أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مختار سعد شحاته - رحلة صعود إلى أعلى الدرج.















المزيد.....

رحلة صعود إلى أعلى الدرج.


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 4032 - 2013 / 3 / 15 - 17:28
المحور: المجتمع المدني
    


تجربة شخصية مع المرض:

يُبقينا المرض على مسافة متوازنة مع البشر ومع أنفسنا، وربما يزيل أستارًا جمة، لكنها في النهاية تفضي بنا إلى حالة من التركيز في بعض الأشياء دون غيرها، فكيف يدفع المرض بنا إلى هذا التركيز؟ أليس المرض ضعف؟! أليس التركيز قوة من نوع ما؟! إذن فكيف يحدث حين نمرض أننا قد ننحصر في زاوية دون الأُخرى؟!
ربما في الأيام الماضية عاينت التجربة بشكل شخصي، ورأيتني أجتهد في حالة المرض إلى التركيز نحو زاوية حادة من زوايا تفكيري، والتي توسمني لدي الكثير بالجنون، فأراني لا أذكر سوى كل لحظات الحب والشغف التي مازالت تثير الغبار على مسامي الداخلية التي يطفح منها الكره فتسدها للأبد، وتتمنعها عن الكراهية أو الحقد. للحقيقة وجدته طريقًا شديد الصعوبة بمكان. وحين تزول لحظات تركيزي تلك، أراني في سهولة عجيبة أندفع نحو السلبي من المشاعر، فأكره بلا حدود لأشياء كثيرة.


صالون رئيسة الديوان:
في واحد من الصالونات الأدبية والثقافية الخاصة التي أحرص علي المشاركة فيها، حيث تتماهي أطياف فكرية وإنسانية بل واجتماعية واضحة داخل هذا الصالون الذي أتابعه وأتلهف إليه، وجدتني أنساق إلى عرض فكرة من تلك الأفكار التي راودتني أثناء المرض، فسألت السؤال:
- "أي الطرق أصعب، الحب ومدولولات الكلمة واشتقاقاتها الصرفية من المحبة وغيرها؟ أم طريق الكُره، وما ينتج من تصريفات المادة الاشتقاقية عن الكلمة من كراهية وخلافه؟".
في حوارنا حول سؤالي والنقاش الذي احتد بعض الأحيان؛ ليعرض كل منا وجهة نظره التي يقتنع بها، ويتحمس لها، حيث يصل الحد إلى عصبية البعض، ولا أستثني نفسي من ذلك، وجدتهم كلهم يؤسس دون أن يعي إلى تأصيل الفكرة في قلبي قبل عقلي، كلهم يدافع ويجتهد ليبرهن على الأدلة التي تدعم فكرته ووجهة نظره، وفي حقيقية الأمر أعترف أني دفعتهم بمكر شديد نحو ذلك، لأثبت لنفسي أولا قبلهم أن الطريق الأصعب هو طريق الحب والمحبة لا طريق الكره والكراهية، فكلهم لو لم يحب أفكاره ويعشق الحديث بأدلته لما تعصب لها، ولما احتد وحارب في الجلسة ليثبت وجهة نظره، هل دافعنا كلنا كان مجرد الانتصار للفكرة التي آمن بها؟ أم هو في حقيقة الأمر حب غير واضح المعالم، ومحبة صرفة لما يؤمن به الفرد، في حين أن واحدًا منا لم يكلف نفسه أن يقبل فكرة الآخر، وهي أولي الدرجات في سلم المحبة والحب.


سلم الحب ودرجه:

بعدها بدا ما يبدو اتفاقًا بين الجميع من دوني- على كون الحب والمحبة أيسر، وهكذا بقيت وحدي أدافع عن فكرتي التي أحب، وظلوا –هم- على فكرتهم التي أحبوها ودافعوا عنها.
تدخل أحد الحضور لفض الاشتباك، وليقنعني بأن المحبة أسهل، وأكد معهم أنه في وقت ما قد تحب شخصًا ثم تسامح وتسامح حتى تنتهي معه إلى ما لا يمكن التغاضي عنه؛ فتقرر أن تبتعد وتكره مجرد لقائه. وتوالت التأيدات على فكرته بأنها نموذج للحب، وانفعلت أخرى تؤكد "لا أنا بأحب، وممكن أكره من أحببت لكثرة الأسى منه". هنا عُدت إلى تلك الحالة من التركيز في فكرتي حين مرضي، فطرحت الكلام حول ما قالوه، وأكدت على أن ما عاينوه من صور ليست هي من الحب الخالص، وإنما هي درجة من درجات سلم يفضي إلى الحب نهاية الأمر، حيث سطح خال من أي شعور يشوبه، فلا شيءَ موجود أعلى تلك الدرجات سوى فسحة واسعة من الحب الخالص، ذاك الشعور الأولي الذي مارسه الله حين نفخ فينا من أصل روحه، فلو كانت محبتهم وصور حبهم تلك خالصة لكان هناك من الأسباب التي تمنح وتسامح الأكثر والأكثر، وحاولت التأكيد بقول مشهور "فإن لم تجد عذرًا فالعيب فيك"، وبعيدًا عن شرعية الجملة "فالعيب فيك" من عدمها، لكن كانت دليلي أنه عجز عن اكتمال الحب بشكله الموجود في أعلى درجات السلم التي نمارسها كلما حاولنا في رحلة صعودنا المستمر للوصول إلى تلك الدرجة الأسمى أعلى الدرج طوال حياتنا البشرية وعلى مر تاريخها، والتي لم يصلها إلا النادر من البشر، وهو ما تحاول بعض الطرق الصوفية أو ما شابهها الوصول إليه فيما يعرفونه بـ"العشق الإلهي". لكن الحضور عادوا يدافعون عن كون ما مارسوه في حيواتهم هو الحب، ورفضوا اعتباره صورة ناقصة له، وأنا مستمر في دفاعي المستميت عن فكرتي وحبها، وأن ما اعتقدوه مجرد صور ناقصة وفقط لم ولن تكتمل إلا بالصعود لدرجات السلم كافة. فعادوا يصرخون علي بأني التطرف في نظريتي بات واضحًا. فابتسمت وحاولت الاستدلال بردية فرعونية تؤكد ان الهدم يلزمه يوم والبناء يستعي سنوات.


شطط الفكرة:

لقد رأي الجميع حين لم يحتملوا إمكانية التفكير في مقالي بأن الحب ودرجته الأسمي تسامح بلا مبرر، وأن الحب الذي جُبلنا عليه هو طاقة من الغفران لا محدودة وغير مؤطرة بفعل بشري يمنعها، أو يعلل لتوقف عطائها، لقد رأوا ذلك شططًا وتطرفًا في تفكيري، وهو طريق سهل، لكنهم متى كابدوا صراعاتهم الداخلية لتفهم فكرتي وقبولها وإمكانية صدقها –بغض النظر عن صوابها أو الخطأ فيها- لكانت تلك المعاندة التي سيخبرونها حين يحاولون فهمها هي أصعب بكثير من موقفهم الذي اتخذوه بالهجوم على الفكرة، وهو ما يؤكد أن النفور والكراهية والاتهام والإقصاء هي معطيات الطريق الأسهل، وأن المحبة والقبول والتفاهم والحب هو الطريق الأصعب.
الغربلة لا تخلو من صعوبة:
أعود لأؤكد أن المرض يغربلنا كما تغربل العجائز حبوب القمح قبل الطحن، فهل من غربلة بلا تحريك عنيف إذا قارناه بحجم حبوب القمح؟ إن ما نغربله من مشاعرنا وأفكارنا في مرضنا هو ما يستدعي منا التركيز على أفكار ومشاعر بعينها وإهمال الآخر بعينه، وهو ما خلصت في تجربتي المرضية الأخيرة إليه، لتقنع به نفسي، فأرى أن الكذب المصاحب لدنيا المحبين هو محض تسريع للسقطة، وهو محض قفزة هوجاء على درجات سلم الحب، فنحن حين ندعي كذبًا كل تلك الأشياء لاستدرار عطف الطرف الآخر، فندعي فقرًا أو مرضًا أو حتى نخلط بعض إنسانيتنا بدوافعنا الشريرة في الانتقام والخروج بأكبر المكاسب في رحلة صعودنا لتك الدرجات، فحقيقة الأمر أنه انتحار مغلف بالقفز من أعلى السلم من تلك الدرجة التي كُنا قد وصلنا إليها، لذلك فهناك من يعتقد أنه الحب، ثم يُنسى، وهناك من يعتقد أنه الحب ثم يزول شيئًا فشيئًا تحت إدعاءات الكذب المستمرة التي تسوغ للبعض استحلال الخديعة والكذب، بل تشويه النفس وجلب العار الأبدي لمن ادعي محبته وحبه لهم، وذلك بما قدم من آليات التسريع به نحو قفزة بلا رجعة من فوق درجات السلم.


هل أحبتْ هنا المرأة؟!

