الموازنة وجدلها المتأخر

ساطع راجي

الحوار المتمدن-العدد: 2571 - 2009 / 2 / 28 - 06:01
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

مثلما يجري في كل عام تأخر الجدل حول الموازنة في مجلس النواب حيث يكاد الربع الاول من العام المالي أن ينقضي دون إقرار الموازنة العامة، جزء من التأخير يعود الى إضطراب أسعار النفط الذي أدى إلى إعادة تنظيم الموازنة أكثر من مرة مع كل انخفاض يشهده سعر برميل النفط في الاسواق العالمية، ومع ذلك فإن المشاكل السياسية ساهمت أيضا في تعطيل مناقشة الموازنة والمصادقة عليها في مجلس النواب، وخاصة مشكلة رئاسة المجلس.
معظم الاعتراضات وعلامات الاستفهام التي يطرحها النواب على مسودة مشروع الموازنة، هي جديرة بالاهتمام وتؤشر حالات خطرة من الخلل لا تنحصر فقط في الخطط المستقبلية للحكومة ولكنها تمتد حتى الى مستوى الخروقات الدستورية وعدم الشفافية في صرف الاموال وعشوائية توزيع المال العام على مؤسسات الدولة وهو ما يؤدي الى تعزيز سلطة البعض من الاشخاص والجهات بسبب ما يحصلون عليه من تخصيصات كبيرة تؤهلهم للقيام بدور أكبر في الحياة السياسية وتساعدهم على تحسين صورتهم في الاعلام ومد الجسور مع المجتمع عبر رعايتهم وحضورهم في المشاريع التي تنفذها مؤسساتهم، وفي المقابل هناك من يضعف دوره في الحياة السياسية بسبب تخصيصاته الضئيلة.
تكتسب موازنة العام الحالي أهمية خاصة لأنها موازنة عام سيشهد إنتخابات نيابية عامة وستكون كثير من الوزارات والمؤسسات جزءا من الحملات الانتخابية وسيساهم المال العام في جذب الاصوات وستذهب الانتقادات الموجهة لهذه الممارسات هباء منثورا مثلها مثل الجدل الذي نشهده هذه الايام على الموازنة التي ستمرر في كل الاحوال نتيجة صفقة سياسية مثلما حدث في السنوات السابقة وربما ستجرى عليها تغييرات طفيفة إسقاطا للفرض وتهدئة للنفوس لا أكثر.
المناقشات والاعتراضات التي تدور حول الموازنة تشارك فيها جميع الاطراف بدرجة واحدة من الحماس المتقد مما يؤشر إن لا أحد يعلم بمجريات وضع الموازنة وحيثياتها قبل وصولها الى مجلس النواب رغم إنها شأن دوري له مواعيده الثابتة والمعلومة، وهذا يعني إن هناك إنفصال جذري بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية في البلاد رغم إن معظم الكتل البرلمانية الكبيرة تشارك في الحكومة وبالتالي لها عيونها التي تنقل لها أخبار الموازنة وخطوات وضعها وإذا كانت هذه القطيعة فعلية بين البرلمان والحكومة فهناك خلل كبير في إدارة الدولة العراقية التي يفترض أن تعتمد مبدأ الشفافية في مختلف أعمالها.
هذا الجدل الحامي المتأخر قد لا يكون إلا جزءا من الضغوط السياسية المتبادلة بين الكتل على خلفية التنافس القائم نتيجة لآثار إنتخابات مجالس المحافظات وتمهيدا للتنافس القادم في الانتخابات النيابية وهو أيضا يعكس التنافس الشديد على توزيع المال العام بين المؤسسات التي تتوزعها المكونات السياسية وفق نظام المحاصصة المعمول به في البلاد، كما إن هذا الجدل المتأخر قد يدخل في باب تبرئة الذمة النيابية ليقول كل نائب إنه دافع عن حقوق ومصالح الناخبين الذين يمثلهم.
الجدل حول الموازنة هو حالة صحية وفرض سياسي في النظم الديمقراطية وهو جدل يجب أن يبدأ في مرحلة مبكرة تسبق إنطلاق وزارة المالية في عملية تنظيم الموازنة فمن واجب ممثلي الشعب نقل حاجات ناخبيهم الى الحكومة لتكون على بينة من الحاجات الحقيقية للمواطنين، كما إن من واجب النواب الاطلاع على خطوات الموازنة وإعلام الرأي العام بها وإثارة النقاشات حولها خارج قبة البرلمان أولا لتكوين مواقف شعبية واضحة من عملية إنفاق المال العام وتحديد أولويات هذا الانفاق.
المؤكد إن أعضاء مجلس النواب يعرفون هذا السيناريو المعتاد للجدل على الموازنة وهوجدل يجري في جميع بلدان العالم الديمقراطية منها وشبه الديمقراطية ومع ذلك يصر النواب كل عام على تأخير هذا الجدل حتى يكون غير ذي جدوى في النهاية ويظهرون أمام الرأي العام وكأنهم العقبة التي تعطل سير الموازنة.

#ساطع_راجي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل