أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية : مَطهر 8















المزيد.....

الرواية : مَطهر 8


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 3042 - 2010 / 6 / 23 - 15:16
المحور: الادب والفن
    




بينَ قبضتيْ العزيز والباب العالي ، كانَ مجلسُ العمومية قد وَجدَ نفسَهُ مَحصوراً ـ كمَن يَنسَحِقُ رويداً بين حَجَرَيْن ، ثقيليْن ، في دَوران الرّحى . وإذ لم يكن لمجلسنا تصريفٌ في ذلكَ المَقدور ، فإنه آلَ إلى التلاشي والاضمحلال ، خصوصاً بعدما بدأ عددُ أركانِهِ بالتناقص : فما أن عادَ أحمد بك المصري من عكا ، مُتأخراً عني ببضعة أيام ، حتى اُبلِغَ بقرار إبعادِهِ عن عضويّة المجلس جنباً لجنب مع جنابنا.
إذاك بدا من ملامح القاروط ، التي كانت خاليَة من تعبير الإنزعاج ، أنه لم يُفاجأ بالقرار ذاك وكأنما كانَ يتوقعه سَلفاً. أمّا عني ، فلم يكن صعباً عليّ تمثيل دَور الشخص المَصدوم ، المُهان الكرامَة ـ كما كانَ قد رُسِمَ لي ، قبلاً ، في خطة الشاملي .
ولكنّ البك ، الماكر ، كانَ عليه أولاً تسليم رسالة سيّده ، المُوجّهَة إلى أعيان الشام عن طريق المجلس ؛ عليه كانَ ، مُتبسّماً بخبث ، أن يُخرجَ من قمْقمِهِ ذلك الجنيّ، المارد، الذي سيُبلبل بشدّة خاطرَ الآخرين ، المُجتمعين في صالون قصرهِ ، الباذخ . حَصَلَ ذلكَ عشيّة يوم وصول القاروط من السفر ، وما كانَ من إرساله لططر من لدنه ، لكلّ منا ؛ نحنُ أركان المجلس .
بدوري ، كنتُ قد رَجَعتُ لمدينتي الحبيبة ، بعدما قضيتُ بضعة أيام في دارَة عبد اللطيف أفندي في الزبداني ، صُحبة كبير المجلس . هذا الأخير ، شاءَ أن يركبَ الكرّوسة مع حميه ذاك ، حينما توجّه إلى قصر القاروط . وكانت مفاجأة لنا ، جميعاً ، أن يُعلنَ الوصيفُ حضورَ الزعيم برفقة الأفندي . " هذا الأمرُ ، المُستغرَب ، لم يَكن ليتورّط فيه كلا الضيفيْن ، الرفيعَيْ المَقام ، لولا أنّ ثمة تدبيراً ما في خلفيّته " ، هكذا فكّرتُ عندئذٍ .
" دَع صَديقيْنا ، المُبجَليْن ، يدخلان على الفور " ، أمَرَ المُضيف حاجبَه بنبرَة مُحتفيَة . وما لبثَ أن قامَ بنفسه لإستقبالهما ، مُتقدّماً إياهما عبرَ الفناء المَسقوف بالخشب المُزخرف . إنّ الداخلَ إلى كبرى قاعات القصر هذه ، لا غرو أن يُفتنَ نظرُهُ بعجائبها ؛ سواءً بالعمارة البرّانية المُتناسقة ، المُتواشج فيها الطابعَيْن الغربيّ والمَشرقيّ ، أو بالتلبيس الجوّاني ذي التزيينات الجصيّة والخشبيّة ، الملوّنة. وكانت القاعة من السِعَة ، أنها قسّمَتْ إلى طزراتٍ ثلاث ، مفصولة عن بعضها البعض بوساطة أعمدَة مُرخمة ، تحملُ بدورها عقوداً أو أقواس حجرية.

