أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - أدباء وكتاب يتحدثون ل(الزمان) عن درجة الجرأة في الكتابة















المزيد.....

أدباء وكتاب يتحدثون ل(الزمان) عن درجة الجرأة في الكتابة


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 3238 - 2011 / 1 / 6 - 00:07
المحور: الادب والفن
    


أدباء وكتاب يتحدثون لـ(الزمان) عن درجة الجرأة في الكتابة


جرعات من النصوص والأشجان والبدائل في الإبداع
صوت الأديب لم يعد مقموعاً بالشكل الذي كان في أزمنة أسر الايديولوجيا وسنوات الجمر والرصاص

عبدالحق بن رحمون
نتناول في ملف استطلاع صحيفة (الزمان) قضية الجرأة في الكتابة الإبداعية من منظور رؤية أدباء الألفية الثالثة، منطلقين من اقتناعنا أن الكتابة والإبداع مسؤولية بين الكاتب وذاته، قبل أن تكون مسؤولية أمام الآخرين، وإذا كانت الجرأة هي الجهر بالكلمة، والدفاع، عن الرأي في الإبداع، لكن التصور الأخر حولها يختلف من أديب إلي آخر، وذلك حسب الجنس الأدبي الذي يكتب فيه، إذ تبقي الأساليب الفنية والجمالية هي الوسيط بين الكاتب والمتلقي، والكاتب الجريئ الناجح في كتاباته كالصائغ، يتحايل مع البلاغة واللغة، ليقدم الواقع علي شكل سبيكة ذهبية.
والمتتبع للانتاجات الأدبية اليوم سيلاحظ أن في العالم العربي جرأة بجرعات كبيرة في تناول بعض المواضيع الجديدة والمثيرة، فلم يعد صوت الأديب مقموعا بالشكل الذي كان في أزمنة أسر الايديولوجيا وسنوات الجمر والرصاص. وعلينا كذلك أن تكون لنا قناعة مبدئية وتأكيدا واضحا علي أن كل إبداع جريء ليس إبداعا حقيقيا بالضرورة، لذا فالجرأة لاتشكل شرطا جوهريا لإبداعية العمل الأدبي. فاختيار موضوع سياسي أو جنسي أو ديني ليس من شأنه أن يحقق إبداعية العمل.
ونقدم لقرائنا الكرام هذا الاستطلاع الذي يشارك فيه نخبة من الأدباء من المغرب، ليبيا، تونس، السودان، والعراق ومنهم مقيمون في نيوزيلاندا، فرنسا، ألمانيا، كندا وهولندا.
وقد توجهنا لهم بهذه الأسئلة المحورية: ما درجة الجرأة في كتاباتكم الإبداعية والأدبية، وهل كل إنتاج أدبي يتناول الطابوهات يمكن تصنيفه في خانة الإبداع النوعي والخلاق، والأدب الإنساني الغير المقيد والمعبر عن حرية التعبير في أقصي تجلياتها؟ وهل إبداعاتكم وكتاباتكم ترون فيها أنها تقول كل شيء، وتعبر عن حياتكم الواقعية والخاصة، في مساحة من الحرية لا وجود لحرس الحدود أو خطوط حمراء؟
ومن هنا تأتي شهادات هذا الاستطلاع، معبرة عن تجربة ذاتية ومعاشة، حيث تعد الجرأة في الكتابة لهؤلاء الكتاب والأدباء المتنفس الوحيد الذي يكسر الجمود والروتين في المجتمعات، وإنتاج العوالم الخيالية،إذ أن العمل الأدبي الجريئ هو الأقدر أن يفرض نفسه علي القارئ.ومؤكدين أن الجرأة من زاوية نظرهم هي الجهر بالرأي، وتعرية الواقع، وكشف الوجه القبيح الذي يختفي وراء القناع الملمع.
وذهبت بعض الآراء إلي اعتبار الكتابة الجريئة يمكن يصنع منها المبدع معجزة إبداعية، سيما تلك المتسمة بالواقعية وبلغة لا تقريرية تقول صرخات الروح وآلام الجسد والجنون والكآبة.
في حين ذهب الكثير من الأدباء الذين سألناهم في تصريحاتهم لـ: (الزمان) إلي تأكيد أنه لا يهم حينما يكون الكاتب جريئا ويغضب الآخرين، وإذا كانت الكتابة الجرئية: "قصة، رواية، سيرة ذاتية أو شعرا قد تسبب للبعض صدمة غير متوقعة، فلأن الجرأة تكون أوقعت خلخلة ودهشة، لهذا هناك اعتقاد سائد عند كل المجتمعات أن أصحاب القلم هم بمثابة أنبياء أو قديسين، لأن بكتاباتهم يمكن أن ينقذون بها الانسانية وينيرون طريقها نحو المستقبل. وخير دليل علي ذلك أن بعض التجارب العربية تناولت قضايا مأساوية ونقلت تجارب مريرة من الواقع وترجمتها في واقع إبداعي.
وفيما يلي إليكم شهادات الأدباء المشاركين معنا في الاستطلاع، متمنين لكم قراءة شيقة وممتعة ومفيدة:

