أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 8















المزيد.....

كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 8


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3871 - 2012 / 10 / 5 - 09:12
المحور: الادب والفن
    


و مضى الشتاء ثقيلاً ، يوماً إثر يوم .
و من الطبيعي أن إرادة الاستمرار كانت تنقص أوليفر . كان كده اليومي ضرباً من الحيلة ، و قد سئم الصيد ألدائمي ، و ألقى تبعة ذلك على الطفل .
كان قد اكتسب تدريجياً عادة الانغماس – كلما عاد إلى البيت من كشك الأسماك – في تفحّص الطفل و هو نائم في مهده ، و الإصغاء إليه ، و الاطمئنان على تنفسه . و كثيراً ما كان يوجه الأسئلة المهينة إلى الآخرين عن طريقة : "لا أظن أنهم أعطوك أي طعام يا فرانك . نعم ، لا ريب أنهم قد نسوا ذلك ، ها ؟" و كانت المرأتان في البيت تتضاحكان أول الأمر ، عادّتين كلماته محض مزاح . إلا أن أوليفر صرح لهما بوقار أنه كان يشعر بالقلق الجدي حيال الطفل . و لم يتردد في استثمار تعلق الطفل به حجةً للبقاء في البيت كلما رغب في عدم الخروج إلى البحر . إن صرخات الطفل المتعالية كلما هَمَّ بالخروج من البيت أكثر مما يستطيع تحمّله .
و تخلى عن مكانه في رصيف الميناء للسماك يورگن . عرضه على يورگن حتى دون أن يطلبه هذا الأخير ."إنه أفضل محل ، و انأ أريده لك ؛ مثلما تعرف ، يا يورگن ."
هل كان يخطط للتخلي عن صيد الأسماك نهائياً ؟
لا ، و لكنه لن يمارس بيع الأسماك . سيكتفي بصيد الأسماك لنفسه ، و لن يبيع شيئاً للآخرين . و بوسع يورگن استعمال كشكه طوال الشتاء في الأقل ، و سيستطيع أوليفر استعادته في الربيع . و قد استطاع شرح الموضوع ليورگن على نحو أوضح : لقد أصبح من المتعذر عليه الابتعاد عن فرانك الصغير أكثر من ذلك ، و عليهم الآن النظر في كيفية تدبّر مثل هذا الوضع في ضوء إصرار الطفل الصغير على استبقائه إلى جانبه كل دقيقة . آه ، ما أروع أن يتعلق الطفل الصغير به إلى هذه الدرجة . فهل بمستطاع يورگن أن يعلل له سبب إيثار الطفل أباه ، دون أمه و الآخرين ؟
لعله شيء ما مغروس في الطفل ؟
تماماً مثلما كان يعتقد هو ! لمّا كان الأب هو المانح الحقيقي لوجوده ، فان الطفل يتعلق به بقوة . أما الأم ، فهي بمثابة التربة التي يُغرس فيها . أليس الأمر جلياً مثل وضح النهار ؟ فالبرسيم ينمو ، و السفينة تطفو على سطح الماء ، و السماء زاخرة بالنجوم – كلها لها معانيها . و الآن إلى السؤال المحيّر الذي لا يستطيع أحد على وجه الأرض الإجابة عنه : كيف تأتى لفرانك أن يتمتع بمثل هذا الذكاء الخارق و طوله لم يتجاوز بضعة أشبار ؟!
ثرثرة فارغة ، و اجترار لأفكار تراوده في نوبات الحماسة ؛ مثلها مثل القيل والقال عند النساء اللائي يجتمعن للحياكة . أما يورگن الصموت ، فقد عاد إلى ترديد تعليله الأثير : إن الطبيعة ملأى بالأسرار .
أما المدينة ، فقد كان لها رأيها المختلف في أوليفر . فحسب ما هو متوقع ، رأى أهل المدينة وجوب تركه يعتاش على الخبز و الماء جزاءً وفاقاً على كسله ؛ فهل سمع أحد من قبل برجل يُلزمه طفل صغير على عدم الخروج إلى البحر ؟
غير أن الطبيعة ملأى بالأسرار ، و لم يكن أوليفر هو الاستثناء . و قد برر توقفه عن ممارسة مهنته في هذه المناسبة على طريقته الغريبة الخاصة قائلاً : انه كسول فعلاً – و لكن لعله لا يمتلك سبباً ليكون كذلك ؟
و في أحد الأصباح ، لاحظ أوليفر أن پيترا ترشح عرقاً بارداً فوق إناء غلي القهوة . "هل أنت متوعكة ؟" سألها .
"نعم ،" أجابته .
سمح للموضوع أن يمر . تناول طعامه و خرج للصيد ، و عاد في آخر المساء . كان مزاج پيترا متعكراً ، و بدا أن فمها يؤلمها ، إذ كانت تلوك الطعام بحذرّ ، و لم تَستطع تحمل مشهد القهوة ، و واصلت البصاق خفية .
"أما زلت متوعكة ؟" سألها .
"قلت لك : نعم ،" أجابت ناهرة .
و في تلك اللحظة واجهها بنظرة ماكرة ، و راح يتفحصها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها . فعل ذلك بتؤدة و بتقصّد زائد دفعها إلى ملاحظته ؛ ثم نكّس رأسه و تحسّر .
أوه ، كانت لپيترا عينان في رأسها ، و قد فهمت مقصده .
" أتريد المزيد من القهوة ؟" سألته وهي تصب له كوباً آخر .
و لم يجبها ، إذ كان غارقاً حقاً في لجة أفكاره ، فلم يعد يسمع و يرى . هل حققت حسرته الأثر المرجو ؟ و على أية حال ، فقد التزمت پيترا جانب الصمت ، و راحت تشغل نفسها حول الغرفة .