" إنّ القاروط ، ولا ريب ، يَسعى إلى تأثل وَجاهة أبيه ، الكنج الكردي ، بعدما ورَثَ ثروته وأملاكه "
قلتُ في سرّي ، فيما كانَ بصري يرتقي منزلة ً فمنزلة من أرضيّة قاعة الإستقبال المرمرية ، المَكسوّة بتشكيلاتٍ هندسيّة ، مُتنوّعة ، وصولاً إلى سقفها الخشبيّ ، المُرقش بنقوش زاهيَةٍ ـ كأنه سجادة ٌ أعجميّة ، ثمينة ونادرة.
إتفاقاً ربما ، كنتُ قد وصلتُ إلى قصر القاروط هذا ، المُعرّف من قبل الخلق باسم أبيه بالتبني ؛ والذي لحظ مَحاسِنَهُ بعضُ الرحّالة الإفرنج ، فأطنبوا بها لاحقاً في التذكرات المُدوّنة بلغاتِهم : فيما بعد ، مَزهوّاً وفخوراً ، سَيَعرض صاحبُ القصر على عياني نسخاً مطبوعة من هذه التذكرات ، حينما تكرّم باستضافتي لديه رَدحاً من الزمن . ولكن ، من الأفضل ألا أستبق ذكر الوقائع الآتية وأن أبقى في سيرة تلك الأمسية ، الأولى ، التي رأيتني فيها ثمة ؛ في منزل البك المصري .
" ما هذا الهراء ، المَكتوب هنا ؟ " ، هتفَ كبيرُ المجلس ساخطاً . ثمّ أضافَ قائلاً وهوَ يُلوّح الرقّ بيده " إنّ ما سِجّلَ في رسالة العزيز ، أقولها بصراحة ، لا يليقُ أبداً بمَقام سعادَتِهِ : إنه تهديدٌ ووَعيدٌ ، سافرَيْن ، لا يُمكن أن يَتقبّله بحال أعيانُ وأشرافُ الشام الشريف ". فما أن أنهى الزعيمُ نطقَ جملته هذه ، الأخيرة ، حتى أحدَقتْ فيّ عيونُ الآخرين من الحضور ، المَشفوعَة بهمهماتهم المُتسائلة . إذاك ، وأمامَ إلحاح أولئك الحاضرين ، الفاقدين شيمَة الصّبر، راحَ الشاملي يَقرأ بصوت عال ما جاء في رسالة عزيز مصر تلك . في وقتٍ آخر ، تال ، سأعلمُ يقيناً أنّ السَرْدار عَسْكر ، إبراهيم باشا ، هوَ من تولّى كتابة الخطاب نيابة ً عن أبيه الوالي : لأنه هوَ ، بنفسه ، من سيكون عليه أن يقودَ الحملة العسكرية ، الكبرى ، المُوجّهة للبلاد الشاميّة والهادِفة إلى ضمّها للولاية المصريّة . بيْد أني ، كما ذكرتُ تواً ، وعدتُ نفسي ألا أستبق رواية الأحداث القادمة.

جوّ عَكِرٌ ، مُكفهرّ ، كانَ عليه أن يتليَ تلاوة الزعيم لرسالة عزيز مصر .
ولكن ، بمَ كانَ يُفكّرُ هؤلاء الرجالُ ، الوجهاء ، الذين قدّرَ عليهم أن يَتنكّبوا قدَرَ مدينتهم المُقدّسَة ، المَنكوبَة بالفوضى والاضطراب والموعودَة فوق ذلك بغضبِ قادِم ، عليّ . المفردة الأخيرة ، وجدتها على لساني ، إتفاقا ؛ إلا أنها تحيلُ إلى صفة الباب العالي واسم العزيز على السواء . الإحباط ؛ هيَ المفردة الأخرى ، المُناسبة لوصف مشاعر كلّ من المجتمعين ؛ باستثناء البك ، المصري . هذا الداهيَة ، هوَ من بادرَ على كلّ حال بمحاولة التهوين من شأن لهجة خطاب سيّده : " أيها الأخوة ، الأكارم . اسمحوا لي ، أنا من حمَلَ لحضراتكم هذه الرسالة ، أن أبدي رأيي بمراميها وملابساتها " ، بدأ القاروط كلمته مُتوجّهاً ببصره نحوَ كبير المجلس . ثمّ استأنفَ القولَ بنبرَته الوديّة : " ليسَ من شيمة العاقل ، الحكيم ، أن يُترّسَ مصاريع باب الخلاص لمُجرّد التأثر والإنفعال . إني لا أضعُ نفسي ، هنا ، مُنافِحاً عن موقف سعادة العزيز ، بقدَر ما أضعها في تصرّف مجلس العمومية ، الموقر ، الذي مَنحني شرَفَ الثقة "
" إنها ثقة ، مُضيّعَة . لتعذرني ، أيها المحترم ، إذا قلتها لكَ صراحة ً " ، قاطعه الآغا العريان. ثمّ أضافَ كبيرُ العمارة بقوّة ودونما هوادة " وإلا ، فبمَ تبرّر مضيّكَ إلى مصر ، صُحبَة الآغا العطار ، بدون أذن المجلس ؟ ". القاروط ، من جهته ، إلتزمَ بهدوئه المأثور ، خصوصاً وقد لاحظ من أنظار الجماعة أنها آذنته بوخزات الريبة والتوجّس . على ذلك ، ردّ على مُحدّثه قائلاً بتسامح : " إني مُقدّرٌ أسبابَ سخطكَ ، يا آغا . وربما أنّ بقية الأخوة يُشاركونكَ ، أيضاً ، في رأيكَ . ولن أسعى ، الآنَ ، لتبرئة تصرّفي ذاك ، بل لتوضيح الحقيقة أمامَ حضراتكم : فكما أنكم لم تجدوا إلا شخصي ، المتواضع ، ليكونَ أهلاً لشرح وضعنا قدّام المير بشير ، كذلك الأمر بالنسبة له ؛ فإنه بدوره لم يرَ سوايَ قادراً على حمل رسالته للعزيز " . وقالَ له العريانُ ساخراً ، باتراً من جديد سبيلَ حديثه : " أكانت تلك رسالة َ توسّط لشخصكم ، أم لشخص مجلس العمومية ؟ ". فأجابه البك بالنبرة عينها ، المُتسامحة : " لعلمكَ يا عزيزي ، أنا لم أكن ، يوماً ، بحاجةٍ لمن يتوسّط لأموري مع سعادة العزيز . إنّ توكيله إيايَ لمصالحه في ولاية الشام ، موضوعٌ آخر ، غير مُرتبط بالمرّة مع موضوع رسالة المير بشير لسعادته ".