(1)
طموحات الأكثرية الصامتة

مصطفي لغتيري
(قاص من المغرب)

الحديث عن الجرأة في الكتابة يجب ألا يكون مطلقا، بل يتعين عليه أن يراعي الظروف الاجتماعية والسياسية التي يحيي في أتونها المرء، وبما أننا في مجال الأدب فلا بد من أخذ الشروط الجمالية بعين الاعتبار، ومناسبة هذا التقديم هو أن التعبير بجرأة لدي الأديب يختلف من جيل إلي جيل، فإذا كانت الأجيال السابقة محكومة بطرح إيديولوجي معين، يري وظيفة الأدب في التعبير عن الصراعات الطبقية التي تتطاحن رؤاها ومصالحها داخل المجتمع، ويعني ذلك في مجتمعنا الصراع مع السلطة، فإن الأجيال الجديدة قد فقدت ثقتها في الإديولوجيات السيارة كما روجت لها الأحزاب السياسية، خاصة مع وصولها إلي جزء من الحكم و تبين بالواضح إفلاسها، لكل ذلك نلاحظ أن الأديب اتخذ مسافة معقولة من الأحزاب السياسية، و إن كان معارضا لا يزال للسلطة، بمعني أنه لم يعد معنيا بالتعبير عن صراعها الحزبي معها، إن بقي هناك صراع في الأصل، وانتصر بالمقابل للالتزام مع نصوصه، بما يعني الاشتغال عليها من الداخل، و قد يكفيه فخرا تطوير هذه النصوص من الناحية الفنية وإقناع المتلقي بجدارتها في الاستيلاء علي جزء من وقته من أجل التعاطي معها.
بالطبع لا تستقيم وظيفة الأديب دون اشتغال حسه النقدي الانتقادي، لذا إذا كنت شخصيا أنأي بنفسي عن الاصطفاف الحزبي، فهذا لا يعني أبدا عدم اهتمامي بالسياسة كما أفهمها وأتمناها أن تكون، لذا لا أتواني عن التعبير بجرأة عن القيم التي أومن بها، وخاصة ما يتعلق بطموحات الأكثرية الصامتة، وطموحها المشروع نحو الديمقراطية الحقة والتوزيع العادل للثروة، والاعتراف بالأقليات الثقافية والسياسية والاجتماعية والدينية، والإيمان بالاختلاف، وقد وجدت هذه الانشغالات طريقها إلي نصوصي القصصية والروائية بأشكال مختلفة، وبالجرأة التي يخولها التعاطي الأدبي والفني مع هذه الانشغالات، فلقد عبرت مثلا في رواية "رجال وكلاب" عن الأمراض النفسية التي يصاب بها المواطن نتيجة لاختيارات سياسية واقتصادية معنية، جعلته عرضة للإقصاء والتهميش، فكانت النتيجة انكفاءه على ذاته، ليصبح عرضة لأنواع من الأمراض النفسية وأهمها الوسواس القهري، كما عبرت في روايتي "عائشة القديسة" عن شيوع التفكير الخرافي في الذهنية المغربية والعربية عموما حتي لدي المثقفين، مما يعني أن الذهنية العربية مصابة بالانفصام، أما في روايتي "ليلة إفريقة" فحاولت التعبير عن الإقصاء الذي يعاني منه ذوو البشرة السوداء سواء منهم أولئك القادمون من بلدان جنوب الصحراء الكبري إلي بلادنا للعبور نحو "الفردوس الموعود" أقصد أوروبا، أو المواطنون المغاربة السود الذين يعانون في صمت، كما حبلت قصصي القصيرة جدا بجملة من القضايا التي تهم المواطن المغربي البسيط من قبيل وضعية المرأة الدونية في المجتمع والاستغلال بشتي أشكاله السياسية والاجتماعية.
وخلاصة القول إن هناك مساحة من الحرية اكتسبها الأديب في المغرب للتعبير عن مواقفه ورؤاه تجاه المشاكل الاجتماعية والسياسية نتيجة لنضالات اليسار بالخصوص في فترة من تاريخ المغرب، مما يجعلنا نلاحظ أن الدولة تكون- في كثير من الأحيان- أرحم من المجتمع، في مجال احترام جرأة الأديب في التعبير عن مواقفه تجاه قضايا بعينها، لكن يتعين علينا أن لا تنسينا هذه الحرية المكتسبة في التعبير بجرأة، الجانب الفني والأدبي في النصوص لأن بفضله تصنف نصوصنا ضمن مجال الأدب، وإلا إنها ستصبح مجرد شعارات وصراخ لا طائل منهما..


