أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - بلزاك: الرواية والثورة(6-6)















المزيد.....

بلزاك: الرواية والثورة(6-6)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4020 - 2013 / 3 / 3 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


في روايته (الثأر) نقرأُ نفس الارتكاز على بؤرة الانقلاب الاجتماعي السياسي، فعودةُ المَلكية فوق جثة الجمهورية تُعطي لوعي بلزاك القومي هزةً نقدية تحليلية لواقع فرنسا.
العتبةُ السرديةُ الروائية ليست منفصلةً عن بؤرة الرواية، فالرجلُ الكورسيكي القادمُ من تلك الجزيرة إلى العاصمة باريس، يحملُ ابنةً صَبيةً منقذة من مجزرة في قريته في تلك الجزيرة حيث الثارات العائلية الريفية تمثل البقايا الاجتماعية لما قبل الرأسمالية، وهو هنا يدخل في قصر الحُكم حيث بونابرت وأخوه ومكتبه القيادي، يقودان مرحلةً مختلفة من الثورة الفرنسية المُجهَّضة.
تمثل النابليونية الإمبراطوريةُ هزيمةً لمُثُل الثورة الديمقراطية حيث كانت تلك المثل في غبش الولادة للنظام الرأسمالي، وكان الصراع بين الشمولية والديمقراطية مُتلبساً، والصراع بين اليعاقبة والجيرونديين مُستقطباً غيرَ منتج لتيار تحولي ثوري ديمقراطي، والذي سوف يتكون عبر عقود القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
إن تحديات الثورة الفرنسية جمعتْ القوى المحافظة في القارة الأوربية، وتوجهتْ للقضاء عليها، ولم يكن سوى جيش نابليون ينهي هذه التناقضات الداخلية والخارجية، لكن عبر إقامة دكتاتورية شخصية فئوية، وكان بطلُها القادم من جزيرة كورسيكا تعبيراً عن القوى العسكرية ذات الجذور الريفية التي ترسملتْ ولكنها لاتزالُ تحتفظُ بأجزاء من بناءٍ فوقي إقطاعي مضادٍ للبناء التحتي الرأسمالي المتغلغل عبر العقود.
يغدو النظامُ الإمبراطوري النابليوني معبراً عن القومية الفرنسية في صعودِها وغزوها للبلدان الأوروبية وفي حفاظها على استقلال فرنسا المُنتهك من قبل الغزاة الذين تمكنوا من كسر الإرادة الفرنسية الحرة.
فليس تكرار البؤرة هو عمل عفوي، إنها وطنية بلزاك الأبية وقد وجدتْ في نابليون رمزاً، وهنا يقوم الرجلُ الكورسيكي ذو الشيم الريفية المتعصبة بالدخول في عالم الطبقة المسيطرة المترجرجة عبر هذا التاريخ المضطرب.
إنه يطلبُ الحمايةَ من صديقه نابليون حيث كانا من منطقة واحدة، ومطالبه الانتقامية تُرفض من قبل بونابرت زعيم الدولة، لكنه لا يمانع من التستر على جريمته في قتل خصومه في عملية الثأر الفظيعة التي جرت، والتي لم ينجُ منها من العائلة الأخرى سوى ولد سيكون له شأن في هذه الرواية المُقامة على الصراع القَبلي والصدف الاستثنائية.
بقرارت ذاتية تمكن من نقل (بارتولوميو) العامي إلى طبقة النبلاء، وعاش هو وعائلته في أصيصٍّ زجاجي خارجَ التاريخ السياسي لحين دخوله في التاريخ العائلي المتصادم مرة أخرى.
فلم تؤد الإطاحة بنابليون في تغيير موقع هذا النبيل، ولم يشارك في عمل تاريخي أو سياسي، ليكون تحت خدمة بلزاك في حفرياته الروائية.
العتبة السردية في الرواية كانت تُدخلُ إلى البؤرة المأساةَ العائلية الثأرية المستمرة عبر الأنماط الفردية.
عتبةٌ أخرى تنشأُ في المرسم حيث مجموعات من البنات يشتغلنَّ في لوحاتٍ وتدريبات فنية على يد أستاذ هو الآخر نابليوني الهوى.
بدت هذه العتبةُ منقطعةً عن العتبة السابقة لكنهما اتصلتا عبر تنبيهات الراوي وتنامي الحلقات التي يشيدها، فالصراعُ بين الفتيات الارستقراطيات والبرجوازيات يشيرُ إلى مناخ فرنسا المتقلب، حيث المَلكية العائدة والنابليونية المهزومة، وتظهر ابنة الكورسيكي صاحب القضية الثأرية النبيل حالياً، ذات حضور آخاذ في المرسم، وحيث مهارة الراوي تندغم بالتشكيل.
