أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - علي شايع - الانتفاضة الموسيقية !















المزيد.....

الانتفاضة الموسيقية !


علي شايع

الحوار المتمدن-العدد: 699 - 2003 / 12 / 31 - 04:24
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 لأنهم ورثة النكبات الدامغة ،أصبح أهل العراق الآن، أكثر شعوب الأرض تعاطفا مع المنكوبين في أي ما جهة، لأن الألم جعل فيهم من شفافية البوح عن الآخر؛ حزنه ومصيره، بوحا عن مصائر ضاربة في الكدح، لتفقدِ من بقي منهم بعد كل خطب وهول.
 بالأمس، قلب كل إنسان، إنسان ، غاص عميقا مع صراخ الأمهات في ما تبقى من فراغ يوصل الصوت الى المطمور  في ركام مدينة بام. وقول أي عراقي الآن بألم الآخر والبوح عنه رغم انشغالاتنا بجراحات أدمى واشد عسرا، لا يحسب قطعا في زوايا التعازي الفلسفية العابرة، بل هو مشاركة،تشبه مشاركة الصوفي :

لقد صار قلبي قابلا كل صورة      فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف         و ألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت        ركائبها فالحب ديني و إيماني

ولا ادري كيف توجه قلبي سريعا الى مكة، توجه هذه المرة الى بن عربي الذي رددت قصيدته بلهفة،وهو يمضي  فيّ، ومعي، الى مكان آخر في تلك الصحراء،عبر بن عربي معي بكل حزن الصوفي، وهو يـُتهم بعبادة المرأة المكية!،في ترجمانه الشهير،وهو المكفّر لأنه ما قال بحروب الدين!،آخذني بن عربي الى صحراء رفحاء، الى أول فجر عراقي لم يكتمل في العراق فتربى في رمالها الموحشة،في ذلك المكان.
كنت استعين به وبآمال كل فلاسفة الأرض،لأقول عن شعب منسي،لا زال في صحراء العرب، شعب بلا جهات بعد ان ضيعهم العمر في تيهنا الأكبر، شعب غاب في غيابة جب أخوة يوسف العربي،ولازال منهم الى الآن 4آلاف سجين  حسبما قرأت  مؤخرا في أحدى إصدارات الأمم المتحدة. نسيناهم، وتعزينا بعزاء ان يكونوا على قيد الحياة بعد ان صار هذا القيد نتيجة مفرحة في زمن متصحر القتل.
 أيام عدت الى العراق،التقيت في ناحية الدغارة بأحد العائدين قال لي ذات الكلام الذي يربط الإنسان كوجود وقيمة بقيد الحياة هذا.. قال بيأس: تخلى الجميع عنا. فخفضت رأسي حتى اختفى في أزقة الناحية الموحلة.
رفحاء أو الارطاوية ذاكرة عراقية لعقد من السنوات، ستحتاج الكثير ليكتب عنها، والتوقف على مشروعها الإنساني، ومدى تقبل الإنسان لصور بن عربي فيها،دين المحبة لا وهم حروبه، أقول بن عربي وفمي يمتلئ بنشيج المحمداوي، حتى كدت اغني، فتذكرت ما كتب من أيام في إعلان عن فرقة ثوار الانتفاضة الموسيقية، التي صدحت بأناشيد عراقية كانت تعلن أسطورة هذا الشعب الذي يتحدى الرمل بالموسيقى في حاجتنا لتداول الألم العراقي، وما تراكم في نفوسنا من أحلام.  كان  النفي نفيا بسواد ما يعنية قلب السجان ،وكان  صحراوي الجهة وعربي المكان والألم ..يوم وجدنا أنفسنا في عري التيه وبدده.. بلا رجاء أو أمل منقطعين الى أنفسنا والى ذكريات وطن نتداوله بأمل العاشق. بأمل مشردين ثوار يتصحّر الفرات في ذاكرتهم وتتلاشى عنهم صور الأحبة، و أهل صار النظام يجرهم أخا أخاً أو أبا أبا، حتى تكاثر شتاتنا في مقابر جماعية لا جرح لها إلا في ضمير الشرفاء، وبقيت لهم  مقابر أحياء في البوادي، شرط قيد حياتهم وموتهم الذي يؤجله مزاج العسس الصحراوي. فلم يكن لنا غير ان نحتشد بآلام بعضنا البعض ، للنفي الصحراء ، عن واقع ما نكابده في يوم عسير، في مثل هذا الظرف يتعطل كل شيء، فلا وصف ينقذ، ولا  الشعر يعلّل!.
واذكر اني مرضت هناك فحملتُ الى مستشفى مدينة المجمعه،و في الطريق كنت أمر بأسماء قرى صحراوية، كانت بين الألم تمر مع ذكرى لجدي وهو يتحدث عن( المجمعة) ( ام الجماجم) وأماكن جمع فيها نزيف السبي وجماجم الأجداد، لكني كنت انشغل عن هذا بألم حثيث،وفي المستشفى كنت ابكي بن عربي في وحدة وجوده،وسبينوزا اليهودي في وحشة منفاه الصحراوي!، وسط ان اجمعه وبن عربي في مستشفى صحراوي لأدعي وحدة أخرى لهم،ربما كان هذا بفعل أدوية كانت آخر علاج لأطباء أزعجهم صراخي العراقي(الشغيب) وسط مستشفى تردد الصدى، ولا يتبعه احد لأننا كنا سجناء في زاوية السجن الموحش،جمعنا مصير العراق بقتلة ومجرمين وأصحاب سوابق ولواحق في ذلك السجن المستشفوي السعودي، والحديث عن هذا يطول في كتابة لي ستجد أملها للنشر بعد حين.