(2)
سيرة النص والجسد

سالم العوكلي
(شاعر وكاتب من ليبيا)

بدأت علاقتي بالكتابة مع القصيدة، وظل مفهوم الجرأة مركبا وغامضا بعض الشيء فيما يتعلق بالشعر، حيث اتسمت الجرأة في البداية، ومع طموحات القصيدة الجديدة في انتهاك الشكل التقليدي للقصيدة الشعرية العربية التي تتمتع بسلطة تقليدية وتراثية راسخة، وكنت أري أن هذا الانتهاك للشكل لابد وأن يناغمه انتهاك آخر أكثر جرأة فيما يخص مضامين القصيدة وخطابها، وضرب الكثير من القوالب الاجتماعية والسياسية والدينية وتصديع القداسات التي لا حقت الخطاب الشعري لفترة طويلة، كتبت عن الجسد بحرية كأحد الثيمات المسكوت عنها أو المحرمة، عبر حضوره الوجودي والأيروتيكي كما كتبت الكثير من المقالات عن الجسد عبر مداخل حقوقية تتعلق بحقوقه التي تصب مباشرة في نصوص حقوق الإنسان والمواطنة وغيرها من القيم الديمقراطية، وباعتباره ليس مجرد موضوع جنسي لكنه مكان لاختبار كل قيم الإنسانية الحديثة ولأن الشعر حقل جرأة مواربة بطبيعته الإيحائية كتبت نصا نثريا طويلا تحت عنوان: "بنات الغابة.. سيرة النص والجسد" وهو يطرح سيرة جنسية في سياق المكان والثقافة الشعبية وفي فضاء التلاغي الجنسي الذي يعم الكون ويتسرب في كل الكائنات، وحرصت من خلال هذا الكتاب لأن أنقل الفعل الجنسي من حقل الدناسة إلي حقل القداسة، وقد لاقي هذا الكتاب ردود فعل مختلفة مازلت أحرص علي أن أقدم الأشياء كما هي، وأن أتخلص من كل حس رقابي متغلغل في اللاوعي وأن أزيح أية قداسة أو ترسيم سابق من أمامي وأنا أكتب. وقد أنجزت في الفترة الأخيرة رواية تتكئ علي السيرة الذاتية بعنوان: "اللحية" حاولت أن استبطن فيها هذا التداخل التاريخي بين خطابات التابوهات الثلاثة: السياسي والاجتماعي والديني، وأن أكشف هذا التداخل البنيوي بينها الذي يجعل تقسيمها نوعا من العبث المنهجي؛ منعت هذه الرواية من قبل رقابة المطبوعات الليبية، والآن يجري العمل علي طباعتها ببيروت.
الجرأة مهمة في أية كتابة، لكن من المفترض أن لا تكون غاية في حد ذاتها، ولا وسيلة لنيل نوع من الإثارة المجانية، جدواها أن تكون متجذرة في الوعي، وتستمد حيويتها من نقد عميق لبني الواقع التي يراد تكريسها، والأهم من ذلك أن تكون آلية معرفة لمواجهة طبقات التراكم السلطوي الذي يحدق بكل رؤوانا تجاه جوهر الحرية، ووسيلة موضوعية لتصديع الكثير من المقدسات المزيفة التي ترزح بثقلها فوق طموحات الكتابة والإبداع، الذي يسعي لطرح أسئلة جذرية هامة وفتح آفاق واسعة للمعرفة.

(3)
الإبداع فضاء لتمرير كل المحتملات والممكنات

زهور كرام
(روائية وباحثة أكاديمية من المغرب)

الكتابة باعتبارها ممارسة رمزية تتجاوز المألوف والواقع، وتبني عوالم جديدة، تعد جرأة خاصة بالنسبة للكاتبة في المجتمعات العربية. غير أن الجرأة لاتشكل شرطا جوهريا لإبداعية العمل الأدبي. فاختيار موضوع سياسي أو جنسي أو ديني ليس من شأنه أن يحقق إبداعية العمل. وعندما ننطلق من مفهوم الجرأة باعتبارها مجرد تعبير عن الطابوهات، أو تكسير للمألوف، أو محاولة طرح الغريب علي المجتمع، فنحن نتجاوز منطق العمل الأدبي الذي لا تحققه العناصر الخارجية، والتي قد تكون عناصر مساعدة ليس إلا، غير أنها لا تملك قدرة تحقيق العمل الأدبي.
الجرأة مسألة نصية، تتحقق عندما يتطلب شرط الكتابة ذلك. وعندما تصبح مكونا نصيا، وليس شيئا مفروضا علي النص. ولهذا، فلا يمكن اعتبار مثلا مجموعة من النصوص التي كتبت عن الاعتقال السياسي بكل أشكاله، نصوصا روائية أو قصصية، بمجرد أن منتجها طرح موضوع الاعتقال السياسي. كما لا يمكن أن يضمن مشهد جنسي روائية رواية ما، ولا ينجح فيلم سينمائي- فنيا- بمجرد إقحامه للقطة جنسية.
المسألة ذات علاقة بالبعد الوظيفي للجرأة، والتي تصبح مع العمل الأدبي/ الفني ضرورة فنية وأدبية، إذا ما تم التخلي عنها، يرتبك العمل، نظرا لكونها تشكل عنصرا مكونا لمنطق اشتغال العمل.
عندما أكتب، لا أفكر في أن أكون جريئة. أكتب لأكون مبدعة داخل الكتابة. لأن الإحساس بالانتماء إلي مساحة الإبداع بكل صدق، هو الشرط الأساسي الذي يجعلني أكتب لأنكتب، وعندها أحقق النص الإبداعي الذي ليس من المفروض أن يكون انعكاسا لواقعي، أو محاولة لجعله مرآة لما أعتقد أنه واقعي، ولكن النص الإبداعي الذي حين أنتهي من كتابته، يدهشني، ويبهرني، لأنه يجعلني أكتشف نفسي وعوالمي وشكل وعيي. ولو كان الإبداع مجرد انعكاس لما نعتقد أنه واقعنا وحقيقتنا، ما كنا في حاجة إليه، لأنه ساعتها، كنا سنكتفي بواقعنا المباشر. ولكن، الإبداع حالة رمزية، لا تقول القول، إنما توحي به، ولا تعكس الواقع إنما تشخّصه، حين تحوّله إلي مكون أدبي، أي تخلق المسافة بينه كما هو مبرمج في الحقيقة، وبين وضعيته داخل العالم الرمزي/ الإبداع. وكلما كانت المسافة عميقة كلما كان الانزياح عن الواقع كبيرا، وكلما حقّق الإبداع حالة قصوي من التشخيص التي تعبّر عن إبداعية المبدع.
لا أفكر في الجرأة، لأني أسعي إلي تحقيق حالة قصوي من التشخيص.
الكتابة الإبداعية فضاء غني لتمرير كل المحتملات والممكنات، حتي تلك التي يرفضها واقعنا أو سياستنا أو طقوسنا أو ما توارثناه عن ذاكرتنا الجماعية، لأنها تملك إمكانيات كثيرة للتعامل مع الطابوهات، وحكيها بشكل وظيفي، دون أن تعبر عن جرأة. كيف يستطيع المبدع أن يتحدث عن كل المواضيع بلغة إبداعية، مع الاحتفاظ علي جمالية الحكي، وتطور الأسلوب. فالموضوع مهما كانت حدّة جرأته، غير مؤهل لكي يصنع إبداعية العمل، فقد يكون إقحاما يعطّل إبداعية النص، ويضعف جماليته، ولا يحقق بذلك شرط الأدب.
لا أظن أن كتاباتي قالت كل شئ، لو حدث ذلك، كنت أعلنت موتي. كلما عبّرت وحكيت وكتبت، كلما شعرت بالتحرر من أشياء، وفي نفس الوقت بالامتلاء بأشياء أخري أكتشف وعيي بها عبر الكتابة.الكتابة فيما هي تحررنا من أشياء، فيما هي تملأنا من جديد. هي قدرنا، أو علي الأقل هي قدري الذي يلازمني، والذي بت أري به العالم.