لكن هذه الحلقة تتضاءل مع ظهور بؤرة الرواية وهي العلاقة العاطفية بين هذه الابنة وضابط شاب من جيش نابليون المهزوم يعاني جراحه، ويقعُ تحت عيني هذه الفتاة!
وسرعان ما تشتعلُ هذه العلاقة وتتعملق فوق جزئيات الرواية الأخرى.
حبكةٌ بدأت من جزيرة في البحر الأبيض المتوسط وتناسجت مع صراعات سياسية تاريخية وانفصلت عن الشبكة هذه كلها، لتتعقد داخلياً وتتفجر مأساة.
وطنيةُ بلزاك الرومانسية تجمع هنا شخصيات الحلم القومي البونابرتي في بنيةٍ تتشكل عبرَ الصدف، ولكن الحلم القومي الثوري مات في الواقع، وقد أنجبَ أسرةَ حب في مرسم فن، بين ضابط جريح شجاع، وفتاة عاطفية وطنية، وتتمكن بقايا عالم الإقطاع وعادات الثار وعدم التطور الديمقراطي في الريف عامة، من هزيمة الحب وعدم نجاح الشابين في البقاء زوجين ثم حيين وقد انقطع الأهلُ عنهما وعاشا في ضنك عنيف.
تمكن زمن ما قبل الرأسمالية من هزيمة الوطنية، ويشير هذا إلى ضعف الُبنية الرأسمالية الوليدة وضعف تطور القوى الفلاحية المؤيدة للدكتاتورية البونابرتية، وهذه الشموليةُ مُصعّدةٌ في وعي بلزاك الروائي على شكلِ مأساةٍ في عائلة فردية.
ما هي علاقةُ مأساة العوائل المتقاتلة في الجزيرة بنابليون والصراع مع المَلكية العائدة؟
إن التطور الجمهوري الديمقراطي الذي أطلقته الثورة لم يستمر لضعف الطبقة المنتجة له، وكان نابليون الذي قفزَ عن هذا التطور وغمر الفلاحين العسكريين بخيرات البلدان المغزوة، وطورَ من البنية الرأسمالية عبر هذه الهيمنة الشمولية فهو أعادَ المَلكية بشكل متطور، فكان لابد أن يغدو رمزاً لها، وهكذا غدتْ العوائلُ الريفية تعيشُ مأساةَ ما قبل الرأسمالية وعجز الرأسمالية عن التطور الشامل معاً.
وبطبيعة الحال كان لابد أن يكون (الأبطال) البارزون هم من (الوطنيين)، وهنا فإن بلزاك يتعاطف مع هذه القوى الفلاحية والوطنية، لكنه يرفض عدم تطورها الاجتماعي لكنه لا يغوص لمجمل تناقضات البُنية التي خلقتها بهذا المستوى.
غياب التحليل على المستوى الروائي بعدم تطور الشخصيات وعدم قيام علاقات واسعة في الرواية، يواكبه تحول البؤرة الروائية إلى قصة عائلية، فالأبطال الوطنيون لم يتطورواً نضالياً، ولم يتخلصوا من تخلفهم الاجتماعي، ولم يجعلوا الحب مزيلاً لعادات الثأر.
وأمام الحيثيات الواقعية الجزئية المرصودة والمتنامية روائياً، والمأخوذة من عيناتٍ حقيقية جرت في التاريخ الحقيقي، فجثمتْ الشخوصُ والحبكة في مستوى الانعكاس الجزئي، ولم تقرأ التحولات الراهنةَ والمنتظرة في بنية رأسمالية جنينية.
لهذا فإن الفلاحين هم أكثر حضوراً هنا وفي أعمال أخرى، لكنها كطبقةٍ تتعرض للانهيار والتحول، ولا تستطيع سوى أن تكون ضحيةً وليس قوة تغيير وطنية في النمط الرأسمالي الوليد، الأمر الذي يؤهل العمال لذلك، عبر تحولات متصاعدة تاريخياً.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (5 - 6)
- الحريقُ الطائفي ينتشر
- طفوليةُ الكلمةِ الحارقة
- اليمن والخليج بين المبادرةِ والمغامرةِ
- بين ضفتي الخليج
- الديمقراطيةُ البرجوازيةُ العماليةُ
- الحزبُ الديني ورأسُ المالِ الوطني
- التجربتان العراقية والإيرانية: تبادلُ أدوارٍ
- المَلكيةُ والجمهوريةُ وتناقضاتُ الوضعِ العربي
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (4 -4)
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (3 - 4)
- الفاشيةُ الإيرانيةُ وذيولُها
- هل يمكنُ إصلاحُ رأسمالية الدولة؟!
- شكري بلعيد.. اغتيالٌ يكشفُ أزمة (2-2)
- شكري بلعيد اغتيالٌ يكشفُ أزمة (1-2)
- تركي الحمد والقراءةُ التقليديةُ
- مرحلةٌ جديدةٌ من التغيير
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (2- 2)
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (1-2)
- التوصيفُ الطبيعي للربيع العربي


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - بلزاك: الرواية والثورة(6-6)