أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - بلزاك.. الروايةُ والثورةُ (10-10)















المزيد.....

بلزاك.. الروايةُ والثورةُ (10-10)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4042 - 2013 / 3 / 25 - 09:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعبر رواية (النسيبة بت) وهي من أواخر أعمال بلزاك عن أثر غياب التحليل الاجتماعي الفكري على بناء الرواية حيث تتحول لرواية عائلية وعاطفية.
إن بؤرةَ الصدام بين مرحلةِ الثورةِ الفرنسية وعودةِ المَلكية لم تعد قادرةً على تغذيةِ التناقض الصراعي المتوتر، فالماضي الثوري غدا متجاوزاً، وبين بدايةِ العشرينيات ومنتصف الثلاثينيات من القرن التاسع عشر حدثت تطوراتٌ كبيرةٌ في البُنيةِ الاجتماعية الفرنسية، فلم تثمرْ عودةُ المَلكية في تصعيدِ الارستقراطية التي ذُبلتْ مواردُها وتحول بعضُها إلى الرأسمالية وانهارَ بعضُها الآخرُ إلى الحضيض الاجتماعي كما رأينا في نماذج عدة، وراحت رواياتُ بلزاك تعرضُ هذه الأحداثَ والتطورات في مشهدياتٍ كثيرة راصدةٍ وجودَها الراهن، مبتعدةً عن الجذور والتوسع في طبقات أخرى.
لهذا فإن بؤرةَ التناقض زالت، والطبقتان المتعاديتان تداخلتا في بعض، فبعضُ قوى الماضي بقي في الإداراتِ الجديدة، وبعض قوى الحاضر الرأسمالي صعدَ نحو القمة، فالتناقضُ بين الطبقتين لم يعد قادراً على إشعال موقد التوتر الصراعي السردي، فالنماذجُ القديمة المضادةُ للارستقراطية ذابتْ وترسملت، وهي تلك النماذج الاستثنائية كالوكونيل شابير التي لم تعدْ تطفح على سطح الواقع لتثيرَ نيران التناقض. أن الطبقتين المتصارعتين طويلاً غدتا طبقة واحدة.
ولم يجد بلزاك تناقضاً اجتماعياً كبيراً في الحقل الاجتماعي يشتغل عليه باتساع كما هو حال التناقض السابق، ولهذا نقرأُ روايةَ (النسيبة بت) في هذا الضوء.
إن ثمة شخصيات محورية من الزمن النابليوني لا تزالُ تتنفس ولكن في عالم مختلف.
أهمها البارون هيلو والسيد كروفيل، اللذان مثلا تلك الجماعة البونابراتية التي تغيرت سبلُها في العيش، ففيما صعد هيلو في الإدارة إلى مرتبة الوزارة وصار (نبيلاً) اعتمد كروفيل على التجارة الشعبية المذمومة في عرف الارستقراطيين لكنه حقق نجاحاً كبيراً.
لقد اصطدم نموذجا عهد الثورة الآفلة هيلو وكروفيل لكنهما اصطدما حول الاستئثار بعشيقات، وطوال أحداثِ روايةٍ كبيرة بحجم (سبعمائة صفحة من القطع الصغير في الترجمة العربية، عن دار عويدات ببيروت) وهو أمرٌ يعبر عن تحلل هذه الفئة، وتقوقعها حول ذواتها وبدون أن تخوض معارك تحولية جديدة في المجتمع، فيما تبقت نماذج نادرةٌ من العهد السابق منقذةً ومُحتفظةً بشرفها الجمهوري.
إن العتبات الأولى في الرواية البلزاكية المعتادة الموجهة نحو بؤرة الرواية تختفي في رواية (النسيبة بت)، فالبؤرةُ الروائية تظهرُ منذ البداية حيث نرى زيارة كروفيل لبيت البارون هيلو ولقائه بزوجته البارونة (أدلين) حيث يراودها عن نفسها عارضاً بوقاحة مزايا مادية كبيرة، انتقاماً من زوجها الذي خطفَ عشيقته المغنية!
