|
عُرسٌ في الارض وخمرةٌ من السّماء
زهير دعيم
الحوار المتمدن-العدد: 2264 - 2008 / 4 / 27 - 03:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثيرًا ما غُصتُ في أعماق اللغة العربيّة باحثًا عن كلمة مُرادفة لكلمة "عُرس" فما وُفّقْتُ إلى معنى واحد ، فهي آنًا النشوة النقية ، وآنًا تحقيق حُلم مُلوّن ، وآونةً التئام قلبين في بوتقة المحبّة ، وأخرى استقرار وطمأنينة ...والقافلة ، قافلة المعاني تطول ويبقى المعنى ناقصًا . وها هي مواكب الأعراس قد بدأت في جليلنا ووطننا ، بدأت مع الطيور العائدة ، ومع النِّسرين والسّوسن ، ومع النور المُنثال من نيْسانَ وأيّارَ وإخوتهما . بدأت الأعراس تحُطُّ أقدامها الناعمة على دروب بلادنا وربوعنا ، وكم نتمنّاها في كلّ بُقعة من بقاع المسكونة !! " وفي اليوم الثالث ، كانَ عُرس في قانا الجليل ، وكانت امّ يسوع هناك، ودُعيَ ايضًا يسوع وتلاميذه الى العُرس " (يوحنا الإصحاح الثاني ). ما أجمل الأعراس حقًّا !! وما أحلى مواسم الأفراح ، وما أروع العرس الذي يحضره الربّ بنفسه ، فيباركه، ويُجمّله ، ويُضفي عليه مِسحةً من قداسة ، ومسحات من إلوهية ، وسيلاً من محبة وثبات . واتخيّل أحيانًا هذا الربّ الرائع القدّوس ، يجلس حول طاولة الفرح في قانا الجليل ، وحوله تلاميذه ، وهو يرنو الى العرس العتيد ، عرس الحَمَل وكنيسة المفديين ، فيطرب ويزهو وينتشي بالروّح . وتدور الخمر ، خمرة الدُّنيا ، فتلعب بالرؤوس ، وتُحرّك المشاعر والأحاسيس ، ثمّ ما تلبث أن تنفد ، فيرتبك العريس ، ويرتبك أهله ، فالحفلة ما زالت في أوجها ، فماذا سيقولون لرئيس المُتكأ وللحاضرين؟. وتعلم السيدة بالأمر ، المرأة القدّيسة ، مريم ، الاسم الأحلى والأعطر ، فتفوه بجملةٍ ما زال يتردّد صداها الى اليوم ، وما زال مفعولها ظاهرا حتى السّاعة والى السّاعة ....قالت بفمها الطاهر : " مهما قال لكم فافعلوه ". وكانت الآية الأولى ، وكانت الخمر الجديدة ، خمر السّماء ، الجيّدة ، الرائعة، التي تملأ الإحساس والنفوس بنشوة الهية ، فتَهيم الرّوح مُحلِّقَةً، وتروح تُرنّم وتُسبِّح . صدقوني ما كان هناك حاجة لذوّاقة للخمر فالفرق شاسع والبون كبير ، بين خمرة الدنيا وخمرة السّماء ،فالاولى أرضيّة ، غير ذات جودة ، والأخرى روحانيّة تسبي النفوس والمشاعر ، وتُحلّق بكَ الى الجبال ، والى الفضاء ، والى السُّحُب . وينبري رئيس المُتكأ لائمًا : " كلّ إنسان إنما يضع الخمر الجيّدة أولاً ، ومتى سكروا فحينئذ الدون ، أمّا انتَ –يا عريس-فقد أبقيت الخمر الجيّدة إلى الآن " وما درى المسكين – ويا ليته فعل – أنّ الله بذاته وبجوهره ، يحضر العرس ، ويبارك ويسقيهم من خمرة السماء ، وينعشهم بشريعته . وما زال الربّ يسوع يحضر الأعراس ، ويبارك ويلوّن بحضوره كلَّ محضر ، ولكنه لا يأتي هكذا وبدون دعوة ، علينا أن ندعوه ، ويقينًا سيُلبّي الدعوة ، وسيكون نقوطه رائعًا ، عظيمًا ....سيكون اضمامة من محبة ، وأخرى من هدأة البال ، واضمامات من سعادة أبديّة ، وسيبقى هذا الربّ العريس السرمديّ يحفظ البيت وأهله ، فانتهزْ اخي الشّاب المُقبل على الفرح ، انتهز الفرصة ، وادعُ يسوع ، واجعل بهذا فرحك مُستديمًا ، سماويًا ، وبيتك ثابتًا مبنيًّا على صخر الدّهور ، واجعل عُرسَكَ عرسين : الأول على الأرض والثاني في السماء ..صدّق فانا قد دعوته فحضّرَ!!
#زهير_دعيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بُستان الجثسيماني والزيتونة العتيقة
-
دم أخيك يصرخ اليَّ
-
حان الوقت لتغيير السُّلّم !
-
الحقل الأغلى
-
جارة القَمَر مرّة اخرى
-
لغةُ الحياة ،لا لغة التكلُّلف
-
القلبُ الجديد
-
كم من الرجال مثلك يا اسواني؟!
-
فصحُ السّماء
-
عيد الأمّ
-
نهرٌ وصليب
-
صداقة - قصّة للأطفال
-
عُرس ابن الأرملة
-
عيد المرأة العالميّ -فُرصةٌ لحساب النَّفْس
-
غدًا يذوبُ الثّلج
-
....وسيسيرُ الربُّ على السَّحاب
-
عُشُّ السُّنونو
-
رسالة الى مُنتحِر
-
كذا أنا (2)
-
الذي لا ينام
المزيد.....
-
بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي
...
-
مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي
...
-
مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة
...
-
بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري
...
-
أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل
...
-
-تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف
...
-
سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
-
المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس
...
-
الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|