|
كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 11
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 3879 - 2012 / 10 / 13 - 22:10
المحور:
الادب والفن
و لكن الذنب كله إنما يقع على عاتق معلمة الرقص . فلماذا لم تختر المدينة المجاورة مكاناً لإقامتها ؟ و مما زاد في الطين بلة ، أن الإزعاج الذي أثارته كان أبعد ما يكون عن الانحسار . و في ليلة الرقصة الأخيرة ، توفرت هناك الكثير من الضغائن المتفشية بين أسر المدينة . و بلغت الأحقاد ذروتها فيما يتعلق بالحرير و الخز ، عندما أكل الحسد أرباب و ربات الأسر بسبب ملابس أطفالهم . و رافق آل جونسون إلى بيتهم الطبيب و زوجته . أما فيا ، التي أمضت مساءها بالمرح ، فقد كانت متشوقة إلى إراحة أطرافها المرهقة بالانسحاب إلى مخدعها ؛ و بوسع الكبار البقاء مدة أطول . و على أية حال ، فقد جاء الكثير منهم بعد ذلك ، و أولهم المحامي فريدركسن الذي كانت السيدة جونسون تكن بعض الود له بسبب اهتمامه بها . و وجهت الدعوة أيضاً إلى آل هنريكسن من حوض السفن ، و إن لم يكونوا ضمن مركز الدائرة . "نعم ، اذهب و جئ بزوجتك يا هنريكسن ، و التحقا بنا . و أنت أيضاً يا ناظر البريد !" أما الطبيب و زوجته ، فقد وُجهت الدعوة إليهما بمراسيم كاملة ، و على وفق أصول "الأتيكيت". آه من الضغائن بين أولئك الأصدقاء ؛ الأصدقاء الحميمين ! نادراً ما كانت تتفجر تلك الضغائن صراحة ، بل تبقى تفور كامنة هناك في الداخل . و لقد تبودلت أحاديث شائقة كثيرة في أثناء سير الموكب الراجل نحو بيت جونسون ، يتقدمه أربعة رجال يكنسون الشارع أمامهم . و بين الحين و الآخر ، كانوا يتوقفون قاطعين السير ، مجبرين كل المارة على ضغط أجسادهم لشق الطريق من خلالهم . انه مساء صيفي رائع بالفعل . "عليّ أن أهنئك بفيا ،" قالت زوجة الطبيب التي كان يسهل عليها التزام جانب الحياد بين أي أبوين ، خصوصاً لعدم وجود طفل لديها في مدرسة الرقص إذ كانت ، هي و الطبيب ، بلا أطفال في الواقع الحال . "كانت رائعة هذا المساء . و لكن ، ألا تعتقدين يا سيدة جونسن أن فستاناً براقاً أنيقاً كان سيلائمها على نحو أفضل ؟" "لقد أصرّت على الحرير ،" أجابت السيدة جونسون . " و فضلاً عن هذا ، فقد كان هناك الكثير من الفساتين الرخيصة حول المكان . هل رأيت كيف ألبس آل هايبرگ ابنتهم "ألِس" مثل الدمية ؟" و قالت إحداهن :"ألم تكن هناك فتاة تزين يدها بسلسلة ساعة ضخمة ؟" "إنها إحدي بنات القنصل أولسن ." "حسنٌ ، نعم ، يا لها من طفلة مسكينة . إن أولئك البقالين أهلها لا يعرفون الأصول كما ينبغي ." أيدت السيدة جونسن متسامحة . لا ، لا يمكن لها أبداً أن تتسامح مع تاجر الحبوب صاحب محل "الخردوات گرتس- أند- گروتس" و زوجته اللذين تربعا في منصب القنصلية ، و ولجا دائرة الثروة . يا للغرابة : إذ يمكن أن يتطرق إلى ذهن بعضهم أن ما حصل كان في مصلحة السيدة جونسون التي أصبح بمستطاعها الآن أن تلتقي عدداً أكبر من سيدات طبقتها في المدينة . و لكن لا ، لقد كان ذلك شيئا لا يطاق . و من أين لها تلك السحنة الصفراء ؟ إن شدة شحوب وجهها تثير الشك في أن معدتها على غير ما يرام ، و تثير لها المتاعب . "و لتغيير الموضوع ؛" قال المحامي فريدركسن خطيب المنابر قاطعاً كل الأحاديث بصوته الجهوري الذي يطاول ارتفاع أصوات البحارة في المشارب مساء "و لتغيير الموضوع ، أتتوقع أن تعود باخرتك فيا قريباً أيها القنصل ؟" و لم يتلكأ جونسون في الإجابة :" نعم ، إن فيا في طريقها للعودة إلى الوطن ، فقد بقيت بعيدة مدة طويلة ." "إنني شخصياً لا أمانع أبداً في امتلاك الثروة التي درّتها تلك السفينة ،" قال هنريكسن مالك حوض السفن حالماً . كان يفهم أن المبلغ موضوع البحث ليس محض قروش . و نفش القنصل جونسون ريشه و هو يقول :" إذا لم أُعلق على قولك هذا فان من شأن سكوتي أن يولد سوء الفهم . إن فيا لم تدر الكثير في واقع الحال . و لقد كان من دواعي سروري على الدوام امتلاكي ما يكفي من الموارد لإبقائها طافية . غير أنه في السنين القليلة الماضية ، من المؤكد - " "أوه !" صاح هنريكس هازّا رأسه . فجأة قال الطبيب :" و من الطبيعي أن لأخلاقيات العمل التجاري سمعة سيئة لا تستحقها ." "ماذا تقصد ؟" واصل الطبيب كلامه كمن لم يسمع السؤال : "فإذا استطاع شخص مثل القنصل جونسون أن ينسجم معها ، فلا بد انه سيجني ثمارها ." "أخلاقيات العمل التجاري ؟ ماذا تقصد ؟" صمت طويل للتفكير . لم يشأ الطبيب قول أي شيء يمكن النيل منه ؛ كما انه تجنب اختيار مخاطبة هنريكسن مالك حوض السفن ، لذلك فقد وجه كلامه إلى المجموعة مصرحاً بالقول :"إنه لمن قبيل التشهير القول بأن العمل التجاري يجانس الاستغلال ." "حسنٌ ، إنني لا أقول ذلك أبداً- " صرح هنريكسن دهشاً و هو يرفع حاجبيه كمن سمع رداً مفعماً . آه ، لقد جاء الآن دور القنصل ك .أ . جونسون كي يظهر لهم طبيعة معدنه . فإذا لم يكن بالرجل الذي يحتذى في كل التفاصيل ، فأنه بلا ريب رجل فعل و موقف و قول . و قد أطلق عليه أذكياء المدينة لقب :"القنصل الأول" تمييزاً له عن غيره من القناصل الأقل شأناً . و أجاب القنصل جونسن :"إن العمل التجاري عمل يستحق ثوابه ." "أوافقك تماماً في هذا. و من الخطأ إطلاق اسم المضاربة عليه ." "انه مضاربة بمعنى ما . كلنا يضارب بهذا الشكل أو ذاك . فقبل أن يختار الطبيب مهنة الطب ، فأنه يضارب أولاً لمعرفة إذا ما كانت تلك المهنة توفر له المورد المطلوب للعيش ؛ ثم ينغمس فيها بعدئذ . أراك تهز رأسك ؛ أتشك فيما أقول ؟" "من المؤكد أنني أفعل ذلك ." "ها- ها !" ضحكت زوجة الطبيب . "إن الطب علم ،" شرح الطبيب ؛"أما قيام السفينة فيا بدر مبلغ صغير أو كبير – " "ألا نتحرك إلى الأمام ؟" "حسنٌ ، من البديهي تماماً أن الأعمال التجارية من قبيل الصفقات التي تعقدها السفينة فيا هي التي يسميها الناس بالمضاربة . و هذا خطأ على ما أعتقد ." "جيد ؛ و هذا يعني أننا جميعاً متفقون !" تدخل ساعي السلام مدير البريد . "سيحيا ليندم على لسانه السليط ." امتنع القنصل عن الإجابة ، و انسل نحو السيدة هنريكسن ، و بدأ حديثاً معها . كانت شابة فاتنة من أصل وضيع كزوجها ، و هي أم لبنتين صغيرتين في مدرسة الرقص و لما تبلغ بعد الثلاثين من العمر . كان القنصل جونسون بأفضل حالات الحبور و رحابة الصدر معها . و مرت أوقات عمد فيها إلى خفض نبرة صوته على نحو مقبول لمنع الآخرين من سماع كلماته . و مثلما ترى ، فأن الحياة اليومية للقنصل لم تكن كلها لذة و رحيقاً ، لقد وجب عليه التمسك بالفرص المتاحة له . ألم يزل مفعماً بالحيوية ؟ صحيح أن الشيب قد غزا شعره ، و لكنه ما زال رجلاً ، أليس كذلك ؟ و أزعجه أن يتمشى ابنه الأكبر الضخم الجثة حواليه متسمّعاً ."اذهب و قل لهم أن يستعدوا ،" قال موجهاً كلامه إلى شلدروب . أما السيدة هنريكسن - التي تشرفت كثيرا برفقة علية القوم في ذلك المساء - فقد كانت سكرى بمعالم الأبهة التي ستكحل عينها بمرآها عندما تجتاز دكة القنصل الأول . "أتستطيع قطع وعد ما لي ؟" سألته . و ألهمه الشيطان التهيّبَ ، فأجاب : "لست أجرؤ على قطع أي وعد لك ." "و لكن لماذا ؟" "وعد ؟ و لك ؟ كلا ! سيتعين علي أن أبرّ به ، مثلما تعرفين ." ضحكت السيدة ، و لم تفهم شيئاً سوى أنه حاد الذهن : القنصل الأول حاد الذهن . ثم نطقت بالتماسها : أن يزورها القنصل الأول في يوم ما ؛ أن يزور آل هنريكسن هو و السيدة جونسون . "هل تأتي ؟" دعته السيدة جونسون ، و استدارت و هي تنتظره . و لم يعد بالمستطاع عمل شيء آخر : عليهم أن يلتحقوا بالضيوف الآخرين . غير أن القنصل وعد نفسه بمواصلة الحديث مع السيدة هنريكسن لاحقاً : عندما يصبح زوجها بمزاج رائق ، و ينشغل حسب الأصول بمزج الويسكي بالصودا . و سيكون هو من جانبه مضيفاً ممتازاً : "نعم ، خذ راحتك يا هنريكسن ، و اعتبر نفسك في بيتك ،" ليتجاذب فيما بعد أطراف الحديث مع زوجته .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 10
-
كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 9
-
كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 8
-
كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 7
-
كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 6
-
كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 5
-
كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 4
-
كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 3
-
كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 2
-
كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 1
-
السيد و العمامة
-
يوم اختطاف دولة رئيس الوزراء
-
كلاب أولاد كلب
-
بغداد : 6./ 6. /6.
-
فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / الأخيرة
-
قصيدة -الرحيل- للشاعر العراقي سامي موريه
-
فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 10
-
فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 9
-
الزنبقة تموت عشقاً في الحياة .... و تحيا / مرثية الشاعر يحيى
...
-
فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 8
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|