(4)
الحرية والتحليق في فضائها الواسع

رانيا مأمون
(كاتبة من السودان)

الكتابة أساساً فعل جريء، فهو يعلن موقفنا من العالم، عندما يمسك الكاتب القلم ليكتب، فهو يكتب رأيه الذي قد يخالف رأياً سائداً أو يُحرّك ساكناً، ويلقي بحصاةٍ في بئرٍ هادئة راكنة لهدوئها واستسلامها، أو يرسم واقعاً آخر، يجمِّل صوره ويلونها ويضيف لها البهجة والمرح، أو حتي يلامس ذري أحلام بعيدة يشكّلها كما يحب. إذن الكتابة بحدِ ذاتها جرأة، جرأة أن تقول وأن تعبِّر وأن تسجِّل حضوراً علي مرورك بمعبر الحياة.
أما بتفصيل لإجابة سؤالك، مثلاً فيما يخصّ الجرأة الحسِّية أو السياسية لا أتعمَّدها في كتاباتي؛ وإنما إن استدعت الضرورة الأدبية والفنية في موضعٍ ما أن يكون جريئاً فليكن. لا تحفظ لديّ مع الأعمال الجريئة المُبررة فنياً وصياغياً، ولكنني أرفض الأعمال التي تُحشر فيها الجرأة الحسِّية، أو تُمسّ فيها المحرمات، بدعوي أن الاشتغال علي تلك المناطق ستُكرس الكاتب علي أنه كاتب حُر ومبدع وخلاق ومتجاوز لكل حدود.بالتأكيد كتابة التابوهات لا تُصنَّف بالضرورة في خانة النوعية أو الخلق والإبداع، وأظنها أصبحت حيلة مكشوفة وتجاوزها الكثيرون، فليس كل كتابة تخرق تابوا هي فريدة من نوعها ومتمايزة إبداعياً عن غيرها، وليست كل كتابة متحفظة رديئة ومتخلفة وغير صالحة للقراءة، الكتابة تحكمها الجودة والحساسية الأدبية والإبداعية وليست نوعية الموضوعات التي تشتغل عليها. قد أقرأ نصاً يكون متجاوزاً لكل حدّ ويكون مقبولاُ لدي ولقي استحساناً مني لا لأنه متجاوز أو جريء، ولكن لأنه جميل ومُقنع فنياً وإبداعياً وفيه إشراقات جميلة ولافتة.
هذا جانب أما الجانب الآخر، وهو جانب مجتمعي وقيمي، هو مسألة الكاتبة الأنثي ونظرة الآخر والمجتمع وتصنيفه لها بقياس "تيرمومتر" الجرأة في كتاباتها، وإسقاط تجاربها الكتابية وتجارب شخصياتها عليها هي كأنثي، وليس ككاتبة تتبع المخيلة والتحليل والتفاعل مع الحياة والواقع. فما زال المجتمع للأسف ينظر بعين الشك والريبة والاتهام للكاتبة الأنثي، ولا يقبل منها ما يقبله من الرجل، وهذا يعتبر أحد الحراس الشرسين والذي يرفض كل محاولة للصلح ما لم تسِر علي خطاه ونهجه، ومن البديهي أن رضا المجتمع غاية صعبة المنال إن لم نقل غير مُدرَكة ولو علي المدي البعيد. وكُثر هم الحُراس أولهم الرقيب الداخلي مروراً بالدين والمجتمع كما أسلفت وحتي الدائرة الضيقة كالأسرة أو الأخ أو الزوج إن كانت الكاتبة متزوجة، وليس من السهل التغاضي عن هؤلاء حتي إن ضربت الكاتبة برأي المجتمع الكبير عرض الحائط وتجاوزته. علي المستوي الشخصي فكتاباتي تعبِّر عني وعن حياتي وواقعي ليس بشكل مطلق ومكشوف بالطبع وإلا سأكون مدِّعية، وكما أسلفت لا غضاضة لديَ في أن أقول ما أريده في تلك الحدود ما قبل المطلق، بشرط أن يكون متَّسق ومتناغم مع النَّص، وليس كورم ناتئ في جسد النَّص يشوهه أكثر مما يجمِّله، ويحدّه في دائرة ضيقة في حين المراد أن يضيف له صبغة الحرية والتحليق في فضائها الواسع.