في هذا السجن كان الطبيب ( الأجنبي في الغالب) يحضر مستاءً  حتى يفاجأ بعراقيين،  يتذكّر فيهم بن عربي، وكان من بينهم مروان، كان موسيقيا من سوريا، يضحك حين أقول له انك تذكرني بالتاريخ أيها الطبيب الموسيقي!،(سيتذكره صديقي ورفيق سجن المستشفى العزيز رحيم أبو لعيبة)وفي حديث عن الشعر همس في أذني  قصيدة لشاعر سوري معتقل، وغنى دون آلة موسيقية أغنية لفيروز،وحدثته عن خبر موسيقى في الصحراء تعزف الآن.. وطال حديثنا حتى مدد مدة إقامتي في المستشفى لأسبوع أضافي!. خرجت بعدها الى صحراء صارت سجنا موحشا لسنوات.
ما عشناه في صحارى العرب ، سابقا، وأبدا،لا يدرك بالكلام،ولا  بموسيقى الرحّل منهم و لا لغة لنا فيه،يومها غير ذهولنا من وقيعة إجهاض الانتفاضة، ولجوء الآلاف،  بالأجساد المليئة بالعراق وارثه.. بين أناس يظنون ان العلف سيجعل الطائر يغني بأجمل من أمنياته..وتشتتنا بين الارطاوية ورفحاء.. في تلك الوحشة الدامغة،وسرعان ما تسائلنا عن اسم المكان ولون الأمل وجهة الشروق.. ومعنى الموسيقى، فعرفنا أن المكان  مضارب لليتم العربي، والتخلي البغيض..ولا موسيقى الا لنشيد عراقي. فتجمعنا مستمعين  الى الشعر وتذاكرنا المسرح، واشتغلنا أعمالا مسرحية، ومعارض رسم، وحلقات نقد وقص. حتى تعلمت الصحراء سريعا ان فيها بعض معجزة، مما جعل سلطات الصحراء تتشدد  بطبيعة الحال، على أفكارنا، فتبادلناها عبر طائرات ورقية تنقل الأخبار والقصائد واشرط موسيقية نزعت عنها الأغلفة، فكانت فيروز تطير إليهم وتأتي إلينا،وتحمل أيضا ما يصل من أخبار .في رفحاء ، المنفى الثاني لم يختلف الحال كثيرا،
في رفحاء كانت فرقة موسيقية وليدة الأمل تبدأ بآلة الاورك، التي تعمل على البطاريات، وكان السباق مع زمن البطارية، فوصل الأمر الى تقشف شديد من اجل شيء موسيقي تجلبه بطارية جديدة، فكان النشيد يأتي محملا بكل هبات التمني والأشياء المؤجلة حتى تقول الموسيقى بعض أنينها عن العراق.
اتسعت حلقت الفرقة بين مشارك ومستمع، وبين صاحب فكرة في ابتكار عراقي للتسجيل دوّخ أخصائيين في التسجيل الصوتي لاحقا، وبين شاعر، وفنان، وعابر سبيل صحراوي، وصاحب قضية، كان ينتظر برامج إذاعة معارضة عراقية تبث من مسافات بعيدة، ليستمع الى إبداع الخيمة المجاورة.
كان لفرقة ثوار الانتفاضة  صوت بقي الى الآن صداه في ذاكرة الأناشيد العراقية، فما كان لها ان تذوب في شتات النفي والنسيان،لأنها قالت بأمل وأنشدت له، فمبارك لها ان تعود لتربي نشيده من جديد.
أشد بالقلب على أمل هذه الفرقة ودعوتها من اجل أغنية ونشيد لعراق خال من الديكتاتورية،يكون خطوة للبناء ستفعله الموسيقى فعل اليد الحانية.
وبمثل هذا اشد برجاء القلب على كل نص ومعزوفة ومشاركة وأمنية تدفع هذه الموسيقى للوصول الى الفرح العراقي.. بانتفاضة موسيقية على أرث النزف.



#علي_شايع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيضة الديك تاتور !
- مقترح لمتحف جديد
- صورة الدكتاتور في احتفاله الأخير
- آلام المغني
- الإرهاب الحميري!
- حواس مخادعة
- قيامة أيوب
- بلاغة المثقف وبغلته
- العودة الى العراق بعد غياب 4536 يوم
- طوبى لمن يُمسك صغاركِ ويلقي بهم إلى الصخر!
- 11 نوفمبر و 11 سبتمبر !! وأعياد نستها الطفولة
- رسالة إلى بغداد
- لا ينقذ النخاس من نخاس
- جذور العنف..في الحديث عن الشخصية العراقية
- ايها العرب.. -تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم
- رسالة الى الكاتب بسّام درويش
- في ذكرى ميلادي/ النكسة
- 175872 ساعة من العزلة
- محطّ الأماني في معرفة الكبيسي الاول والثاني
- متابعات صحفية


المزيد.....




- Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
- خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت ...
- رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد ...
- مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
- عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة ...
- وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب ...
- مخاطر تقلبات الضغط الجوي
- -حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف ...
- محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته ...
- -شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - علي شايع - الانتفاضة الموسيقية !