أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - بين الأدب والتاريخ*















المزيد.....

بين الأدب والتاريخ*


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 2877 - 2010 / 1 / 3 - 23:11
المحور: الادب والفن
    


رغم ما يبدو ظاهريا من اختلاف بين الأدب والتاريخ، نتيجة لاختلاف مجالي اشتغالهما، فإن هناك علاقة خفية تحيك وشائج متشابكة فيما بينهما، حتى أن المدقق في هذه العلاقة سيكتشف – لا محالة- نوعا من التكامل غير المعلن يربط بعضهما ببعض..قد يبدو جليا حينا ،لكنه يأبى الإعلان عن نفسه أحيانا أخرى.
فإذا كان التاريخ بحكم ماهيته وموضوعاته ومناهجه ،ينطلق من معطيات تاريخية واقعية ،من أجل التأريخ للمسار البشري ،محاولا البلوغ إلى أكبر قدر من الموضوعية والحياد ،فإنه اتخذ في كثير من الأحيان من النص الأدبي وسيلة لاشتغاله ،باعتباره وثيقة تكشف عن بعض التفاصيل ،التي تسعفه –حتما – في بناء صورة متكاملة حول فترة زمنية معينة ..فبفضل أساطير بابل – مثلا - ذات الصوغ الأدبي التخييلي ،استطاع المؤرخون الكشف عن بعض مظاهر الحياة الواقعية لحضارة بلاد الرافدين ..كما لا تخفى أهمية شعر ما قبل الإسلام في رسم بعض ملامح الحياة في تلك الفترة من الزمن.
والأدب ،رغم الطابع التخييلي المهيمن على مجال اشتغاله ،فإنه كثيرا ما التجأ إلى التاريخ ليرفده ببعض معطياته ،من أجل توظيفها في نسج بعض الآثار الأدبية الخالدة..نذكر – في هذا الصدد – على سبيل المثال لا الحصر،الإلياذة والأوديسا اللتين ارتكزتا على أحداث واقعية ، كانت بلاد الإغريق مسرحا لها.
ولم يكن الأدب العربي بدعا في هذا المجال، إذ استلهم بعض الأدباء التاريخ لكتابة نصوص أدبية، سواء كانت هذه النصوص رواية أو شعرا أو قصة قصيرة أو مسرحية..وقد لمع نجم جورجي زيدان في هذا النهج حتى ارتبط اسمه بالرواية التاريخية ، كما خلف لنا نجيب محفوظ ،في بداية حياته الأدبية، روايات سارت على نفس المنوال، نذكر منها " كفاح طيبة" التي تستلهم التاريخ الفرعوني الموغل في القدم ،و" الكرنك "و"يوم قتل الزعيم "اللتين تستلهمان تاريخ مصر الحديث .
وقد أدلى الأدب المغربي بدلوه في هذا المجال ،وكانت الرواية أكثر جرأة في اقتحام هذا المضمار من باقي الأجناس الأدبية الأخرى ،وهكذا اشتهرت بعض النصوص الروائية باستثمارها لمعطيات التاريخ القديم والحديث ،ويمكن أن نستدل على ذلك برواية "العلامة" التي استدعى فيها بنسالم حميش شخصية "ابن خلدون" ووظفها من أجل خلق أثر أدبي مميز ، استحق عليه جائزة نجيب محفوظ الأدبية..كما يمكن ذكر عدد من الروايات التي انكب اهتمامها على تاريخ المغرب الحديث وخاصة فترة الاستعمار، ومنها روايتي "دفنا الماضي" و "المعلم علي" لعبد الكريم غلاب.
وفي الآونة الأخيرة اتخذ هذا الميسم طابعا أكثر عمقا ،إذ لم يعد الأديب مكتفيا بالتوظيف الخارجي للمعطى التاريخي ،حدثا كان أو شخصية ،بل عمد إلى جعله جزءا من بنية النص ،وذلك لتحقيق أهداف فنية و دلالية ،هي بالتأكيد تضفي على الإبداع قيمة مضافة.
وفي مجموعتي القصصية الأخيرة "مظلة في قبر" كان هاجس توظيف المعطى التاريخي مهيمنا على ذهني ووجداني، محاولا- بذلك- الاستفادة من النبع الثر للتاريخ، قصد توظيفه في بعض النصوص..لكل ذلك حفلت المجموعة القصصية بجملة من الأحداث التاريخية والشخصيات، التي وسمت المسار الإنساني ببصماتها الواضحة ،من أمثال نيرون وهنيبعل وكليوباترا وبلقيس وغيرهم.
وقد اتخذ توظيف الرموز التاريخية في المجموعة أشكالا متعددة، منها ما يحيل على التاريخ بشكل عام بنوعيه الواقعي والأسطوري..ففي قصة "منطق" مثلا، نقف على تلك المفارقة الساخرة التي يوحي بها الاستنتاج المنطقي من قراءة التاريخ، باعتباره مجالا خصبا لاستخلاص الدروس والعبر، تقول القصة..
بعد قراءته لسير العظماء
لاحظ الرجل أن أكثرهم مات منتحرا
بكثير من الرهبة استعرض أسماءهم
هرقل..كليوباترا..هنيبعل. . نيرون..
أخيرا استنتج مايلي..
لكي يكون الرجل عظيما ،
لزاما عليه أن يموت منتحرا.
ومما لا شك فيه أن توظيف المعطيات التاريخية يخدم كثيرا نصوص القصة القصيرة جدا، خاصة من الناحية الفنية ،أعني بها تقنية الكتابة ،فالقصة القصيرة نظرا لقصر الحيز الذي تشغله كتابيا ، لا يسعفها ذلك في بناء الشخصية مثلا ،فتلجأ إلى التاريخ لإخراجها من هذه الورطة ،وذلك من خلال اقتباسها لشخصيات محددة الملامح والأبعاد ،فلا يحتاج بعد ذلك الأديب سوى الاشتغال على الجوانب، التي تهمه في القصة..نقرأ مثلا في قصة "الخطيئة"..
بخطى واثقة ،توجه نيوتن نحو شجرة.
توقف تحتها، وطفق يتأمل ثمارها..
أحست تفاحة بوجوده ،فارتعبت..
ألقي في روعها أنه آدم يوشك ثانية أن يرتكب فعل الخطيئة..
حين طال مكوثه ،انتفضت فزعة ،فانكسر سويقها..
هوت على الأرض ،واستقرت هامدة بالقرب من قدميه.
كما يسعى هذا التوظيف إلى تعميق الدلالة ،والكشف عن أبعاد وجودية ونفسية وفلسفية عميقة ،يتغيى الكاتب إبرازها بطريقة فنية ،بعيدا عن صرامة النسق الفلسفي ،وواقعية المعطى التاريخي..نقرأ في قصة "المومياء"..
في كل خطوة خطاها نابليون نحو مصر ، ظل يداعب خياله حلم ، بأن يعثر هنالك على كليوباترا أخرى ، ينسج صحبتها قصة حب ، تخلد ذكراها في وجدان البشر .
جدّ نابليون في البحث ، و نصب عينيه ما حدث منذ زمن سحيق بين ” أنطونيو ” و معشوقته ” كليوباترا ” .
لم يأل جهدا في سبيل تحقيق مبتغاه .. لكن بعد مدة طويلة من التقصي ، اقتنع أخيرا ، أن المرء ليس بوسعه السباحة في نفس النهر مرتين .. حينذاك حمل معه مومياء ، و عاد قانعا بغنيمته إلى فرنسا .
وقد يفاجأ الكاتب أن التاريخ كاتب بارع يخط بأنامله الرفيعة أجمل القصص وأروعها ،حينذاك يكتفي بأن يكون ناقلا أمينا، وهذا ماحدث في قصة ثورة ذات المرجعية الواقعية الحقيقية ..
أطلت زوجة الحاكم من شرفة قصرها..
رأت جحافل الشعب ثائرة..
سألت وصيفتها قائلة..
- لم يفعلون ذلك؟
- أجابت الوصيفة ..
- إنهم يطالبون بالخبز ،لقد أنهكهم الجوع.
- مستغربة تساءلت زوجة الحاكم..
- لم لا يأكلون الحلوى؟.
وقد يركز الكاتب على تفصيل صغير في الحكاية التاريخية، لم يسبق الاهتمام بها، هدفه خلق الدهشة لدى المتلقي ومن ثمة المتعة، ضالة قارئ الأدب.. جاء في قصة بلقيس..
في قصر سليمان،حينما كشفت بلقيس عن ساقيها المرمريتين،كان هناك في مكان ما عين تختلس النظر ،وترتشف بالتذاذ تفاصيل القوام البهي.
من مكانه قي إحدى شرفات القصر،رأى الهدهد ما حدث ، فاعتصر قلبه الندم.
منذ ذلك الحين أقسم الهدهد بأن لا ينقل مطلقا الأخبار بين البشر، وأن يلزم الصمت إلى أبد الآبدين.