" تناول قهوتك الآن قبل أن تبرد ، " قالت له .
رجع أوليفر من مكان بعيد – من بلاد البرتقال ، أو ربما من مناطق تحت الأرض – و انتصب واقفاً . يكاد المشهد أن يفضي الآن إلى حل جاد و مؤثر للعقدة . غير أن حادثاً عرضياً تافهاً أفسد الأثر المتوقع كله .
"حسنٌ يا فرانك ، إنني ذاهب الآن ،" قال للطفل النائم .
الموقف جيد حتى الآن . و لكنه ما لبث و أن بدأ يتحسس وسطه باحثاً عن شيء ما دون أن يفلح في إيجاده .
"و سأعود إليك هذا المساء ، يا فرانك ،" أضاف .
و اكتسح الرف مفتشاً . ثم فتح دُرجاً ، غير انه فشل في إيجاد ما يريد . و أخيراً وجد ضالته في المهد : إنها مديته الحادّة ، ذلك الوحش البتار كالسيف الذي يستخدمه لتقطيع الأسماك فوق الرصيف . كان قد أعطى طفله مديته تلك في الليلة الماضية ليلعب بها ، ثم نسيها عنده .
لا ، لا جدوى من ذلك .
صفّقت له پيترا ، و انفجرت بضحكة مجلجلة . لقد فشلت حركة أوليفر فشلاً ذريعاً ، و ها هو ينسل خارجاً إلى الشغل إنسلال الرجل الخائب .
و لكن ما هو السبب للإتيان بمثل هذا المشهد أساساً ؟ ما أفسدها من لعبة ! هل بات من المحظور على النساء المتزوجات التوعك أو التقزز من رائحة القهوة ؟ فجأة اكتشف أوليفر أن كل شيء حوله قد أصبح أصعب عليه من ذي قبل ، و أكثر قتامة و تثبيطاً مما يمكن تحمّله . ما أصغر العقل الذي وهبه الله له ! ها هي كل آماله تتبدد و يلحقه الخسران . مع ذلك ، فان هذا لم يجعله يلقي تبعة كل شيء على كسله ، كما لم يبدأ بالتذمر من الآخرين ، و إنما رمى كل إخفاقاته على الطفل . و بهذا فقد توفرت له الفرصة لوضع حد لتعلقه به .
و هكذا انقضى الشتاء .
و هكذا انقضى أكثر من شتاء واحد – بالتقاعس و الشجارات العائلية ؛ بالطعام الرديء و الأسماك البالية ؛ و بالليالي المظلمة .
و يشهد الربيع التالي نهضة أوليفر المعهودة ، فيبدأ الصيد بانتظام حتى الخريف ، و تتحسن أمورهم المعاشية ثانية . و تُسدد ديون التجار بالأقساط لقاء الدقيق و الجبن المستهلك في الشتاء ، و يدبّر وضعه على نحو ما بالتقتير الشديد الذي أصبح أحد وسائل الكفاح لتجاوز الأيام الصعبة . و تبددت السمعة الطيبة التي كان أوليفر قد بناها لنفسه سابقاً ، و أصبح الناس يستخفون به باستمرار و يزدرونه ، و لعله كان يستحق ذلك - و الله يعلم .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 7
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 6
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 5
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 4
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 3
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 2
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 1
- السيد و العمامة
- يوم اختطاف دولة رئيس الوزراء
- كلاب أولاد كلب
- بغداد : 6./ 6. /6.
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / الأخيرة
- قصيدة -الرحيل- للشاعر العراقي سامي موريه
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 10
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 9
- الزنبقة تموت عشقاً في الحياة .... و تحيا / مرثية الشاعر يحيى ...
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 8
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 7
- مَثَلْ مَضْروب بيه تِتْحدّثِ النّاس : -جِزا الإحسانْ : بَكّا ...
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 6


المزيد.....




- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...
- عودة الأدب إلى الشاشة.. موجة جديدة من الأعمال المستوحاة من ا ...
- يجمع بين الأصالة والحداثة.. متحف الإرميتاج و-VK- يطلقان مشرو ...
- الدويري: هذه أدلة صدق الرواية الإيرانية بشأن قصف مستشفى سورو ...
- برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لجميع التخصصات عبر ...
- دورة استثنائية لمشروع سينما الشارع لأطفال غزة
- تصاعد الإسلاموفوبيا في أوروبا: معركة ضد مشروع استعماري متجدد ...
- انطلاق أولى جلسات صالون الجامعة العربية الثقافي حول دور السي ...
- محمد حليقاوي: الاستشراق الغربي والصهيوني اندمجا لإلغاء الهوي ...
- بعد 35 عاما من أول ترشّح.. توم كروز يُمنح جائزة الأوسكار أخي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 8