|
الشذرية بين محوري التأليف و الاختيارمن خلال ديوان -مناورات في كواليس الصمت - للشاعر المغربي المغترب بن يونس ماجن
مصطفى لغتيري
الحوار المتمدن-العدد: 2898 - 2010 / 1 / 25 - 11:44
المحور:
الادب والفن
الشذرية من المصطلحات النقدية ، التي غزت - في المدة الأخيرة- النقد الأدبي ، بعد أن أضحت النصوص الأدبية مرتعا خصبا لهذا الميسم في الكتابة المتسم بالتشذير و التشظي، و لم تسلم من هذا التوظيف كل الأجناس الأدبية بما فيها الرواية و القصة القصيرة و الشعر ، حتى أن الشذرية أصبحت من خصائص الكتابة الحديثة المرتكزة على التجريب. و لعل أهم ما يميز هذا النوع من الكتابة ميل أصحابها إلى تقسيم النص الأدبي إلى مقاطع صغرى ، متلاعبين - من خلال ذلك - و لو شكليا ، بالوحدة العضوية للنص ،و موظفين في سبيل تحقيق ذلك التلاعب بالزمان و الحدث ، حتى ليظن القارئ أن هذه المقاطع تفتقر إلى الارتباط فيما بينها ، لكن المتأمل غير المتسرع لهذه النصوص سيلمس نوعا من التكامل فيما بينها ، قد يكون ثيميا أو أسلوبيا أو نفسيا على الأقل ، و أجدني أميل إلى أن هذا التشظي أو الشذرية ينم عن تصور ما للكتابة يعتنقه الكاتب ، و هو نابع عن رؤياه للعالم و الإنسان و الأدب ، و ليس ترفا أو لعبة فارغة من المضمون يمارسها الكاتب على هواه. و من بين النصوص الأدبية التني اتخذت لها " الشذرية " سبيلا في الانكتاب قصائد ديوان " مناورات في كواليس الصمت " للشاعر المغربي المغترب بن يونس ماجن.. ففي قصيدته " في هذا النهار الذي يلتصق بظل الشمس" مثلا ، عمد الشاعر إلى تقسيم قصيدته إلى أحد عشر مقطعا ، تفصل بين مقطع و آخر نجيمات بارزة ، و كذلك الشأن بالنسبة لقصائد أخرى و هي " كلمات عارية" و "الحرب المهذبة.. الحرب المتحضرة" و " مقاطع كتبت قبل مغيب الشمس" و " مناورات في كواليس الصمت" غير أن التغيير الوحيد الذي و قع هو أن الأرقام نابت عن النجيمات ، هذه الأخيرة التي ما فتئت أن عادت لتقوم بوظيفتها في" قصيدة حلم مشاغب". و لا شك أن القارئ لنصوص هذا الديوان المشار إليها سابقا ، سيتوهم أن لا رابط بين المقاطع ، التي تشكل - في آخر المطاف- القصائد. ذلك أنها صيغت بشكل يوحي بأن كل مقطع مكتف بذاته ، و هو يشكل وحدته العضوية دون أن يحتاج إلى مقطع آخر ليتمم معناه ،أو يوضحه ، و إن كان ذلك صحيحا نسبيا من وجهة نظر معينة ، فإنني أرى أن هذه المقاطع- و انطلاقا من قراءة ترتكز على محوري الاختيار و التأليف- بقدر ما تشكل وحدة دالة و موضوعية ، فإنها بالمقابل ، تساهم متظافرة ، في بناء الدلالة الكبرى التي تطمع القصائد إلى تشكيلها. ففي قصيدة " كلمات عارية مثلا ، يقول الشاعر في المقطع الأول: المدين الرابضة فوق سطح البحر تشبه واحة قرمزية في مواسم الصهيل و الجمر إننا أمام مقطع / قصيدة يذكرنا بقصائد الهايكو ، التي لا تتجاوز غالبا ثلاثة أسطر ، ومع ذلك فهي تمنح المتلقي انطباعا، مفاده أنها بنت كيانها و دلالتها بشكل كامل ، و ليست- بالتالي- في حاجة إلى المزيد، الذي يمكن - في حالة إضافته- أن يسيء إليها أكثر من أن يضيف إليها أي دلالة أو جمالية.، و إذا تاملنا مقطع بن يونس المومأ إليه، سنجد كل شيء متوفرا هنا:الزمان: مواسم الصهيل و الجمر.