أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ساطع راجي - الانهماك الشعبي بالسياسة















المزيد.....

الانهماك الشعبي بالسياسة


ساطع راجي

الحوار المتمدن-العدد: 3013 - 2010 / 5 / 23 - 17:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العراقيون جميعا، النخبة والعامة، رجالا ونساء، بمختلف اعمارهم، اغنياء وفقراء ومتوسطي الحال، متعلمين وغير متعلمين، وبشتى مهنهم وانتماءاتهم ينهمكون جميعا وبشكل يومي ومسرف في الشأن السياسي ويكاد ان يكون حديثهم الاوحد والاشمل والاطول هو السياسة، وصار بعض الساسة يتملقون عامة الناس بالقول ان العراقي، أي عراقي هو محلل سياسي لديه وعي وقدرة على المعرفة السياسية الكاملة وانه قادر على التمييز بين الساسة والتوجهات وانه (مفتح بالتيزاب)، وهو ما يفتح الباب على تساؤلات تتعلق بأسباب انهماك العراقيين بالسياسة ومدى احاطتهم او امتلاكهم للمعرفة السياسية وفيما اذا كان هذا الانهماك وبشكله الكثيف سلبيا أم ايجابيا، على حياة الفرد والوطن.
العراقيون ينشغلون بالسياسة بمعنى انهم ينشغلون بادارة الدولة لأن حياتهم مرتبطة بهذه الدولة التي تمثل المؤسسة الكلية للحياة في العراق، امنا واقتصادا وتربية وخدمات وصحة ودين واعلام وثقافة وحزن وفرح ودرجات حرارة واحوال طقس وعواطف، هكذا شاءت الاقدار السرية ان تربط حياة العراقي بالدولة وهكذا شاءت الاقدار الملتبسة والمجنونة احيانا ان تماهي وتدمج وتذيب الدولة العراقية بالسياسة وغالبا بالساسة انفسهم وربما باحدهم لتمتد الدولة وشؤونها في حياة هذا الـ(احدهم) وحياة اسرته وترتبط بمزاجه ورغباته، فتعود الدولة لتكون شأنا شخصيا في يد احدهم القابع في قمة السلطة بينما هي في نفس الوقت قدرا يتحكم بشخص في اقصى بقاع البلاد واكثرها بعدا عن معرفة واهتمام الدولة او من يتحكم بخيوطها.
العراقي بلا دولة يكاد ان يكون على حافة الموت ان لم يكن ميتا فعلا، وهو سيحتاج الدولة في موته ايضا، فمعظم مساحات النشاط الاقتصادي هي ملك الدولة والدولة هي المصدر الاساس للثروة حتى لرجال الاعمال في القطاع الخاص فالصفقات بعامة والدسمة منها بخاصة هي تلك التي تعقد مع مؤسسات الدولة بشكل مباشر او غير مباشر، وقطاع الخدمات بكل جوانبه مرتبط بالدولة، ونحن لا نشعر بالامان الا عندما نرى الدولة ماثلة امامنا للعيان بكل عدتها وعتادها، ولذلك عندما سقط نظام صدام تصرف الكثيرون او الجزء الاكثر تحركا في المجتمع وكأن الدولة انهارت او كأن منظومة الضوابط جميعها تهاوت وصار كل انسان حر فيما يفعل، فخارج الدولة بالنسبة للعراقي فضاء خرب لا محدود، والدولة هي الاب والام والراعي، ودونها اليتم والتيه.
انظمة الحكم المتعاقبة في الدولة العراقية الحديثة وقبلها الارث الثقافي السياسي هو الذي ربط حياة الناس بالدولة وبصورة ادق ربطها بالحاكم، واصبحت الدولة ومؤسساتها هي الممر الوحيد للحياة التي يتلقاها المواطن والمدهش في الامر ان هذا المواطن يريد الايغال في تكريس صورة هذه العلاقة مع الدولة كما ان الساسة ومع كل حديثهم عن السوق الحر والمجتمع المدني يدفعون الى تعظيم هذه العلاقة وحتى ما يقال عن قطاع خاص فإنما هو في جزئه الاعظم يتحول الى مشاريع يمتلكها الساسة الذين يديرون الدولة، فهم بذلك يمتلكون ذراعين ويأخذون بأحدهما ما تعطيه الاخرى ويحاولون بشتى الطرق اخفاء هذه العلاقة التي تمتد ايضا الى منظمات المجتمع المدني والممارسة الدينية والثقافية والاعلامية، ولذلك تكون السياسة هي الخيط الذي يربط كل شيء في العراق من اجرة التاكسي الى سعر الطماطة، مرورا باللوحات الفنية والقدرة على النوم ليلا المرتبط بالكهرباء التي توفرها الدولة والطقس الغباري الناجم عن انعدام الاحزمة الخضراء التي يجب ان تزرعها وترعاها الدولة.
