أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - رسائل إلى أديب ناشئ















المزيد.....

رسائل إلى أديب ناشئ


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 2387 - 2008 / 8 / 28 - 01:35
المحور: الادب والفن
    


ترجمة أحمد المديني

تقديم مصطفى لغتيري

حقيقة، لقد أحسن أحمد المديني صنعا، بجمعه بين دفتي كتاب هذه المادة الدسمة ،التي قلما يتأتى الحصول على مثلها لقراء العربية، ولعلنا لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا هذا الكتاب درة نفيسة، أولا بالنظر إلى المادة العلمية التي يحتويها، وثانيا لطبيعة الفئة التي يتوجه إليها بشكل خاص ، وأقصد بها ناشئة الأدب، فهذه الرسائل وإن كانت موجهة في الأصل إلى قارئ غير عربي، فإنها، وبفضل هذه الترجمة الأنيقة والممتازة، أضحت رسائل موجهة إلى أديب مغربي وعربي ناشئ، يتعثر بخطواته الأولى في سديم البدايات، فإذا بهذا الكتاب بمثابة ذلك السراج الذي يقهر الظلمة، لتتبين له معالم الطريق واضحة، فلا يحتاج بعد ذلك الأديب الناشئ سوى أن يشد من أزره، ويستجمع أنفاسه لمواصلة الطريق، الذي أبدا لن يكون الخوض فيه هينا أو متيسرا.

والكتاب يتكون من شقين رئيسين أو لنقل جزئين مختلفين، يجمع بينهما هدف مشترك، وهو التوجه إلى أديب ناشئ لإسداء النصح له، حتى يتسنى له وضع قدميه على الطريق الصحيح، وذلك بتوضيح بعض القضايا، التي غالبا ما تلتبس على هذه الفئة من الوالجين حديثا إلى دنيا الأدب.

فالجزء الأول الموسوم ب "رسائل إلى شاعر ناشئ" يتوجه فيه الشاعر الألماني راينرماريا ريلكه إلى شاعر شاب، عبر المراسلة ليقدم له العون من خلال تقييمه لبعض ما يرسل إليه من إنتاجاته الشعرية، ونجد في هذه الرسائل-نتيجة لطابعها التجريدي والنظري-تأملات عميقة حول طبيعة الفن وماهيته، مصاغة ضمن لمحات فكرية، نابعة عن تجربة كبيرة في الكتابة والحياة.. كل ذلك موسوم برؤيا فلسفية عميقة وجدلية.. فمثلا حين يشتكي الشاعر الشاب من وحدته يجيبه راينرريلكه "إننا في العمق، وبالتحديد بالنسبة للجوهر، وحيدون، بصورة لا نظير لها" ص19. وكأنني به يقول الأصل في الإنسان هو وحدته، لذا عليه أن يتحملها دون شكوى أو تبرم.

وما إن نستمر في القراءة حتى تستوقفنا تلك الحكم العميقة، التي يجود بها الشاعر لكل مقتف طريقه نحو المجد الأدبي، ومنها أن لا سبيل إلا الصبر منهجا للأديب الناشئ "فالصيف-كما يقول- يأتي ولكن للذين يعرفون الانتظار هادئين" ص22. وهو في هذا المثال البليغ يتقاطع مع قول نيتشه "إن تجمع المياه في الينابيع لا يتم إلا ببطء، وقد تمر أزمان قبل أن تدرك المجاري ما استقر في أغوارها" وهكذا نخرج من خلال قراءتنا لهذه الرسائل بخلاصة مفادها أن الاستعجال يقتل الموهبة، وبالصبر وحده، وفسح المجال للتطور الطبيعي الذي يتم في أعماقنا، تنضج الموهبة وتثمر، وهنا بالضبط لا يتوانى الشاعر في الإعلان بأن على "الشباب أن يذخر، أولا، أن يراكم، فعطاء الذات هو اكتمال" ص38.