(5)
رموز جنسية تفوح منها رائحة الحب

غادة م. سليم
(كاتبة عراقية مقيمة في نيوزيلندا)

النص الأدبي حالة نفسية انفعالية أو شحنة كهربائية تتطلب تفريغها وإصابة القاريء بمس من التيار الإبداعي للكاتب. لقد تجاوزت مرحلة الخوف والخجل، وأكتب بحرية وبجرأة ودون بذاءة، وحسب ما يتطلب النص. ولم الخوف والحب في كل مكان حولنا؛ في الماء والسماء والهواء. لا أشجع الكتابة بصراحة حد الإسفاف ولا إباحية دون مغزي، فالأدب يحتاج إلي خيال خصب ولغة سليمة.
أجد أحيانا كتابات شعرية ونصوصا أدبية أقحمت فيها مشاهد الجنس والشذوذ قسرا، دون ضرورة، وهي لاتزيد من قيمة النص ولا تمتلك أبسط شروط الإبداع، ولكنها تجد طريقها إلي النشر بل وأحيانا تتم ترجمتها إلي لغات أخري. قد تحصل الكاتبة علي قراء أكثر إذا زادت جرعة الجنس في كتاباتها، ولكن استعجال الشهرة يجب ألا يتم علي حساب القاريء أو النص الإبداعي. المثلث الأحمر (السياسة، الدين، الجنس) في تناول الطابوهات موجود في ذهن كل كاتب ولكن حدوده مختلفة من كاتب لآخر. تتضمن كتاباتي رموزا جنسية وتفوح منها رائحة الحب في كل كلمة، والمغزي السياسي في نهاية القصة لايخفي علي القاريء، ولكنها في اعتقادي تخدم النص وبدونها لايستقيم. لا أعتقد من الضرورة أن تكون قصصي مستوحاة من حياتي الشخصية، ومن غير المعقول أن يعكس النص الشعري أو القصصي حياة الكاتب وإلا لأصبحت كل الكتابات سيرة ذاتية للكاتب. أحيانا تشي بعض العبارات في النص عن هوية الكاتب أو مهنته، ولكنها تظل مجرد ألوان إضافية تكمل لوحة النص وتقربه من الحياة.



#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتفاء بالشخصية في المجموعة القصصية- الأب دحمان- للقاص الم ...
- السعدية باحدة مبدعة من الزمن الجميل*
- العوالم الافتراضية في الكتابة القصصية عند القاص المغربي محمد ...
- إيقاع الصورة الشعرية في -ظلي بقعة حبر -للشاعرة التونسية عائش ...
- كتابات ساخرة قصص قصيرة جدا لجميل حمداوي -تقديم مصطفى لغتيري.
- وقفة تأملية عند -دموع فراشة- للقاص حميد ركاطة
- مصحف أحمر رواية الثورة و الجنس المثلي و توحيد الأديان
- -خبز الله- لعمر علوي ناسنا أو ولادة جيل جديد من القصاصين في ...
- مليون توقيع من أجل جامعة مغربية فعالة و مبدعة و متنورة
- أصوات في المشهد : مصطفى لغتيري : المشهد الثقافي في المغرب : ...
- قصص قصيرة جدا لمصطفى لغتيري
- أحمري يبتلعه السواد للشاعر نزار كربوط ديوان يحتفي بالتفاصيل ...
- كائنات من غبار لهشام بن الشاوي رواية بروليتارية تحتفي بالحب ...
- التوصيات الختامية للملتقى العربي الأول للقصة القصيرة جدا بال ...
- - سنوقد ما تبقى من قناديل -مجموعة قصصية جديدة للقاص المغربي ...
- - خارج التعاليم .. ملهاة الكائن- للشاعر رشيد الخديري سمفونية ...
- لماذا حجب وزير الثقافة جائزة المغرب للكتاب؟
- الشذرية بين محوري التأليف و الاختيارمن خلال ديوان -مناورات ف ...
- حانة لو يأتيها النبيذ احتفاء بالجسد و النبيذ و الموت
- -حب .. و بطاقة تعريف- للقاص عبد السميع بنصابر جواز مرور نحو ...


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - أدباء وكتاب يتحدثون ل(الزمان) عن درجة الجرأة في الكتابة