أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى لغتيري - المفارقة والسخرية في مجموعة (تسونامي)*















المزيد.....

المفارقة والسخرية في مجموعة (تسونامي)*


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 2274 - 2008 / 5 / 7 - 10:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عبد الرحمان مولي
1- العناوين : اختار الكاتب عنوان قصة من قصص مجموعته ليجعل منها عتبة أولى أي عنوانا رئيسا " تسونامي" ، وهذا العنوان يحيل في مخيالنا على الطوفان الذي اجتاح شاطئ أندونيسيا خلال سنوات القليلة الماضية ، و قد كان قاسيا و جارفا، إلا أن مصطفى لغتيري يزيحه عن مكانه الذي وقع فيه، وينقله إلى إفريقيا، جاعلا إياه يجرف الطلاء ، الذي كان بعض الغرباء يدهن به ذيل القارة في قصة (تسونامي)... فظاهرة "تسونامي" هنا انتقلت من مكانها وزمانها، لتنأى بعيدا عن معناها في تصورنا ،ولتحقق عند الكاتب المفارقة التي تتمثل في تنظيف تسونامي لذيل القارة من أجنبي، كان يريده أبيض فاقعا .

و في المجموعة ثلاث وخمسون قصة قصيرة جدا، عناوين خمسين منها تتشكل من كلمة واحدة هي -غالبا- اسم نكرة ، مما ينم عن التكثيف في العناوين أيضا، مع الإبقاء على قوة الدلالة والإيحاء فيها.


2- اعتماد المفارقة والسخرية في المجموعة:

إذا كانت حكاية القصة القصيرة جدا " مختصرة سهمية والحدث فيها يتجه رأسا ليواجه ظرفه المضاد..." كما يقول د. يوسف حطيني في مؤلفه القيم "القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق" فإن عنصرا المفارقة والسخرية يطغيان على قصص المجموعة القصصية "تسونامي" ، حيث يخلقان عوالم جذابة للقارئ، صادمة له أحيانا، مثيرة لدهشته وإعجابه وشاحذة لمخياله... فالكاتب اعتمد كثيرا على إبراز التناقضات والمفارقات التي تحفل بها حياة الإنسان المعاصر، وحطم حاجزي الزمان والمكان واستخدم براعته في اللغة وتقنياته في السرد ليخرج إلى المتلقي العربي بقصص قصيرة جدا متميزة بحكائية جذابة، ترصد موافق إنسانية مثيرة في كلمات قليلة... فالقصة عند الكاتب لا تكاد تتجاوز الستين كلمة في معظمها ومع ذلك هي حمالة مفارقات ساخرة وعجيبة..

ومن أجل ذلك يركب كاتبنا مطية استلهام فضاءات متنوعة كالبحر في قصة (المطهر) والجنة في (خداع) والشاطئ في (حذر) كما يستلهم شخصيات متميزة في تاريخ البشرية كالمعري ودانتى وبورخيس ونيتشة وسيمون دي بوفوار وجورج واشنطن وآدم وفان غوغ، عدا الشخصيات التي يلمح إليها كغاندي مثلا...

وهي شخصيات يوظفها في نصوصه كما يوظف شخصيات عادية كالصبي في (حذر) أو التلميذ في (تفوكت) أو المرأة الأرملة في (ذكرى)، كما يوظف حيوانات كالدجاجة في (عدالة) أو الكلب في (قرار) وحشرات كالدودة في (نظافة)، ويوظف أحيانا ظواهر طبيعية كالنجمة في (اكتئاب).

كل من هذه الشخوص يؤدي دوره لخلق المفارقة التي تلهب القصة وتعطيها ألقها وروعتها:

ففي قصة (المطهر) ص 12 نجد سخرية لاذعة من توصيات العرافات في قول الكاتب "وبوحي من عرافة إفريقية حرصت على أن يكون عدد الغوصات سبعا"، وفيها أيضا سخرية من الذي يطهر من خطايا المحيط الأطلسي بالغوص في البحر الأبيض المتوسط.

وفي قصة (الموت) ص 14 تكون المفارقة في موقف الإنسان من الموت، فهو يتقبله راضيا حتى إذا جاءه هرب منه ليقع فيه... فكأنه يهرب من الموت إلى الموت.

أما في (تفوكت) ص 15 فالتلميذ يتعامل بلغتين: لغة المدرسة ولغة البيت، حيث الأهالي يتكلمون بالأمازيغية والأستاذ يعلم العربية، فيرى الطفل ببراءته أن للبيت لغته وللمدرسة لغتها، وهي مفارقة قد تمتد إلى حياتنا نحن في حيرتنا أحيانا: لأي المصطلحات نلجأ في مواقف مختلفة... ففي المكتب الأنيق الجميل في مصلحة بنكية أو شبه عمومية نسمع الموظفين والموظفات يتحدثون بلغة خاصة ويستعملون مقولات خاصة، وربما حاولت أنت أيضا استعمال ما لم تتعود استعماله من الجمل في حياتك، فنحن متعددو اللغات في حياتنا أيضا وتلك مفارقة قد تفضي إليها القصة، وقد تثير في مخيالنا غير ذلك من التأويلات والتفاسير.

وفي قصة (عدالة) ص 17 تكمن المفارقة الساخرة في كون العقاب ينزل بمن سلب حقه، وهو هنا الدجاجة التي سرقت بيضتها، إذ تفكر المرأة العجوز في ذبحها لأنها لم تعد نافعة في شيء....

ذلك ينطبق في كثير من الأحيان على واقعنا اليومي، حيث البريء يجلد ويعاقب، وحيث الصادق المستقيم يشقى، ليرفل السارق والمجرم في نعيم كان أولى أن يتمتع به آخرون، فالمعاناة كثيرا ما تكون في الحياة عقابا لمن لا يستحقها والشقاء سيف على رقاب الأبرياء المجدين، فالدجاجة للذبح مهها أخلصت وأعطت. وأية سخرية أكبر من أن تجازى بهذا الجزاء! والعنوان هنا ساخر جدا ومركز جدا وهو (عدالة)، وقد جاء عتبة ناجحة لقصة قصيرة جدا تفضي إلى دلالات عميقة ، من خلال السخرية اللاذعة التي ركبها القاص مطية لكشف جور الحياة وظلمها.

وفي قصة (أحلام) تتعطل آلة الحلم ليبحث الحالم عن أدوات لإصلاحها وكأنما هي سيارة أو ثلاجة أو آلة من هذه الآلات المستعملة في حياتنا.

سخر الكاتب من ظاهرة ملازمة لنا في حياتنا وهي الأحلام فتعطلت آلتها فتقرر إصلاحها بعدة الإصلاح.

المفارقة هنا تعكس رؤية الكاتب باقتناصه للحظات إنسانية، قد نغفل عنها ليقف عندها مبرزا إياها مسلطا عليها الأضواء لتشكيل أقصوصة جذابة، معتمدا على فن السخرية لإبراز قيمة الأحلام في حياة الإنسان، والتساؤل العميق هو: ماذا لو عاش الإنسان بدون هذه الأحلام؟ ماذا لو تعطل هذا الجانب الحيوي في حياتنا؟.

وفي القصة القصيرة جدا (ملاءمة) ص 43 حيث لا يجد ذو الأربعين المرأة التي تناسبه لأنها هي بالضبط تلك التي لا يناسبها هو... تتجلى المفارقة الساخرة واضحة، بمعالجة الكاتب لظاهرة ملاءمة الناس لبعضهم، وتحقيق الانسجام والتكامل مما لا يتأتى إلا قليلا... صاغ هذه المفارقة في شكل حوار بين صديقين، ينجلي عن رؤية خاصة للعلاقات الإنسانية، فمن يلائمك قد لا تلائمه ومن تلائمه قد لا يلائمك وهنا جوهر المسألة!.

إن ارتداء هذه القصة القصيرة جدا للباس الحوار كان شكلا أخاذا لنسج المفارقة... بينما في (العرافة) ص 48 التي جعل القاص (جامع الفنا) بمراكش فضاء لها، نجد أن الرجل محظوظ والدنيا - حسب نبوءة العرافة- تفتح أحضانها للسارد على أن يحذر النساء... فيتردد في دواخله:

- أي خط هذا بدون نساء!

المفارقة هنا في الحظ الذي قد يقبل لكن من دون امرأة...

وهي في الحياة ملازمة لنا في سعادتنا ولا يرى أحد أن السعادة تكون بدونها، بل هي خالقة هذه السعادة في أحيان كثيرة.
هنا تلميح إلى أن حظ الإنسان في هذه الحياة قد ينقصه عنصر أساسي: فهو مال بدون أبناء أو حظ سعيد بدون زوجة أو حياة زوجية سعيدة بدون مال... فلا يكتمل الحظ دائما، كما قال الشاعر قديما:

لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان

وفي (غزل) ص 51 يخلق التناقض في سلوك الأستاذ مفارقة عجيبة نعيشها في حياتنا على الدوام ربما لأن هذا التناقض ملازم لنا جميعا، فالأستاذ مع الشاعر يتحمس لشرح قصيدة الغزل بينما لا يقبل أن ترسم الفتاة قلبا على ورقة...

وهو تلميح واضح إلى خطأ بعض الأسس التربوية ، التي ينبني عليها مجتمعنا الإنساني كافة، وإشارة إلى ضرورة التفكير بجدية في دراسة قيم الحب والجمال في بلداننا وإفهامها للناشئة بطرق سليمة.

أما (احتجاج) ص 55 فالمفارقة فيها أن العمال المحتجين ضد الاستغلال وضعف الأجور ينقلبون إلى محتجين ضد زعيمهم، لأنه أطال خطبته الحماسية بعد أن تعب العمال وكلت حناجرهم. ظاهر هنا أن الاحتجاج قد ينقلب على الزعيم في الواقع فليس بالخطب وحدها تتحقق المطالب!.

إن المفارقة في كل ما أوردت من الأمثلة ،وفي غيرها تكون ساخرة أحيانا وصادمة في أحيان أخرى... وإن كانت ساخرة فهي قلما تدعو إلى الضحك، وإن أضحكت فهو ضحك مرير موجع كالبكاء، لأنها تنقل لحظة من حياتنا تنطوي على التناقض الذي يستعمله الكاتب مطية لبلوغ هدف إنساني نبيل ،مما يدعو إلى الاستغراق في التأمل الطويل، لذلك فالقصة القصيرة جدا هنا ربما تأخذ منا أكثر مما تعطينا، بقدحها لزناد الفكر وتحفيزها لمخيالنا، وذلك لتقنيتها المعتمدة على الإيجاز والتكثيف الشديد.

وإذا كانت غاية المبدع هنا تسليط الأضواء على مواقف إنسانية عادية، التقطها ليخلق منها ما يستدعي التوقف عندها وإماطة اللثام عن مفارقاتها ،وتعرية ما تستر منها بغرض جلب المتعة للمتلقي وإشراكه فيها، فإن (تسونامي) تعتبر نموذجا عربيا جميلا جدا ومتميزا جدا للقصة العربية القصيرة جدا.



#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة جدا من تسونامي
- قراءة في حب على طريقة الكبار لعزالدين الماعزي
- المغرب بلد قصصي بامتياز
- السخرية والغرابة في رجال وكلاب لمصطفى لغتيري
- حوار مع رئيس الصالون الأدبي المغربي
- عندما يطير الفلاسفة
- حوار
- بيت لا تفتح نوافذه لهشام بن الشاوي


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى لغتيري - المفارقة والسخرية في مجموعة (تسونامي)*