*ألقيت هذه الورقة في حفل توقيع المجموعة القصصية "مظلة في قبر" في رحاب كلية الأداب و العلوم الإنسانية -عين الشق بالدارالبيضاء.



#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استثمار اليومي ضمان لأصالة الكاتب
- الحوار المتمدن صرح حضاري شامخ
- ملامح السخرية في المجموعة القصصية -الخلفية - للعربي بنجلون.*
- رسالة مفتوحة إلى الشاعر حسن نجمي
- هل -بيداغوجيا الكفايات - طريقة ملتوية لتطبيق شبكة التنقيط؟
- حنان كوتاري تنقش اسمها بالحناء في مدونة القصة المغربية
- بلاغة الغموض في - أشرب و ميض الحبر - للقاص اسماعيل البويحياو ...
- ليلة إفريقية رواية جديدة للكاتب مصطفى لغتيري
- رواية -عائشة القديسة- أو الوجه الآخر لمجتمع يصارع الانفصام
- حوار مع مصطفى لغتيري حول الرواية المغربية
- حضور الذات حقيقة و مجازا في ديوان - بقايا إنسان- لكريمة دليا ...
- وقع امتداده.. و رحل- مجموعة قصصية جديدة للقاصة السعدية باحدة
- أنماط الرواية العربية الجديدة
- على أعتاب المكاشفة
- رسائل إلى أديب ناشئ
- الإبداع القصصي عند يوسف إدريس
- أنطولوجيا القصة المغربية
- تسونامي - قصص قصيرة جدا - الكتاب كاملا-
- الكرسي -مسرحية من فصل واحد-
- إبداعات مغربية 2


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - بين الأدب والتاريخ*