لنضرب مثلا شديد التطرف، هنا امرأة تعافر في الحفاظ على زوجها، أو رجلها أو حبيبها، وأيما تكون المسميات التي تحددها درجات السلم في رحلة الصعود نحو درجة الحب الأول الذي غرس من روحه فينا، تراها تتحايل، تكذب، تدعي بالباطل، تُهين مرارا وتُهون من شأنها وشأن من تدعي محبتهم، وحين تسألها أو تستنكر تصرفاتها، تدعي المحبة والحب، وأن ذلك الطريق هو نهج المحبين في الدفاع عن أحبتهم، وهو ما يستدعي السؤال، كيف للحب ألا يبني؟ كيف للحب أن يُهين؟ كيف للحب أن يصبح مشوهًا وعارًا قد يجلبه المرء على كل من حوله؟ وكيف في النهاية يصدق بأنه محب أو يُحب؟ أليس الأولى بتلك المرأة أن تتخلى عن كذبها المستميت، وأن تتعالى عن مسببات العار، وأن تنظر إلى نفسها نظرة استحقاق وجدارة إن كانت تدعي حقا أنها تحب؟!! أليس الأولي بهذا الحب الذي تدعيه، والذي صار معولا يهدم كل شيء جميل في حياتها وسببا لكل منغص، أليس من الأولى أن تتسامي فيه فتعرف أنها حين تفتعل كل تلك الهُراءات إنما هي تحاول القفز عن درج الحب والمحبة، في انتحار واضح بعيدًا عما ادعت أنه الحب؟ ربما أعلل او أنحاز هنا ضدها، لكنني أبدا أنحاز للفهم أكثر والتفاهم حول ماهية الحب في أعلى درجات السلم وفي مراحل الصعود تلك التي نسميها نحن الحب.
أعرف أن مثالي هذا ربما يناله من الشخصنة قدر، وربما يتطرف بعض الشيء، لكن أليس طريق الكذب والنفاق والخداع الإنساني أسهل لها في هذه الحالة؟ وهل متى قبلت أن تتعلم التسامي بما تدعيه أليس ذلك الأصعب؟


لن تنالوا البر حتى تنفقوا من محبتكم:

يا سادة: أكررها كما تعلمتها من ذاق عرف، من أحب عرف أن حبه إنما هو درجة واحدة في سلم أعظم وأسمى من الحب والمحبة، لا تريد السهل، فكل ما يأتي سهلا يضيع بنفس السهولة، هو طريق صعب غير ممهد كله "مطبات" والتواءات وكلها تأصيل لمادة الحب فينا، ووحدهم من يتحملون رحلة الصعود إلى أعلى السلم هم من يستحقون وصفهم بانهم يعيشون حالة المحبة تلك التي تفضي إلى الحب المنوط، فتطرفوا قدر ما شئتم في محبتكم بما يُدهش البشرية من طاقة الغفران فيكم والتسامي، واشترطوا عليها ألا تكذب أو تنافق أو تدعي، ودربوها على الغفران والمسامحة والعطاء والتسامي، فوحدهم المحبون من يملكون هذا القدر من الطاقة، وهي وحدها الطاقة التي حصلها النادر فانتهي إلى أعلى الدرج فوصل، وذاق من رحيق أول ثمار هذا الفعل الأول، فعل النفخ بروح الرب في قلوب البشر وعقولهم وأجسادهم، فأحبوا ذلك، واستمروا في رحلة الصعود والمعاناة؛ فروح الرب فينا تستحق.
- "أظن الرب حين خلق كان يحُب".

مختار سعد شحاته.
"bo mima"
روائي.
مصر – الإسكندرية.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- راجع م السفر
- أحفاد القردة والخنازير.. حقيقة أم وافتراء؟
- حكاية النملة.. إلى النملة التي تحركت من فروة رأس الجد نحو وج ...
- امرأة كانت ذات يوم مراهقة محبب لها الفرح .. -قصة قصيرة.-.. ن ...
- مزج مقدس.. حالة من حالات الرجل. -نص أدبي-.
- جبريل لم يعد ملاكًا!! ولا أي إندهاشة.
- نِفيسة.. قصة قصيرة إلى نفيسة التي عرفتها، وعرفها نجيب محفوظ ...
- حلقة ذِكر.. قصة قصيرة.
- شعب الطُرشان
- -كليك يمين-. أنا افتراض؛ أنا موجود.
- حاجز الخوف.. كسرناه أم استبدلناه؟
- (ست-حكايات لحبيبي الذي يحب القهوة والأحلام تريحني، وحكاية لا ...
- (خريطة سكندرية خاصة)
- دماء على أسفلت التدين.
- من حالات ربٌّ يُحبُ النساءَ.
- رسالة إلي الشيخ -العريفي-.. أرونا فعلكم قبل خُطبكم الرنانة.
- الحمد لله أنها خلقت من ضلع أعوج.
- الجنة بين الحلم والخيال والواقع.
- .من تاريخ العُري الوطني.
- اقرأ .. وحاجة إلى إعادة فهمها القرآني.


المزيد.....




- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مختار سعد شحاته - رحلة صعود إلى أعلى الدرج.