظروفٌ جديدة لهم، للثقافة، ولمحو الأمية، والارتباط بالأجهزة التقنية المتطورة، وإنتاج أجيال من المتعلمين المختلفين، حيث يحدث هنا تراكمٌ للمعرفة الجماهيرية العلمية، وحيث يبدأ الناس بفهم الحياة والمجتمع بأشكال موضوعية.
لهذا نجدُ أن لحظةَ طه حسين تم تجاوزها مصرياً حيث حدثت تطوراتٌ كبيرة ولكنها لم تكتمل بعد، في حين أن أحمد القبانجي العراقي لاتزال بلاده غير قادرة على خلق مثل تلك التطورات المركبة ولم يتواجد الحضن الجماهيري الديمقراطي الحديث الواسع. في مصر تُطرح مسألة فصل السياسة عن المذاهب بقوة الآن من أجل التركيز على برامج التحول الاقتصادي الشعبي، وهو البرنامج الذي يرسخُ أكثر بنيةَ المصانع وبنية الحداثة والمعرفة العلمية، فيما تغدو تصورات الإنسان الدينية من حريته ومن حقه.
ولكن إضاءةَ المتنور المغامرة تُستخدم من قبل القوى المتطرفة دينياً في تكريس التخلف والقمع، فهي تقتنص الخطأَ الإجرائي في عرض المعرفة التي لم تأتِ في سياقها الديمقراطي الجماهيري الحديث فتجعلها جريمة.
هكذا كان أصحابُ المغامراتِ اللادينية في العصور الوسطى يهاجمون المعتادَ الشعبي من الدين دون قدرة على تغيير وعي الناس، لأن هذا الوعي مرتبط بظروفِ إنتاجهم ومعاشهم وتقاليدهم وحياتهم الشخصية، فيذهب المتنور ضحية الفخاخ التي يصنعها المحافظون وضحية مستوى المعرفة المحدود في الناس.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليمن والخليج بين المبادرةِ والمغامرةِ
- بين ضفتي الخليج
- الديمقراطيةُ البرجوازيةُ العماليةُ
- الحزبُ الديني ورأسُ المالِ الوطني
- التجربتان العراقية والإيرانية: تبادلُ أدوارٍ
- المَلكيةُ والجمهوريةُ وتناقضاتُ الوضعِ العربي
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (4 -4)
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (3 - 4)
- الفاشيةُ الإيرانيةُ وذيولُها
- هل يمكنُ إصلاحُ رأسمالية الدولة؟!
- شكري بلعيد.. اغتيالٌ يكشفُ أزمة (2-2)
- شكري بلعيد اغتيالٌ يكشفُ أزمة (1-2)
- تركي الحمد والقراءةُ التقليديةُ
- مرحلةٌ جديدةٌ من التغيير
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (2- 2)
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (1-2)
- التوصيفُ الطبيعي للربيع العربي
- تسريحُ العمالِ ومسئوليةُ الانتهازيين السياسيين
- أسباب تمكن الحركات الطائفية من الاختراق
- تصادمُ المذاهبِ المُسيّسة


المزيد.....




- شي وبوتين يتفقان على أولوية وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائ ...
- وول ستريت جورنال: تكلفة خيالية تتكبدها إسرائيل لاعتراض صاروخ ...
- سحب عشرات الطائرات العسكرية من قاعدة أميركية في قطر
- صفارات الإنذار تدوي بشكل مستمر في منطقة البحر الميت بسبب هجو ...
- مستشار وزير الخارجية الإيراني يكشف عن فشل -مؤامرة إسرائيلية ...
- صحافية أمريكية: استخدام سلاح نووي تكتيكي لضرب موقع فوردو الإ ...
- -الخلايا النائمة- المرتبطة بـ-حزب الله- والمدعومة من إيران ت ...
- مخاطر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في علاج المشاكل النفسية ...
- سحب مكملات فيتامين شهيرة من الأسواق الأمريكية بسبب خطر يهدد ...
- اكتشاف آلية جينية تساعد على استعادة الأطراف المفقودة بالكامل ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - طفوليةُ الكلمةِ الحارقة