المكان: المدينة . الصورة الشعرية: تشبيه المدينة بالواحة. الدلالة بؤس المدينة التي تكتوي بجحيم الحرب. لكن ما إن ينتقل القارئ إلى المقاطع الأخرى المشكلة للقصيدة ، حتى يلاحظ أنها تتظافر مجتمعة لبناء معنى القصيدة و وحدتها العضوية ، و لا يتحقق ذلك بضرورة بالانتقال من مقطع إلى المقطع الذي يليه ،بل يمكن الانتقال بين المقاطع حسب ما يمليه منطق القصيدة ،أو الرؤيا التي توجه قارئها ، و لعمري فذلك ينسجم كثيرا مع طبيعة التشذير، التي تبغض النظام الخارجي للأشياء و منطقيتها ، بل تسعى إلى خلق نوع من البلبلة لدى المتلقي، هذ البلبلة نابعة بالأساس من تصور معين للكتابة يعتنقه الشاعر كما سلف الذكر، فإذا أخذنا مثلا المقطع الثالث من القصيدة ، و الذي يقول فيه الشاعر: النوراس أعياها الانتظار فسقطت في فكي تمساح. وجدنا أن هذا المقطع يتمتع بوحدة عضوية ذاتية ، وهو في نفس الوقت يتكامل مع المقطع الأول ، و ينسجم معه .. فإذا كانت المدينة في حالة حرب ، فمن المنطقي أن النوارس و هي هنا كناية عن سكان المدينة أي البشر ، ستسقط فريسة لتمساح يحكم عليها قبضة فكيه المتوحشين ، و لا نحسب التمساح هنا غير الغازي الذي فرض على المدينة حربه الشرسة. و يمكن أن نذهب بالتحليل إلى أبعد حد مع باقي القصائد ، و لا أظن أن السعي سيخيب للعثور على هذا التكامل على مستوى التأليف أو ما يطلق عليه المحور الأفقي ، دون إلغاء لاستقلالية المقاطع ضمن مستوى الاختيار أو ما يطلق عليه المحور العمودي ، ففي قصيدة "مناورات في كواليس الصمت" مثلا نجد حضورا ملفتا لهاجس الذات و الكتابة في كل مقطع من مقاطع القصيدة و إن كان هذا الحضور متفاوتا من مقطع إلى آخر. هكذا ومن خلال ماتقدم، يمكن أن أزعم بكثير من الحذر طبعا ، أن الكتابة الشذرية ، التي التجأ إليها الأدباء في المدة الأخيرة ، و من بينهم شاعرنا بن يونس ماجن، و التي تعد إحدى معالم التحديث في الكتابة ، فرغم ما توحي به من رفض للنظام و المعنى و النسقية و الخضوع للزمان ، فإن وحدة موضوعية و شكلانية تنتظم نصوصها مهما تشذرت ، يتبدى لنا ذلك إذا ما تناولناها ،دراسة و نقدا، انطلاقا من محوري الاختيار و التأليف الذي نظرت و روجت له المدرسة البنيوية في تعاطيها مع النص الأدبي
#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حانة لو يأتيها النبيذ احتفاء بالجسد و النبيذ و الموت
-
-حب .. و بطاقة تعريف- للقاص عبد السميع بنصابر جواز مرور نحو
...
-
بين الأدب والتاريخ*
-
استثمار اليومي ضمان لأصالة الكاتب
-
الحوار المتمدن صرح حضاري شامخ
-
ملامح السخرية في المجموعة القصصية -الخلفية - للعربي بنجلون.*
-
رسالة مفتوحة إلى الشاعر حسن نجمي
-
هل -بيداغوجيا الكفايات - طريقة ملتوية لتطبيق شبكة التنقيط؟
-
حنان كوتاري تنقش اسمها بالحناء في مدونة القصة المغربية
-
بلاغة الغموض في - أشرب و ميض الحبر - للقاص اسماعيل البويحياو
...
-
ليلة إفريقية رواية جديدة للكاتب مصطفى لغتيري
-
رواية -عائشة القديسة- أو الوجه الآخر لمجتمع يصارع الانفصام
-
حوار مع مصطفى لغتيري حول الرواية المغربية
-
حضور الذات حقيقة و مجازا في ديوان - بقايا إنسان- لكريمة دليا
...
-
وقع امتداده.. و رحل- مجموعة قصصية جديدة للقاصة السعدية باحدة
-
أنماط الرواية العربية الجديدة
-
على أعتاب المكاشفة
-
رسائل إلى أديب ناشئ
-
الإبداع القصصي عند يوسف إدريس
-
أنطولوجيا القصة المغربية
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|