أدلين المرأة المتقدمة في السن والمحتفظة بجمالها ترفض ذلك إيماناً منها بالمُثُل المسيحية وحباً في زوجها رغم معرفتها بخيانته.
هذه اللحظة الافتتاحية الواسعة المتحركة بين البيت ذي الأثاث القديم الرثِ والحديقة، تتضافرُ مع حركةِ النسيبة بِت ومراقبتها الفضولية وهي التي تجلسُ مع الابنة أورتنس، ومن هنا تبدأ الخيوطُ في الظهور والانسياح في كافة الاتجاهات الحدثية.
النسيبةُ بِت التي تتخذُ الرواية من اسمها عنواناً، قادمة هي الأخرى من الريف كذات عائلة النبيل فيلو التي لم تكن نبيلة لكن خدماتها للثورة ونابليون صعدتها، لكن بِت لا تزال فقيرةً وهي منمطةٌ ومعقدةٌ ومليئة بالحقد والتظاهرِ كذلك بفعلِ الخير وخدمة العائلة في الوقت التي تقوم بنخرها، إنها نموذج البرجوازي الصغير المدمر، وهي تعقدُ علاقةً مع مهاجر فنان بولندي هارب من بلده إثر ثورة فاشلة، وهو يقدمُ على الانتحار لكنها تنقذه وتتملكهُ كعبد وتدعي تطويره، وهو يرضخ لارادتها ويتغير، فتسيطرُ عليه مؤقتاً، ريثما يحب بشكل حقيقي ابنة فيلو البارون (اورتنس)، ويفلت من شبكة بِت، ليقعَ في شبكة أخطر هي شبكة الجميلة البغي التي يقع معظم رجال الرواية في حبها، وتصطادهم وتعطيهم مواعيد مختلفة، وتستفيد من أمكنة متعددة، فيما بيتها هو مكان الحفلات والعلاقات.
محور الرواية شخصية فيلو البارون تترابط خيوطُها مع زوجته وابنته وعشيقته الجديدة التي يجمع الأموال من أية جهة وخاصة من مورد عائلته، ومن جهاز الدولة، ومن مساعدة قريب له هو( خاله) الذي يسافر للجزائر التي خضعت للاستعمار الفرنسي حينئذٍ ويضاربُ في قمح الدولة ويتعرض للسجن فينتحر، ينتزع هيلو البارون أي مال لكي يلقيه في حريق شهواته الذي لا ينطفئ حتى آخر سطر من الرواية.
فيما منافسه كروفيل يلاحقه ويكتشف علاقته بـ(السيدة مارنيف) فُيغيرُ على المكان ويلقي شباكه على تلك المرأة الفاتنة التي تصطاده وتسحب جزءًا كبيراً من ثروته.
فيما تقوم النسيبة بت بحبك المؤامرات لمن تستفيد منه، وهي تشعر بالغبن حين يتخلى عنها الفنان البولندي ويتزوج أورتنس فتتزعزع العلاقات داخل الأسرة، التي لا تنتبه لهذا وينحدر الأب فيها لمهاوى الأفلاس ويتبرأُ منه أخوه المحتفظ بالمُثُل القديمة ويطرده من الوظيفة، ويعيش متخفياً في أمكنة حقيرة، ويظل يطارد البنات الصغيرات ويموت على هذا.
شبكةٌ كبيرةٌ من الشخصيات والعلاقات وهي كلها تدور في الحاضر، وبالسرد المباشر، المتصاعد، وتغدو الالتفاتات للماضي محدودةً وتجري من قبل الراوي المسيطر المهيمن على السرد، حيث يقدم خلفيات للشخوص والأحداث ويهتم اهتماماً شديداً بكمِ النقود التي يحصلون عليها بدقة شديدة، ووظائف تحصيل هذه الدخول، والبيوت التي يسكنون فيها، والتغييرات المعمارية التي تستجد وفواتيرها، ومن يربح في هذه الدخول ومن يخسر، وكيف تتسبب الميزانيات في الصعود أو الانهيار للشخصيات المختلفة.
