أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد أحمد - سيرة امرأة كردية














المزيد.....

سيرة امرأة كردية


خالد أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3951 - 2012 / 12 / 24 - 17:15
المحور: الادب والفن
    


سيـــــــرة امـــــرأة كـــــرديــــــة
شتاء , الثلج يهطل بغزارةٍ , البارد قارسٌ لا يُقاوم , صوت الذئب الجائع ينحدر من الجبل , عواؤه يشي بفتكه , وتضوّره الشديدين , كان منزلاً طينيّاً مبنيّاً باللُبْنِ , ضوءٌ ضئيل يحاول عبثاً نشرَ النور في البيت المظلم البارد , أنينٌ عميقٌ ينبعثُ , أنين امرأة في مخاضها , الأنين يضيع شيئاً فشيئاً في عتمة الليل حتى يضمحل .
رأى الرضيع النورَ , من غير وجود حكيم , ولا دواء ... , جاء الرضيع , ولا يدري لمَ جاء , وإلى أين , وصرخ صرخته الأولى مبتدئاً حياته بالبكاء الذي ملأ الأسماع , رفعته الضاية وقالت : مرحباً بكِ في الحياة , مرحباً أيتها الصبية الجميلة . رفعتُ الأمّ – وقتها – رأسها وقد سبقتها دموعها الجامحة , وأجهشت بالبكاء الذي كاد أنينه أن يشق صدر الليل , تمنته صبياً , وحلمت بذلك طول تسعة شهور من العذاب والانتظار , ها قد تلبّستها الخيبة والحياء من زوجها , أهل الضيعة كلهم , خسرت الرهان في أن تسعد زوجها بصبيّ لا صبيّة .
بقيّت وحيدة في ركن الكوخ المظلم البارد ورفعت المولودة إلى صدرها وراحت تميل يمنة ويسرة وهي تندن , والعيون اغرورقت بالدموع , قائلة : ابنتي الحلوة , نامي حبيبتي قد سميّتك عيشان , نامي غداً ستكبرين , وسترعين الخراف الجميلة نامي , وسيعشقك كل الشاب في الضيعة نامي حبيبتي , وستصيرين مفخرة أسرتك نامي , ده لوري لوري .
لعبتْ عيشان مع رفاقها بالحجارة والتراب , قضوا الأيام والشهور الطويلة بثوب واحد , لم يعرفوا الكتاب ولا القلم , ولم يأكلوا الفاكهة ولا الحلوة , جاعوا أحايين, وأكلوا مراتٍ , هكذا ترعرعت عيشة , وفي الثامنة , وقالوا لها : من اليوم فصاعداً لن تلعبي مع الأولاد , ستقومين على خدمة الأولاد , في الثانية عشرة ألبسوها الحجاب , ولبست الخفطان والفستان والبرفانك , في الصباح الباكر حتى الظهيرة تصنع الجَلَة "تبّك" وبعد الظهر الاحتطاب , في الشتاء ربّة منزل , وفي الصيف إلى الحصاد, وكبرت مع العذاب والمحن والآلام , لكن البركة لم تكن تدخل ذلك البيت ألبتّة .
ناداها العجوز : ستتزوّجين عيشة , وستتركين بيتك هذا , زُوِّجتْ في الرابعة عشرة , في الخامسة عشرة صارت أماً , مضَت عليها السنون المثقّلة بالألم والحسرة والظلم , عيشة المسكينة فجأة صارت أمّاً لاثني عشر ولداً , اثنان منهما ماتا بــ سوركان , وثلاثة ماتوا قبل أن يكملوا الأربعين , وسبعة منهم ربتهم بخبز الشعير والبرغل الحاف .
مضى الخريف , ودلف الشتاء , كان يوماً مجنوناً ,الثلج والمطر ينهمران في الخارج , وها هو صوت الذئب يأتي كيوم ولادتها , يأتي صوته من علٍ والأطفال ينتحبون , وهم متحلّقون حول أمّ تنازع على فراش الموت وكأنهم يريدون منع الموت عنها , لا حكيم ولا دواء ولا مساند لها سوى حزنها وألمها الذي لم يتخلَّ عنها , مع الصباح حُمِل النعش إلى المقبرة , وقُرِئ عليها شيءٌ من القرآن , فجلست عجوزٌ عند رأسها ونادت : عيشو ابنتي , ماذا جنيت ؟ عيشو قربان , ها أنت تنفضين يديك من الحياة التي ذقتها علقماً ولم تنعمي برحيقيها , عيشة , نامي هنا , ارقدي بسلام , هنا لا تشعري بالبرد , ولا المرض , والوحدة , نامي ولا تكترثي لشيء نامي عيشة قربان نامي .
شاهين بكر سوركلي 1981 ترجمة خالد أحمد
ثمة الآلاف من العيشات بنات الكادحين والفلاحين , ولا أحد يسأل لمَ حلّت عليهم هذه اللعنة .



#خالد_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أوميد في ميلاده الأوّل
- الجيش السوري الحرّ أجهز على الثورة
- ترجمة الرسالة الأولى ل شاهين سوركلي لأبيه
- البيت الشرقي الخيري في مدينة فايلة بالدنمارك لمساعدة ودعم ال ...
- المنطقة الكردية بين التحرير والتسليم
- وماذا بعد يا أحزاب الكرد ?
- كلمة جمعية سبا الثقافية بكوباني في ذكرى أربعينية نصر الدين ب ...
- عملاء الأمس، شبيحة اليوم
- حزب الطليعة الحلقة المفرغة
- بالعربي الفصيح !
- بشار الاسد: التصريح الأحمق !!
- يوم العار !!
- معزوفة المعارضة السورية
- مجلس ( النوام ) السوري!
- اخوة و شركاء في الوطن ..عند اللزوم!
- شعب ارهابي!!
- أين الأكراد من جبهة الخلاص الوطني ؟
- إذا لم تستح
- شاهد عيان على حرب لبنان 1982
- تصريح ثقيل من نظام بوزن الريشة


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد أحمد - سيرة امرأة كردية