وهذا التطور الذي ينبهنا إليه، لا يأتي من خارجنا بل يحدث داخلنا وبشكل تدريجي.

ولا يتحقق ذلك إلا عبر التوغل في الذات بعيدا عن الضوضاء وبمنأى عن استباق المصير ،الذي أبدا لن ينبع إلا من أعماقنا..ولعل أبلغ تعبير عن ذلك ما جاء في الصفحة 47 حين يقول الشاعر "أسلم نفسك دائما في كل ما هو صعب إلى وحدتك، واترك الحياة تفعل فعلها مع الباقي".

وإذا كان الشق الأول من الكتاب يتضمن تأملات موغلة في التجريد، فإن الشق الثاني كان أكثر إجرائية، بحيث بالإضافة إلى التوجهات العامة ،التي يوجهها الكاتب "ماريو فارغاس يوصا" إلى كاتب شاب مفترض، فإنه يخصص جزءا كبيرا من توجيهاته إلى قضايا عملية محسوسة كالأسلوب والسرد والزمان والحبكة..

ويفتتح الكاتب رسائله بالتأكيد على الموهبة التي يعتبر توفرها أكبر مكافأة للكاتب، ولا يفوته في هذا الصدد أن يقترح تعريفا لها قائلا بأنها "استعداد أولي ذاتي، تلقائي، أو متكون في الطفولة أو الفتوة، يتعزز بهذا الاختبار العقلاني لكن ليس المصنوع صنعا، عنوة" ص59، ثم ينتقل الكاتب لمحاولة فهم السر وراء خلق القصص وإبداعها، ليخلص إلى اعتبارها تمردا ورفضا لحياة من نوع ما فالتخيل-في رأيه-خلق لعالم مفقود لدى الكاتب.

وفي هذا الفصل تستوقفنا بكثير من المتعة تلك الدودة التي تتغذى من مخ الكاتب وعقله وذاكرته، في استعارة جميلة وموفقة اقتبسها الكاتب من توماس وولف، وذلك للتدليل على أن الكتابة ليست ترفا أو تزجية للوقت، وإنما طريقة للعيش بل وديانة.

من ثمة يعرج بنا الكاتب على أهمية التجربة بالنسبة للروائي، فهي منبع التخييل يغترف منها، إذ أن الكاتب يستمد مواضيعه من الحياة، ولعل الوصف الموفق للروائي بالغول الذي يقتات من نفسه يجعل القارئ يقف بشكل لا لبس فيه على المعنى الذي يهدف الى توضيحه.

وإذا كان صحيحا أن التجربة هي حجر الزاوية في العمل الروائي، فهذا الأخير لن يقوم إلا إذا امتزج بالخيال "فإذا كانت نقطة الانطلاق في الإبداع الروائي هي معيشه، فإنه لا ولن تكون نقطة الوصول" ص70.

وحين يتطرق الكاتب للمواضيع يركز على أنه لا يمكن التفاضل فيما بينها إلا من خلال الطريقة التي قدمت بها، إذ لا وجود-حسب رأيه-لموضوع رديء وآخر جيد، بل هناك طريقة كتابة وبنية سردية جيدة أو رديئة، وعبر هذا الطرح نجد أنفسنا في صلب تقنيات العمل الروائي، من خلال قضية الشكل والمضمون اللذين هما-في طرحه-وحدة لا تتجزأ ، لينتقل بنا الكاتب بعد ذلك وبسلاسة نحو قضية غاية في الأهمية وتتجلى في قوة الإقناع التي يجب أن يتمتع بها الروائي، ويلخصها في ضرورة توظيف المعيش الضمني للشخصيات حتى يتسنى لنا الشعور بأن الرواية تتطور من الداخل وليس من الخارج، لأن الرواية الجيدة هي التي لا تروي قصة بل تلك التي تجعلنا نعيشها، وبالتالي فسلطة الإقناع تقوم على تقليص المسافة بين التخييل والواقع، وذلك بإيهام القارئ بوجود استقلال ذاتي بالعلاقة مع العالم الذي يعيش فيه" ص76.