" فيما بعد ، سنأتي إلى بحث موضوع توكيل حضرتكم ، يا بك "
تدخلَ كبيرُ المجلس في المُجادلة مُخاطباً المُضيفَ ، ثمّ أضافَ قائلاً " فما يَهمّنا اللحظة ، هوَ معرفة خبيئة رسالة والي مصر هذه ؛ المحمولة من قبلكم إلى أعيان بلدنا ". إنّ تشديد الكبير على الجمع ، في المفردة المُختتِمَة جملته ، ربما لم تفُت البك ، المصري . وإذاً ، ردّ هذا مُتبسّماً بشيء من الخبث : " رسالة سعادته لأعيان بلدي ، سآتي على تفصيلها لاحقا . ولكن بدءاً يتوجّب عليّ التنويه ، بأنّ العزيز أصرّ على أن يتسلّمَ رسالة المير بشير من يَد أخينا ، الآغا العطار . لأنه في المرّة الأولى ، التي اجتمعتُ فيها مع سعادته لوحدي ، كانَ قد فجأني باقتراحِهِ أن أشغلَ وظيفة التوكيل تلك "
" كيفَ ذلك ، يا بك ؟ وأخونا الآغا ، بنفسه ، عيّنه العزيزُ مُساعداً لكَ ـ كما جاءتْ صِفتهُ في هذه الرسالة ؟ " ، تساءلَ الشاملي مُستغرباً . لبثَ البكُ مُتردداً لحظة ، ثمّ ما عتمَ أن أجابَ مُحرَجاً نوعاً : " إنّ ذلك التعيين ، الموسوم ، كما يَشهد أخونا الآغا ، تمّ في وقتٍ آخر ، تلا تسلّم العزيز لرسالة صديقه ، المير بشير "
" مهما يَكن الأمر ، كانَ عليكما أن ترفضا عرضَ العزيز ذاك ؛ بما أنكما عضوان في أركان مجلس العمومية " ، قالها الزعيمُ بقوّة ثمّ أردفَ من فوره " أما الآن ، فإنّ الوقتَ قد فاتَ ولا غرو . إنّ وكيل والي مصر ، السابق ، قد نشرَ الخبرَ بين معارفه هنا ، في الشام . وأعتقدُ أنه ، الخبر، أضحى حالياً شائعاً على ألسنة الخاص والعام ". الصمتُ ، ظلّل على الأثر جوّ المكان ، المُنار بالمقابل بمَسرَجَة عظيمة ، مُتدلّية من منتصف سقف القاعة . وبسبب إشكالات هذه الأمسية ، رأيتُ فناجين القهوة المُرّة ، ما بَرحَتْ في أماكنها راكدة لم تمَسّ بعد . نكهة القهوة ، المُهيّلة ، تبدّدتْ أيضاً بمشام رائحة الريَبِ والظنون ؛ التي اشتعلتْ في هواء القاعة وكأنما هيَ جذوات ندّ الجنّ ، الموجودين في مساريب الكثافة والعتمة. وما أدهَشني ، بوجهٍ خاص ، أنّ صَديقيْ القاروط ـ زعيم الصالحية وآمر الدالاتية ـ لم يَنبسا بنأمةٍ ما ، طوال الفترة المُنقضية . كانَ واضحاً ، إذاً ، أنّ خطيّة البك على جانب كبير من الفداحَة ، طالما أنّ نتيجتها صارتْ بمتناول العيان : وضعُ مصير الشام الشريف ( مدينة الله ، المَحميّة بسلطة خليفة المسلمين ، المُهيبة ) في مَهَبّ أطماع عزيز مصر ، غير المَعلومة حدودها أو مراميها .