يقدم بلزاك الشخصيات والأحداث بإنسيابية عفوية، فليس ثمة عقدة كبيرة، بقدر ما هي شهوات بعض الرجال الحادة التي تعبرُ عن فراغ روحي فكري، وهي كلها ضمن الطبقة السائدة التي بدا أنها تراكمُ الثروةَ من قبل الفرع البرجوازي وتخسر الثروة في الفرع الارستقراطي، الذي لم يستطع إنتاج مهن جديدة.
فيما كانت الشخصيات التي تبيع قوة عملها، كِبت التي تعملُ خادمةً ثم تستغل موهبتها في الخداع والدس في جمع ثروة، فهي أشبه بحشرة سامة متسلقة، فيما الفنان (لونسيسلاس) يبيعُ مادةَ موهبته المحدودة التي لا يثريها بالتواضع والدرس فتذبل.
فيما الغواني يعشنَّ على الجمال الذي يزول بكوارث، فستفيد الشخصيات الحشرات العالقة من هذه الكائنات كزوج (السيدة مارنيف).
هذا العرض الواسع المتشابك للشخوص وتطورات الأحداث ينمو بصدامات غير جوهرية في البناء الاجتماعي، فالعاشقان الغنيان المتصارعان عبر البيوت والشقق والحفلات والهدايا ونسج العلاقات الجزئية الأخرى لنفس البؤرة يخثران السرد في هذه التطورات غير الدرامية، ولا تضيف الشخصيات الثانوية حطباً لهذه النار الخافتة، والجميع يتحلل ويذوب وتتحول الأمكنة من البيوت والفلل الكبيرة إلى الشقق الصغيرة والحارات الشعبية.
تناقض الطبقتين الارستقراطية والبرجوازية الذي تغذى به روي بلزاك في رواياته الاجتماعية القصيرة المكثفة يُفتقدُ بشكل متواصلٍ مع غيابِ أساسه الاجتماعي، واندماج الطبقتين اللتين غدتا طبقةً واحدة من أصول مختلفة، ويظل الصراع على طبيعة المَلكية حيث تعبر عن بقايا الارستقراطية التي لم تعد مطلوبة ولكن بلزاك لا يتعرض الصراعات التاريخية بل يدرس مشاهد إجتماعية قاطعاً إياها عن سيرورتها وتطوراتها اللاحقة وهو منهج يحيل الحبكة إلى درس موضعي، ومن هنا يقوم بتهميش أفراد الطبقة العاملة فتظهر على هيئة أفراد تابعين وممسوخين، ولهذا تغدو هي المفقود الاجتماعي في هذا العرض البلزاكي الواسع والتي هي القادرة في حضورها على تأجيج التناقض فنياً كما تفعل ذلك اجتماعياً وسياسياً، ولهذا تغدو رواية بلزاك رواية برجوازية عائلية تفتقد الصدامات الاجتماعية الواسعة.
(انتهى)



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (9)
- المراحلُ التاريخيةُ والموقفُ المغامرُ
- صراعٌ قومي وشكلهُ ديني
- ظلالُ الامبراطورية على إيران وروسيا
- لحظةٌ حاسمةٌ في تاريخِ العلمانية العربية
- قاطرةُ التاريخِ
- طائفتانِ في مجرى الصراعِ السلبي
- صراع القبائل والنصوص
- سوريا من انتفاضةٍ شعبية إلى حربٍ أهلية
- بلزاك: الرواية والثورة( 8- 8)
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (7 -8)
- غيرُ قادرين على التوحيد
- شيعةُ العربِ ليسوا صفويين
- تبايناتُ القوى التقليدية
- العقائدُ المتأخرةُ والثقافةُ
- صراعُ الإقطاعِ والبرجوازية العربي
- ممثلو الصوتِ الواحد كيف يتحاورون؟
- الوعي الديني والإقطاعُ المناطقي
- الرأسمالياتُ الحكوميةُ والربيعُ الدامي
- المسلمون في مفترقِ طرقٍ


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - بلزاك.. الروايةُ والثورةُ (10-10)