وعند طرحه لقضية الأسلوب ينطلق الكاتب من اعتباره أهم مقومات الشكل الروائي، وأن أهميته وقوته تنبع من فعاليته، وذلك لن يتأتى إلا من خلال الإيحاء بحقيقة ما يحكي، والأسلوب الجيد-في نظره-يتميز بخاصيتين أساسيتين: التماسك وطابع الضرورة، وإذا كان التماسك معروفا فإن طابع الضرورة يعني به الاندماج التام بين المحتوى والشكل، وفي هذا الصدد وقصد التوضيح يورد بعض النماذج لكتاب مشهورين مثل بورخيس وماركيز من خلال الوقوف عند مميزات أسلوب كل منهما.

ولا ينهي الكاتب هذا الفصل دون أن يتوجه للكاتب الناشئ بنصيحة لا يمكن الاستغناء عنها، وتتمثل في أن الأدب صنعة لا يغني عنها توفر الموهبة، لذا على الأديب الناشئ أن يجهد لتكوين أسلوبه الخاص، وذلك عبر القراءة الغزيرة مع مراعاة عدم التأثر بأسلوب من يقرأ لهم.

ودون الإيغال في كل ما يتضمنه الكتاب من تفاصيل سواء تلك التي تخص السارد من خلال ماهيته وأنواعه وأهميته في عملية الحكي، أو الزمن بنوعية الكرونولوجي أو السيكولوجي الذي اعتبره الكاتب زمن الرواية بامتياز، أو الوقوف عند بعض تقنيات الحكي المختلفة والمتشعبة، فإن الكتاب في مجمله وتفاصيله يستحق وقفات متأنية لكل من يود شق طريقه في المجال الأدبي، بل وأظن أن حتى المتمرسين في الأدب لا غنى لهم عنه.

ولا يسعني ختاما أن أنهي قراءتي لهذا الكتاب القيم إلا بالنصيحة التي ختم بها الكاتب "ماريو فارغاس يوصا" رسائله، والتي لابد وأن صداها ظل يتردد في آذان ذلك الأديب الناشئ المفترض أو الحقيقي حيث يقول "من المستحيل أن نعلم أحدا كيف يبدع، وأقوى ما نستطيع تعليمه هو القراءة والكتابة، أما الباقي فكل واحد يتعلمه بنفسه، وهو يتعثر، ويسقط وينهض من جديد بلا انقطاع".



#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإبداع القصصي عند يوسف إدريس
- أنطولوجيا القصة المغربية
- تسونامي - قصص قصيرة جدا - الكتاب كاملا-
- الكرسي -مسرحية من فصل واحد-
- إبداعات مغربية 2
- ضفائر للطيفة لبصير
- إبداعات مغربية
- السرد الروائي في رواية - رجال وكلاب- لمصطفى لغتيري
- روايات مغربية.. 2
- مميزات القصة القصيرة جدا ومرجعياتها الثقافية والواقعية (أضمو ...
- روايات مغربية
- التخييل القصصي القصير جدا في تسونامي
- ملامح شعرية في المجموعة القصصية -تفاح الظل- لياسين عدنان*
- قصص قصيرة جدا من - مظلة في قبر-
- حوار مع مصطفى لغتيري بمناسبة صدور -تسونامي-
- -الشيء ونقيضه -ثنائية فلسفية عميقة تؤثث ديوان -بين -ذراعي قم ...
- المفارقة والسخرية في مجموعة (تسونامي)*
- قصص قصيرة جدا من تسونامي
- قراءة في حب على طريقة الكبار لعزالدين الماعزي
- المغرب بلد قصصي بامتياز


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - رسائل إلى أديب ناشئ