العراقي العادي ليس سلبيا ولكن انظمة الحكم على تنوعها هي التي استحوذت على مقدرات المجتمع وتواصل الاستحواذ على مزيد من مقدرات هذا المجتمع المستلب بفعل الانهيارات الامنية والخدمية وحالة الاضطراب الفكري التي تسيطر على النخب المنهمكة في تثبيت المواقع وجني الارباح في فورة السياسة الديمقراطية العشوائية التي تستلزم الانصار والموالين والمتملقين والنمامين، ولذلك يميل العراقي الى مزيد من الاعتماد على الدولة وهذه الاخيرة كثيرا ما تعد وتغري وتؤمل ثم تترك المواطن معلقا بالوعود والاغراءات والآمال كالمخدر، لكن هذا المواطن ان سخط فلن يجد من يسخط عليه غير الدولة والساسة، ومن هنا تتراكم مشاعر الغضب تجاه الدولة المالكة لكل شيء او التي تدعي انها مالكة لكل شيء وقادرة على كل شيء، وهذه الدولة نفسها اصبحت بساستها مترفة الى درجة الاستغراب من شكوى الناس الذين يعيشون نقصا في كل شيء.
العراقي ينهمك بالسياسة في احاديثه، لأن السياسة لم تترك له امورا كثيرة يتحدث او ينهمك بها فهي أكلت عمره واحلامه وافراحه الصغيرة وهواياته واصدقائه ومجتمعه المحلي ومعتقداته الروحية وامسكت بكل ما تبقى له، والعراقي يحتد في المناقشة السياسية ولسانه يقذف لغة مبتذلة احيان ويرفع صوته رغم ان كل محادثيه يتفقون معه في الرأي ولكنه لا يحدثهم هم بل كأنه يريد مخاطبة قوة ما لا يراها ويعتقد انها لا تسمعه، فيرفع صوته لعلها تتدخل وتمنحه الخلاص، قوة قد تكون ارضية او غير ذلك، قوة لا يعرفها ومع ذلك يريد منها او يحلم بانها ستغير كل شيء، وهنا ينبت السؤال عن معرفة العراقي السياسية، وهي معرفة خليط من الاوهام والاحلام والعقائد السياسية والموروثات ومشاعر الغضب والتشوهات المتنوعة التي ضربت العراق على مدى قرون، فصارت المعرفة السياسية عند العراقي محكومة بالعاطفة المتقلبة، فهو يتهم شخصا ما بشتى التهم واشنعها ثم يذهب بعد ذلك لإنتخابه، وهو ينتخب دون ان يعرف النظام الانتخابي نفسه، واحيانا ينتخب دون ان يعرف المنصب الذي تجري الانتخابات لإشغاله، وربما ينتخب شخصا للمجلس النيابي وهو لم يسمع به من قبل فهو ينتخب من اجل الانتخاب لا أكثر، وقد يرفض الانتخابات ويشتمها ويكره كل ما فيها ومن فيها دون ان يكون قادرا على تبرير ذلك ولا اقتراح بديل عنها.
بعض الساسة يقولون ان العراقي، كل عراقي هو محلل سياسي جيد وانه قادر على التمييز الصحيح واختيار الافضل، وقولهم هذا سببه ان العراقي يديم وجودهم في مواقع السلطة ولا يقترح بديلا عنهم حتى عندما ينخرط في العمل المسلح او الارهابي، وهو عندما ينتخب قد يعيدهم الى مقاعدهم بصورة او اخرى وربما حتى لو رفض انتخابهم وحول بوصلته عنهم فإنهم بشكل ما يستفيدون من انهماكه بالسياسة.
يبدو انها حلقة مفرغة تربط حياة الانسان العادي الذي يريد كل شيء من دولة تعجز مؤسساتها عن كل شيء، وهذا دافع قوي للتفكير ببدائل او تعديل هذه العلاقة لتكون اكثر فائدة للطرفين.



#ساطع_راجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رئيس وزراء تسوية
- لاخطوط حمر ولا استثناء لأحد
- لقاء السحاب المستعصي
- مراجعة النظام السياسي
- تدفق الاسلحة على العراق
- إنهيار أمني وإنشغال سياسي
- عن التهديد والوعيد
- تدويل الازمة
- إطلاق سراح الابرياء
- شرعية قيد التشكيك
- متاهة عراقية
- ذبح الاطفال..خبر عابر
- صراع الأحقيات
- العناد السياسي
- الدور الاقليمي في تشكيل الحكومة
- أسس التفاوض والتحالف
- كثير من الضجيج الأجوف
- نتائج حرجة ومثيرة
- عندما لا نفهم النظام السياسي
- إنتخابات بدرجة فوضى


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ساطع راجي - الانهماك الشعبي بالسياسة