" الجهادُ في سبيل الله ، الجهاد في سبيل خليفة رسول الله "
هكذا كانَ يتصايحُ الناسُ في دروب وأسواق المدينة ، وهم يَصفون عزيز مصر بـ " المارق " ؛ بصفة الوزير السابق ، المقتول جَهلاً وغدراً. لقد كانَ حَدَسُ الزعيم في مَحَلّه ، حقا . فلم يَنتشر خبرُ تعيين العزيزللقاروط وكيلاً له في الشام حَسْب ، بل وأيضاً رسالته لأعيانها ، الشديدة اللهجة ، والمُطالبَة إياهم بوضع مفاتيح أبواب المدينة بين يَدَيه وحالما يَحين الوقتُ السانِحُ ، المُقرر من لدنه. إذاك ، كنتُ وصديقي الجديد ، ميخائيل ، نتمشى ثمة في ربض البَحْصَة البرانيّة ، في طريقنا إلى القنوات . هذا الرجلُ، الوديعُ الطبع ، المَنعوت بـ " الدكتور " ، كانَ يقيمُ آنذاك بضيافة القاروط مع شخص من ملّته ، النصرانية ، اسمه حنا بحري . إنّ ميخائيل أكثرَ شباباً من ذلك الضيف الآخر ؛ فهوَ كانَ في مُستهلّ الثلاثين ، فيُماثلني إذاً في العمر . ولا ريب أنّ نعته ، الموسوم ، كانَ من وارد مهنته في الطبابة ؛ التي تحصّلَ على علومها في إمارة جبل لبنان أولاً ، وتالياً في القصر العَيني بالقاهرة.
" يا للجَهل والتخبط ، عندَ أولئكَ العوام " ، قالَ لي الدكتورُ بأسى وهوَ يوميءُ برأسه إلى الناحيَة الأخرى من الأسوار ؛ أين كانَ الخلقُ مُتجمهرينَ ويرفع بعضهم بيارق الدولة ، العليّة . ثمّ ما لبثَ أن عقبَ على مَشهَدِهِم ذاك ، قائلاً : " بينما نحنُ نهلّلُ لمُستعبدنا ، فإنّ اليونانيين في بلاد المورة يثورون على سلطته ويَفلحون بنيل حرّيتهم ". وكانَ ميخائيل بنفسه ، كما أعلمني قبلاً ، من مَناحِتِ ذلكَ الأصل ، الروميّ : إنّ جدّ أجداده ، الوجيه العامل في التجارة البحرية ، كانَ يَنحدرُ من جزيرة كرفو اليونانية ، المَحكومة في زمنه من لدن البنادقة ، قبلَ أن يفتحها أسلافُ سلطاننا ، المُعظم . ويبدو أنّ أسلافَ ميخائيل ، من جهتهم ، قد تاهوا في قفار الأرض المُحيطة بالبحر المتوسط ، قبل أن يَحط أحدهم رَحْلهُ في الاسكندرية. ثمة إذاً، نشأ والدُ حكيمنا ، وما عتمَ أن بدأ يؤوب رويداً إلى مهنة أجداده ، البحرية . إلى أن عيّنه والي مصر ، محمد علي باشا ـ الجديد آنئذٍ ـ كمسؤول عن سفنه التجارية ، العاملة بين طرابلس وبيروت وصيدا والاسكندرية. حتى إذا تعرّفَ الوالدُ على المير بشير ، الذي كانَ مُلتجئاً في ذلك الحين إلى حِمَى العزيز ، فإنه ما لبثَ أن رَجَعَ معه إلى جبل لبنان ؛ أين استقرّ مُرتاحاً ، أخيراً ، مع أسرتِهِ المُكوّنة من عدّة ذكور واناث.

