أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير دعيم - عيد الأمّ














المزيد.....

عيد الأمّ


زهير دعيم

الحوار المتمدن-العدد: 2224 - 2008 / 3 / 18 - 07:18
المحور: الادب والفن
    



منذ أن عادت من المدرسة, طمرت حنان رأسها الصغير في فراشها , وهي تبكي وتتنهّدُ بصمت وهدوء , فهي تخاف أن يلحظ ذلك أبوها العائد من العمل , والذي يشقى ويتعب كثيرًا من أجلها , انّها لا تُحِبُّ أن تُزعجه, ولا تريد أن تُذكِّره بيوم غدٍ, فغدًا عيد الامّ , عيد التضحية والحُبِّ والعطاء , والمُعلّمة في المدرسة قد طلبت من الطلاب أن يُقدِّمَ كلّ طالب هديةً رمزيهً لامّه, ثمّ يرى ردَّ فعلها ويكتبه من خلال موضوع إنشائيّ صغير , يتوخّى فيه الدّقة ورسم المشاعر بأحلى الصّور .
ولم تنتبه المعلمة رَهَف الى أنّ حنان قد فقدت امّها منذ سنتين , حين كانت في الصّف الرابع ...وكيف تنتبه وهي معلّمة جديدة ومن بلدة اخرى؟ انها لا تعرف سكّان البلدة ولا أحوال معيشتهم , فلم يمرّ على عملها في المدرسة إلا عدة أشهر.
صحيح ان الطلاب نظروا الى حنان نظرات ٍ لها أكثر من معنى , ولكنّ هذا الأمر لم يُثِر انتباه المعلّمة.
جفّفت حنان دموعها, وراحت تتذكّر اللحظات الجميلة والدفء الذي كان يغمرها من امّها , تذكُرها ملاكًا يحرسها , ونجمًا ساطعًا يُنير دربها , ونسمةً بليلةً تُنعشها في يومٍ قائظ , تذكرها وهي تأخذ رأسها الصّغير , وتروح تُداعب جَديلتيها وتُقبّلهما , ثُمَّ تضمُّها إلى صدرها وتقول : "ما أحلاكِ يا حنان ...ما أجملكِ يا صغيرتي!!
لقد انقضى كلّ شيء , ولم يَبْقَ سِوى الذكريات , ولكن هيهاتِ ...فالذكريات مهما كانت حلوةً فهي لا تكفي , ولا تساعد على الفَرضِ المدرسيّ .
فبعد غدٍ قريب وعليها أن تفعلَ شيئًا , عليها أنْ تتحرّك , خاصةً وأنّها لا تُحبّ المواقف المُحرِجة , وتكرهُ أنْ تكون مثارًا للشَفقة .
نامتْ حنان , ولم ينم تفكيرُها .
نامت حنان ولم تنم دموعها .
وكان لا بدَّ للصُّبح أن يطلع , فجاءَ ربيعيًا مُشمسًا , تُزقزق فيه الطيور على الأشجار الخضراء .
ترَكَ الوالد بيته مُتوجّهًا إلى عمله بعد أن طبع على جبين حنان أكثر من قُبلة.
ولم تجرؤ حنان أن تطلب من أبيها شيئًا , وهو لم يلتفت بدوره إلى الحزن الغارق في عينيها , والهمّ السّاكن في وجهها !!
لم يطل تفكير حنان , فقد قرّ رأيها على آن تنتهز عطلة نهاية الأسبوع، والجوّ المشمس ، فتزور الطبيعة وتقطف إضمامة ورد مزركشةً ً لأمها . إنه أفضلُ يوم ٍ للزيارة ً ... إنه عيدها،عيد الأم، وهي تحبّ أمها محبة ما بعدها محبة.
كالغزالة الصغيرة درجت حنان فوق الزّهور والصخور، وقطفت باقة من البرقوق وعصا الرّاعي والياسمين، وعادت بها الى المكان الهادئ الصامت أبدا ً..
هناك، ركعت عند القبر تقبّل ُ أقدامه، تسبقُها دمُوعُها اليه..ولم تستطع ان تقول سوى:
كل عام وانت بخير يا أمي..يا حبيبتي!
وكرّرت هذه العبارة مرّاتٍ ومرّات، فكم هي جميلة ٌ هذه العبارة"يا أمي" فمنذ سنتين لم تنفرج شفتاها عن ذكرها!
وجاء اليوم التالي، اليوم المدرسيّ..
وعندما جاء دور حنان لتقرأ ما كتبته، خيّم السّكون على الصف بشكل ٍ غريب، فالكلّ ينتظر ويترقّب، هل كتبت؟ وماذا كتبت ؟
وسحّت الدموع سخينة ً من عينيّ حنان، وتهدّج صوتها وهي تقرأ:
أمّاه ! لقد أدمى الحصى قدميّ الصغيرتين وأنا أقطفُ لكِ هذه الباقة المتواضعة ، فلِمََ لا تهبّي لعناقي ..لماذا تبقين صامتة ً ؟! إني أتوق ُ الى أنفاسك الحارّة َ ، وأتوق الى لمسة حنان ٍ ، وكلمة تشجيع ٍ..لماذا يلفَّك الصمت الذي أخافهُ؟
ولم تستطع حنان أن تتابع، فقد خنقتها الدموع.
ونظرت المعلمة الى طلابها، فإذا بنهر ٍ من الدموع يسيل، فاقتربت منها وبحنان فائق ٍ عانقتها بحرارة ٍ ، وهي تقول : حنان أنت ابنتي .. هًل تقبلينني أمًًّا لكِ؟! هل تقبلينني أمًًّا لكِ؟!
وهزّت حنان برأسها الصغير، فعصَفَ الصّف بتصفيق ٍ حارّ طارَ الى البيوت ِ البعيدة.



#زهير_دعيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهرٌ وصليب
- صداقة - قصّة للأطفال
- عُرس ابن الأرملة
- عيد المرأة العالميّ -فُرصةٌ لحساب النَّفْس
- غدًا يذوبُ الثّلج
- ....وسيسيرُ الربُّ على السَّحاب
- عُشُّ السُّنونو
- رسالة الى مُنتحِر
- كذا أنا (2)
- الذي لا ينام
- هل انقسمَ المسيح ؟
- وطني
- بلادي تتزيّن بالمصريين
- كَيْفَ ؟
- مَريَم ...نوَّرتِ مصر
- ألأقباط هذا الشّعبُ الحيّ
- الحُبُّ أقوى
- أعطنيها
- بائِعةُ الورد
- عامٌ جديدٌ وأملٌ جديدٌ


المزيد.....




- صدر حديثا ؛ حكايا المرايا للفنان محمود صبح.
- البيتلز على بوابة هوليود.. 4 أفلام تعيد إحياء أسطورة فرقة -ا ...
- جسّد شخصيته في فيلم -أبولو 13-.. توم هانكس يُحيي ذكرى رائد ا ...
- -وزائرتي كأن بها حياء-… تجليات المرض في الشعر العربي
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي حماية ثقافة الشعوب الأصلية ولغاتها؟ ...
- -غزة فاضحة العالم-.. بين ازدواجية المعايير ومصير شمشون
- الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص ...
- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...
- أبو الحروب قصة جديدة للأديبة منال مصطفى
- صدر حديثا ؛ أبو الحروف والمدينة الهادئة للأديبة منال مصطف ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير دعيم - عيد الأمّ