" إنه الخوفُ ، يا عزيزي ، من يَدفعَ هؤلاء إلى نشدان حماية من يَستعبدهم "
قلتُ لميخائيل ، مُجيباً على ملاحظته تلك. ثمّ أضفتُ " في البدء ، عندما ضاقتْ عليهم سبل النجاة ، راحوا يلوذون بمُعتقد القيامة ، القريبة ، وفي نيّتهم التطهّر من الآثام قبل ميقات الأجل ، الحَتم ـ كما كانوا يظنون آنذاك . أما اليوم ، وإذ راحَ مبعوث السلطان ، الجديد ، يَعِدُ هؤلاء الناس بعفو مولاه ، السامي ، فإنهم نسوا أمرَ الآخرة وعادوا لحقيقة الحياة ، الأولى . إنّ تعبيرهم ، العلنيّ ، عن مُساندة الباب العالي ضدّ والي مصر ، الطامِح لضمّ ولايتهم لملكه ؛ هذا التعبيرُ ، فيه ما فيه من نفاق لا يمكن ان يَخفى عن بصيرة المبعوث ذاك ، السلطاني ". فوافقني صديقي على الرأي ، مُعلقاً : " أجل ، ولا شك. ولعمري ، فإنها شيمَة الدهماء في كلّ مكان وزمن . فما بالكَ هنا ، في بلادنا السوريّة ؛ في بلادٍ رَزَحَتْ قروناً مديدة ، مُمِضة ، في أرزاءِ الإستبداد والتخلف والظلم والقهر والفقر والفاقة ". الحق ، فإنها كانت المرّة الآولى ربما ، التي يُطرَقُ فيها سَمعي بكلمة " السوريّة " تلك ؛ التي عنى بها الدكتورُ صِفة ولايتنا ، الشاميّة.
" حتى خصوم الأمس القريب ، من اليرلية والقول والأورطات ، فإنهم اجتمعوا اليومَ على كلمة واحدةٍ ، سَواءُ : الجهاد " ، ندّتْ عني بنبرَة حزينة. فردّ الدكتورُ ساخراً وهوَ يُداعبُ ذقنه ، الحليقة : " لا تستغربنّ تغيّرهم ، الداهِم . إنهم كانوا متآلفين طوال تلك القرون ، المُنقضية ، على الشدّ والجذب مع الباب العالي . وإنّ وَجاهتهم ، في كلتا الحالتيْن هاتيْن ، كانت مَحفوظة ومُعترفاً بها . ومن ألِفَ شيئاً فإنه يَعتادُ عليه ، مهما كانَ ضاراً لمصلحته في آخر المطاف ". هذه الكلمات ، أظنني سَمِعتُ ما يُشابهها على لسان مُضيفنا ؛ البك المصري. بيْدَ أني ، أقولها على ذمّة ذاكرتي ، كنتُ موافقا على هذا الرأي ومُتحمّساً له ، أيضاً : أكتبُ ذلك ، مُنوّهاً كعادتي بوجودي في منأى جزيرة الأروام هذه ، مُسَرغناً . نعم . وياما كررتْ هنا ، في أمسيات منفانا ، مثل تلك الكلمات المؤسيَة ، المُتحسّرة على حال الأوطان ، البعيدة ، الما فتأتْ رازحة ً تحتَ وطأة الاستبداد العثماني ، الساحقة.
فحينما تركتُ القلمَ يَسقط مني ، مُهملاً شأنَ تجفيف الورقة بالنشافة ، فإني رحتُ أتفكّر بجارتي المسكينة ، رَحْمَة ، والتي لا بدّ أنها أخلدتْ للنوم مذ نحو الساعة : إنها تشاركني ، حالمَة ًعلى الأرجح ، في تذكّر هيئة ميخائيل البهيّة ، الودودة ؛ هيَ التي ما زالت تنتظره ، عُمراً ، مُتأملة بلقائه بعد مضيّ تلك الأعوام الطويلة ، الفائتة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية : مَطهر 7
- الرواية : مَطهر 6
- الرواية : مَطهر 5
- الرواية : مَطهر 4
- الرواية : مَطهر 3
- الرواية : مَطهر 2
- الرواية : مَطهر
- الأولى والآخرة : صراط 7
- الأولى والآخرة : صراط 6
- الأولى والآخرة : صراط 5
- الأولى والآخرة : صراط 4
- الأولى والآخرة : صراط 3
- الأولى والآخرة : صراط 2
- الأولى والآخرة : صراط
- الفصل الثالث : مَنأى 9
- الفصل الثالث : مَنأى 8
- الفصل الثالث : مَنأى 7
- الفصل الثالث : مَنأى 6
- الفصل الثالث : مَنأى 5
- الفصل الثالث : مَنأى 4


المزيد.....




- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية : مَطهر 8